مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الجمعة، 24 فبراير 2023

مسؤوليّةُ الحاكمِ تُجَاهَ شَعبِهِ بقلم فؤاد زاديكى

مسؤوليّةُ الحاكمِ تُجَاهَ شَعبِهِ
بقلم الشاعر السوري فؤاد زاديكى
عندما أُريدُ التهرُّبَ مِنْ مسؤوليّتي أمام نفسي والآخرين, ألجأُ إلى أُسلوبِ توجيهِ الاتّهاماتِ يمينًا و يسارًا, شرقًا و غربًا كيفما كان, على الغيرِ,فالمهمُّ هوَ التملُّصُ منها بأيّةِ طريقةٍ كانت, و أيّةِ خدعةٍ سُلوكيّةٍ تُوهمُ الآخرينَ بأنّي لستُ مُذْنِبًا, كي أُحَصِّنَ نفسي مِنْ تَبِعاتِ فشلِي, وكأنّي بما أفعلُهُ أتفادَى أزمتي الحقيقيّة تجاهَ هذه المسؤوليّة أيًّا كانَ نوعُها.
إنّ المسؤوليّة بالمفهُومِ اللغويّ هِيَ أنْ تُسألَ عمّا أنتَ مُؤتَمَنٌ عليهِ لكونِهِ أمرٌ تقعُ تَبِعاتُهُ عليكَ شخصيًّا دونَ غيرِكَ بالدّرجةِ الأولى, كما هي اِلتزامٌ شخصيٌّ بما يصدُرُ عنك مِن قراراتٍ بالقولِ والفِعلِ وهي بالتّالي واجِبٌ قانُونيٌّ و أخلاقيٌّ واجتماعيٌّ أنْ يكونَ الشّخصُ مُنسَجِمًا مع هذه المسؤوليّةِ بكلِّ ما يترتّبُ عنها من نتائج لأنّنا منِ اختارَ القبولَ بهذه المسؤوليّة أو رَغِبَ العملَ بموجبِها, فعليّ إذًا كشخصٍ أنْ أتحمّلَ جميعَ تَبِعاتِ و نتائج أفعالي من بابِ هذه المسؤوليّة الموكلة ليّ دونَ محاولةِ هُروبٍ أو تَهَرُّبٍ لن يَعفِيني منها.
هذا مِنْ واقعِ كَوني شخصًا عاديًّا, فكيفَ بي إذا كانت لديّ مسؤوليّةُ قيادة مجتمعٍ أو دولةٍ بالمفهوم السياسيّ المعروفِ؟ فالمسؤوليّةُ في هذا المجالِ و مهمّةٌ مثل هذهِ تكونُ أشدَّ صرامةً وأكثرَ لُزُومًا بل وُجُوبًا, لكون النّتائج السّلبيّة أو الإيجابيّة ستكونُ عامّةً شاملةً جامِعةً لشعوبٍ كثيرةٍ تخضعُ لسلطةِ هذه القيادة بحيث تشملُ الأفراد و الأشخاصَ و كلّ الكيانات التي تقعُ ضمنَ نِطاقِ هذه المسؤوليّة دون استثناءٍ.
إنّ ما نراهُ في عالمنا العربيّ هو أنّ القادةَ و الزّعماءَ - على العمومِ – قليلٌ منهم مَنْ يُظهِرُ التزامًا حقيقيًّا صادقًا و أمينًا مع هذه المسؤوليّة, بل تراهم يُحاوِلونَ التّهرّب بشتى الوسائل و السُّبُلِ و الامكانات, كي ينتشلوا سمعتهم و كرامتهم من بئرِ الخيبةِ و الفشلِ, بحيث يقومون بإلقاء تبعات فشلهم و أخفاقاتهم على الآخرين أو يُحاولون تبريرها بما أمكنَ من مبرّرات ليست من المنطقِ ولا الحقيقة بشيءٍ, ومن هنا اختلقُوا فكرة نظريّة المؤامرة لكي يستطيعوا بفضلِها اِتّهامَ أبرياءٍ لا ناقةَ لهم بذلك و لا جمل حتّى لا يعترفوا بما اقترفوه من جرمٍ الخيانة تجاه هذه المسؤوليّة, فالمسؤوليّة واجب وطنيّ و إنسانيّ و أخلاقيٌّ مقدّس لا يجب التّلاعب بها و لا التهرّب منها.
إنّ أغلبَ القادة و الحكّام العربَ عبر التّاريخ الطويل لم تكن لهم الجرأة بالاعتراف بهزائمهم و لا بفشلهم بل هم حاولوا إيهام النّاس بأنّه تمّ خداعهم أو خيانتهم الخ... ولو اعترفوا بأخطائهم و إخفاقاتهم و فشلهم ودرسوا أسباب كلّ ذلك ثمّ حاولوا تداركها في محاولة جادّة و صادقة والاستفادة من تلك الأخطاء لكانت لهم مصداقيّة و لعاشت شعوبهم في أمان و سلامٍ و رخاء وتقدّم حضاري وفي أوضاع جيّدة من مختلف النّواحي الحياتيّة, لكنّ إصرارهم على أنّ فشلهم هو بسبب الآخرين وأنّ هناك مؤامرة كونيّة عليهم جعلتهم غير قادرين على القيام بمسؤوليّتهم هذه كما يجب, فإنّ هذا لن يعفيهم من تحمّل هذه المسؤوليّة ولو تأكّدوا أنّهم لن يستطيعوا تحمّل هذه المسؤولية أو الاستمرار في تحمّلها فقاموا بالتّنحّي عن مسؤوليتم و تسليمها لآخرين لما استمرّت كلّ هذه التّداعيات التي نراها في عالم الشعوب العربية فالحاكم لا تهمّه مصلحةَ شعبه بل ملءَ جيبِهِ والمحافظة على وجاهته الشّكليّة التي لا تفيدُ بأيّ شيء.
لقد ابتُلِيتْ الكثيرُ من المجتمعات العربيّة بقادةٍ و زعماء من هذا الطّراز, فالقادة حريصون على إخضاع شعوبهم و إذلالهم و ترهيبهم و قطع أرزاقهم والوقوف في طريق ممارستهم لحرّيّاتهم بل و أبسط قدر من الحريّة و الكرامة الإنسانيّة, إنّ شعوبهم تعيش في سجون كبيرة حتّى ولو كانت خارج السجون فمجتمعاتهم التي يعيشون بها على هذه الحال هي السجن الأكبر لهم. يسعى الحاكم إلى البقاء على كرسيّه مهما بلغت التضحيات, وقد يبقى إلى آخر أيّام حياته ثمّ يسعى إلى توريث ابنه من بعده و كأنّ البلد صار مزرعةً لعائلتِه أو هو كتبه صكًّا باسمه فأصبح من ضمنِ أملاكه الشّخصيّة. إنّ الحاكم هو مصدر السّلطة و بيده قرارُ التّنفيذ بموجب صلاحيات واسعة منحها له الدّستور, لهذا فهو المسؤول عن شعبه وهو الذي يتحمّل تَبعات أيّ قرار فاشل يتّخذهُ أو خطوة يقدمُ عليها لا تخدم مصلحة الشّعب, فعليهِ أن يكون قدوةً حسنةً و مثالًا صالحًا لا أن يكون هو رأسَ الفساد لينطبقَ عليه قول الشاعر سبط ابن التّعاويذي:
إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدّفِّ مُولَـعـًـا * فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِّهِمُ الرَّقصُ
أيّها الحاكمُ كائِنًا مَنْ تَكُنْ, إنّك المسؤولُ عن حمايةِ الوطن و خدمةِ المواطن وبهذا فأنتَ خادمُ الشّعبِ و ليس قاهرَه و ظالمَه وكابوس حياتِه وكاتِمَ أنفاسِه. كُنْ رحيمًا كي تنالَ رحمةَ مَن في السّماء, كُنْ عادِلًا كي تحظى بمحبّةِ شعبك, و إلّا فلنْ تنالَ كرامةً و لن تبلغَ سؤددًا ولن تحظى بأيّ احترامٍ, فالمواطنُ أمامَ جبروت سلطتك وبطشِك يشعرُ بالخوفِ و الرّهبة, وحتّى لو أطاعكَ في مثل هذه الحال, فلن تكونَ إطاعتهُ صادقةً, إنّه يحاول تجنّب بطشِكَ و تفادي ظلمك, هذه هي مسؤوليتك أيّها الحاكم تِجاهَ مواطني بلدك ولن أقول مواطنيك فأنت لم تشترهم بمالك, إنّهم أحرارٌ بل يجب أن يكونوا أحرارًا, و بحرّيّتهم تتحرّر الأوطان أمّا بمذلّتهم وخضوعهم فالأوطانُ تُصبحُ قبورًا لهم يعيشون فيها أحياءَ معدومي الكرامة و الشّعور بلا أمان و لا استقرار و لا راحة فكريّة وبلا مستقبل, أنت مُطالَب من أصغر مواطن لأكبر مواطن أن تكونَ أمينًا معهم, محافظًا على يمين القسم الذي أقسمتَه أثناء تولّيك هذا المنصب و تحمّلك هذه المسؤوليّة. فهلْ أدركتَ مسؤوليّتَكَ أيّها الحاكمُ العربيُّ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق