مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأربعاء، 28 أغسطس 2024

وجع الفراق بقلم فؤاد زاديكي

 وَجَعُ الفِراقِ


الفِرَاقُ جُرْحٌ غَائِرٌ فِي قَلْبِ الإِنسَانِ، يَنْبُضُ بِالأَلَمِ، وَ يَزْدَادُ مَعَ مُرُورِ الأَيَّامِ. إِنَّهُ يَحْرِمُنَا مِنْ دِفْءِ اللِّقَاءِ، وَ يَتْرُكُنَا نُوَاجِهُ الوَحْدَةَ وَ الصَّمْتَ القَاسِي. كُلُّ لَحْظَةٍ تَمُرُّ بنا، تُذَكِّرُنَا بِأَحِبَّتِنَا الغَائِبِينَ، فَنَشْعُرُ وَ كَأَنَّ الزَّمَنَ يَتَوَقَّفُ عِنْدَ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ الجَمِيلَةِ، الَّتِي قَضَيْنَاهَا مَعَهُمْ. 

فِي الفِرَاقِ، تَتَبَدَّلُ الأَحْلَامُ إِلَى ذِكْرَيَاتٍ مُؤْلِمَةٍ، وَ تَتَحَوَّلُ اللَّيَالِي إِلَى سَهَرٍ بِلَا نَوْمٍ، نَبْحَثُ عَنْ وُجُوهِهِمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَكِنَّنَا لا نَجِدُ سوى الفَرَاغَ يَتَّسِعُ مِنْ حَوْلَنَا.


الفِرَاقُ يُعَلِّمُنَا قِيمَةَ اللِّقَاءِ، لَكِنَّهُ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ يَسْلُبُنَا السَّعَادَةَ وَ الرَّاحَةَ. إِنَّهُ تَجْرِبَةٌ قَاسِيَةٌ، تَجْعَلُنَا نُدْرِكُ مَدَى هَشَاشَةِ قُلُوبِنَا وَ حَاجَتِنَا الدَّائِمَةِ لِلْحُبِّ وَ الحَنَانِ. نَبْكِي بِصَمْتٍ فِي أَعْمَاقِنَا، في حالةِ ضَعفّ مُسَيطِرَةٍ عَلَينا، نُحَاوِلُ جاهِدِينَ، أَنْ نَتَمَسَّكُ بِمَا تَبَقَّى مِنْ عالَمٍ ذِكرَياتٍ في مَخزُونِ الذّاكِرَةِ، لَكِنَّ الفِرَاقَ يُعِيدُنَا دَائِمًا و أبَدًا، إِلَى وَاقِعِ الوَحْدَةِ المُوحِشِ.


فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ حَيَاتِنَا العملِيَّةِ، نَجِدُ أَثَرَ الفِرَاقِ، فِي الأَمَاكِنِ الَّتِي جَمَعَتْنَا، و فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي شَارَكْنَاهَا، وَ حَتَّى فِي الكَلِمَاتِ الَّتِي تَبَادَلْنَاهَا في لحظةٍ مِنَ اللّحَظَاتِ. نَتَعَلَّمُ أَنْ نَعِيشَ بِذِكْرَيَاتِنَا، نُحَاوِلُ أَنْ نَبْتَسِمَ، لَكِنَّ الأَلَمَ يَبْقَى، يَتَسَلَّلُ إِلَى كُلِّ لَحْظَةِ فَرَحٍ، وَ يُحَوِّلُهَا إِلَى لَحْظَةِ حُزْنٍ. الفِرَاقُ هُوَ اِمْتِحَانٌ لِصَبْرِ الإِنسَانِ، وَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّحَمُّلِ، وَ قُوَّةِ إِرَادَتِهِ فِي مُوَاجَهَةِ الأَلَمِ.

مَا مِنْ إنسانٍ في هذِهِ الحياةِ، إلّا و يَكُونَ مَرَّ بهكذَا مَوقِفٍ، و عَانَى مِمَّا أشَرْنَا إليهِ، بِكُلِّ وُضُوحّ.

الفِرَاقُ قَطْعٌ لِدَابِرِ الصِّلَةِ بينَ النّاسِ، و كَم هوَ مُؤلِمٌ و مُحزِنٌ و مُتعِبٌ، أبْعَدَهُ اللهُ عَنْكُم و عَنَّا آمين.


بقلم: فؤاد زاديكى

المانيا في ١٤ تموز ٢٤


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق