مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

المظاهر الخداعة بقلم فؤاد زاديكي

 المظاهرُ الخدّاعةُ

بقلم: فؤاد زاديكى


إنّ الإنسانَ بحُكمِ طبيعتِه البشريّة, و واقعِ الحياة المفروضِ عليه, فهو يتعاملُ مع وَسَطٍ اجتماعيٍّ فيه مِمّا هبَّ ودَبَّ من أجناسِ البشرِ المختلفينَ بطباعهم و أفكارِهم و عاداتهم و تقاليدهم و كذلك برؤاهم و سلوكيّاتهم الحياتيّة, وبموجبِ هذا التّعامل فهو محكومٌ بالتّواصل و بالاحتكاك بأكثر هذه الأنواعِ من البشرِ, لأنّ نمط الحياة ومستوجباتها تتطلّب ذلك و تفرضهُ, فهوَ إلزامٌ لا مناصّ منهُ ولا إمكانيّة لأيّ هروبٍ منهُ.

لكنْ ومع كلّ هذه المواقف التي نعيشُ وسطَها, فإنّنا نؤثِّرُ فيها و هيَ كذاك تؤثّر فينا, ومِن هنا يتوجّبُ علينا على الدّوام مرابة ما يجري مراقبةً دقيقة بعين فاحصةٍ وبوعيٍ كامل كي لا نقعَ في مطبّات لا حاجة لنا بها و لا داعٍ, فقد تُسيءُ لنا أو يكون لها تأثيرٌ سلبيّي مِنْ نوعٍ ما.

كما سبق و أسلفنا فإنّ البشرَ ليسو على سواسية ولا هم متّفقون على أمرٍ أو موقفٍ واحدٍ أو هم يمارسون سلوكيّة معيّنةً واحدة, بل هناك تمايز و اختلاف بين جميع البشرِ, فهناك مَن يكون معك صادقًا أمينًا وفيًّا و هناك مَنْ يغدُرُ بك كلّما سنحت له الفرصةُ بذلك, وهناك مَن يرفعُ من قدرك و قيمتك في مجتمعك اثناء حضورِكَ وفي غيابِك, و هناك آخرون على النّقيضِ من ذلك تمامًاو إذ يحاولون الإساءةَ إليك بأيّ شكلٍ أو محاولة.

إنّ ظاهرة الخديعة و الخداع و المخادعة هي موجودة في كلّ المجتمعات الإنسانيّة, و إنْ كانَ انتشارها في المجتمعات التي يسودها الجل و التّخلّف و بعض الأفكار غير السويّة أكثر, ونلاحظ هذا في مجتمعاتنا العربيّة بوضوح, إنّها ظاهرة اجتماعيّة تتميّز بظاهر الصدق بينما هي من الدّاخل مبنيّة كلّيًّا على الكذب و المراوغة و الخداع, لقد قيلَ في الأمثال " ليسَ كلُّ ما يلمعُ ذهبًا" و هذا المثل يعني هذه النّوعيّة من البشر بالتّحديد, لأنّ الظّاهر يكون بخلاف الباطن, يُريد الشّخص المخادع أن يظهر أمام الآخرين بأفضل ما يكون فيحاول إيهام النّاس بطيبته بينما يكون في باطنه شرٌّ لا حدَّ له, و يُبدي لهم أنّه صادق و أمين فيما وبواقع الأمر هو كذَاب و منافق, ويحاول البعض خَلق هالة من الاحترام والتّباهي وشعور العظمة لنفسه بين النّاس بينما في واقع حياتهم يُعانون من ضعفٍ ومشاكل نفسيّة, يُريدون الهروب منها باتّباع مثل هذا السّلوك, الذي يُظهرهم بألوان جميلة خلّابة تخدعُ البصر و تعمي العين, وهنا يكون موقفُ الحسم من الشّخص الواعي ليستطيع كشفَ زيف هؤلاء الأشخاص ومعرفة جوهرهم المناقض لظاهرهم, و كم من المظاهر الخدّاعة توجد في حياتنا و يوميًّا, وأظنّ أنّ كثيرين مِنّا مرّوا بمثل هذه المواقف ومنهم مَنِ استطاعَ كشف هذا الخداع و منهم مَنْ بَقي على جهله و غبائه مُقتَنِعًا بأنّ خداع هؤلاء لهم ليس خِداعًا.

إنّ الكلمات المنمّقة و العبارات المسبوكة بسحر الألفاظ و المشبعة بأوهام الصّفات و أنواعها و كذلك الظهور بوجهٍ بشوشٍ كوجه الطّفل البريء, ليس دائمًا هو الوجه الحقيقيّ لهؤلاء الشخاص بل هو قناعٌ يتستّرون وراءه لغاية ما بنفوسهم, فاحذروهم.

أجَلْ كم هيَ خَدّاعةٌ المظاهر, ولا طائلَ من كلّ ذلك علينا في مثل هكذا مواقف أن نكون على قدرٍ كبير من الوعي وعلى معرفةٍ تامّةٍ بما يحصل من حولِنا, لئلا نسقط في هوّة الخداع و الخديعة, فيتمّ الضّحك علينا بالنّصب و الاحتيال, فنشعر بخزينا و ضعفنا و هزيمتنا أمام هؤلاء المخادعين. إنّ مَنْ يبني أحكامَه و يأخذ قراراته (وقد تكون قرارت مصيرية كالزواج أو شراكة تجاريّة من أي نوع كانت) بناءً على المظاهر الخارجيّة وما تراه العين فسيكون خاسرًا بالتّأكيد, لهذا يُقال: اِبحَثْ عن الجوهر بعيدًا عن المظهر.

أحبّ بالمناسبة أن أذكر بعض الأمثال التي تتحدّث عن الخداع و المخادعة لزيادة الفائدة:

لا تحكم على الشجرة من لحائها

لا تنخدع باللباس أو المظهر، فمن أراد البحث عن لؤلؤ فليغص إلى الأعماق

تزيين الجسم أسرع من تزيين النفس.

ليست كلّ الغيوم تحمل مطرًا

من بَرّا خامْ و مِنْ جُوّا سخام

من بَرّا هَلّا هَلّا و من جُوّا يعلَم ألله

الزينة الجميلة تغطي لحمًا هزيلًا.

الرّداء لا يصنع الرّاهب

اللحية لا تصنع الفيلسوف

ليست البقرة الأقوى خوارًا، هي البقرة الأكثر مدرارًا.

علمتني التجربة الطويلة أنّ المظهر يضلل وأنّ الأفعى كثيراً ما تختبئ تحت الأزهار.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق