مجلة ضفاف القلوب الثقافية

السبت، 30 يناير 2021

حوار ‏بين ‏الحرباء ‏والسياسة ‏بقلم ‏محمد ‏جعيجع ‏

حِوارٌ  بَينَ الحَرْباء والسِّياسَة :
بقلم أ محمد جعيجع من الجزائر : جانفي2021
عند التّمَعُنِ في الحَيَاةِ بَينَ الحَرْباءِ والسّياسةِ ، فإنّكَ تُلاحِظُ أَوْجُهَ تَشابُهٍ عَديدَةٍ ؛ كَتَلوُّنِ الجِلْدِ واتِّسَاعِ الفَمِ وطولِ اللِّسانِ وتعدُّدِ الأطرافِ ، للسَّيرِ والتّمسكِ جيّدًا بِمطيَّتِها (الغُصْنُ/الكُرْسِيُّ)، وتنوّعِ استِغْلالِها "أربَعَةُ أرجُلٍ / أربَعَةُ أيَادي" ؛ وأسْلوبِ الصَّيدِ والإيقاعِ بالفَرائسِ وابتِلاعِها ؛ وَنَمَطِ العَيشِ ... وَحَدَثَ يَوْمًا أنِ الْتَقَتْ حَرْباءُ بالسِّياسَةِ على هامِشِ مَحْفَلٍ لِلْمُتَلَوِّناتِ ، حَيْثُ جَرَى بَيْنَهُمَا حِوارٌ ...
الحَرْباءُ: مَنْ أنْتِ ؟
السّياسَةُ: هَلْ تُحَدِّثيني أنا ؟ !
الحَرْباءُ: نَعَمْ ، أُحَدِّثُكِ أنْتِ.
السّياسَةُ: أنا السِّياسَةُ الأكْثَرُ تَلَوُّنًا ؛ أنا القَوْسُ المُلَوَّنُ في سماء الحُكْمِ ، الّذي يَسْبِقُ نُزولَ المَطَرِ ؛ أنا الوَجْهُ العابِسُ في وُجوهِ المُسْتَضْعَفينَ... أنا .. أنا.
الحَرْباءُ: كَفَى ، كَفَى ... عَرَفْتُ مَنْ أنْتِ وَمَنْ تَكونينَ.
السّياسَةُ: وَمَنْ أنْتِ ؟
الحَرْباءُ: أنا حَيوانٌ بَيوضٌ مِنَ الزَّواحِفِ أعيشُ في الشُّقوقِ؛ أتَواجَدُ في كلِّ أنحاءِ العالَمِ تَقْريبًا.
السّياسَةُ: وأنا حَيوانٌ وَلودٌ  مِنَ الزَّواحِفِ، كثيرًا ما احتاجُ إلى بَطْني لأحَقِّقَ مأربًا أعْجَزُ عَنِ الظَّفَرِ بِهِ؛ أعيشُ في الظِّلِ ، فلا أخَرُجُ إلَّا مَرَّةً كلَّ بِضْعِ سِنينَ ؛ أتَواجَدُ في كلِّ أنحاءِ العالَمِ تَقْريبًا، حَسْبَ طبيعةِ نِظامِ الحُكمِ.
الحَرْباءُ:أفْتَرِسُ كلَّ شَيْءٍ يَدْخُلُ في فَمي مِنَ الحَشَراتِ وَالزَّواحِفِ وَالقَوارِضِ الصَّغيرَةِ لِأقْتاتَ عَلَيها... أصْطادُها بِإخْراجِ لِسانيِّ الطَّويلِ بِسُرْعَةٍ بِاتِّجاهِ فَريسَتي لِيَلْتَصِقَ بِها؛ ثُمَّ أسْحَبُها ، أقْرِضُها وَأبْتَلِعُها.
السِّياسَةُ: أنا لَسْتُ مِثْلَكِ ، بَلْ أفْتَرِسُ كلَّ شَيْءٍ يَدْخُلُ في فَمي، وَإنْ لَمْ يَدْخُلْ راغِبًا أُدْخِلُهُ راهِبًا؛ مِنَ العَقَّاراتِ وَالمَنْقولاتِ وَما احْتَوَتْ عَلَيهِ الأَرْضُ مِنْ رَيْعٍ لِأقْتاتَ عَلَيها... أصْطادُ أصْحابَهَا بِإخْراجِ لِسانيِّ الطَّويلِ بِحِنْكَةٍ وَدَهاءٍ وَمَكْرٍ وَخُبْثٍ بِاتِّجاهِ فَرائِسي، لِيَلْتَصِقَ كَلامُهُ بِعُقولِهِمْ ؛ فَتَنْصاعُ ضَمائِرُهُمْ لي ثُمَّ أجَرْجِرُها ، أسْحَبُها إلى صُنْدوقٍ يُجِيزُ لي اقْتِراضُها وَابْتِلاعُها.
الحَرْباءُ: أفَضِّلُ الماءَ الجاري ، وَلا أقْرَبُ النّباتاتِ إلَّا في حالِ نُقْصانِ الماءِ في جِسْمي وَتَعَذَّرَ وُصولي إلى مَصْدَرِهِ.
السِّياسَةُ: أمّا أنا فَأُفَضِّلُ العَرَقَ السَّاري ، وَلا أقْرَبُ جُيوبَ العَامَةِ مِنَ النَّاسِ إلَّا في حالِ انْخِفَاضِ سِعْرِهِ في السُّوقِ العالَمِيَّةِ وَتَدَهْوُرِ صِحَّتِهِ وَتَعَذَّرَ شِفَاؤُهُ .
الحَرْباءُ: أنا مِنَ الفَقَريَّاتِ مُتَغَيِّرَةِ الحَرارةِ ، وَأمْلِكُ مِنَ الخَلايا ما يُمَكِّنُني مِنْ تَغْييرِ لَوْني "أصْفَرُ ، بُرْتُقاليُّ وَأحْمَرُ" ضِمْنَ عَوامِلَ عِدَّةٍ؛ مِنْها لَوْنُ المُحيطِ الخَارِجيِّ وَالإضاءَةِ (اتِّجاهِ أشِعَّةِ الشَّمْسِ).
السِّياسَةُ: وَأنا مِنَ الفَقَريَّاتِ مُتَغَيِّرَةِ الحَرارةِ ؛ أمْلِكُ مِنَ الحَوايا ما يُمَكِّنُني مِنْ تَغْييرِ لَوْني، فَأتَّخِذُ مِنْ كلِّ الألوانِ وَجْهًا لي ضِمْنَ عَوامِلَ عَديدةٍ ؛ مِنْها العِرْقُ وَالطَّائِفيَّةُ وَالجِنْسُ وَالاعْتِقادُ الدِّينيُّ وَاللِّسانُ.
الحَرْباءُ: أنْواعِي كَثيرَةٌ ، مِنْها : الحَرْباءُ المحَجَّبَةُ ، الحَرْباءُ الشَّائِعَةُ ، الحَرْباءُ المُلْتَحِيَّةُ القَزَمَةُ ، حَرْباءُ الفَهْدِ ، حَرْباءُ الوَرَقَةِ الشمالِيَّةِ وَالحَرْباءُ الغَرْبِيَّةُ القَزَمَةُ...
السِّياسَةُ: لي مِنَ الأنْواعِ الكَثيرَ ، مِنْها : الحَرَكَةُ الإسْلامِيَةُ (اسم على غير مسمى) ، الحَرَكَةُ الوَطَنِيَةُ (إذا أُتيحَتْ لَها الفُرْصَةُ تَلْعَبُ دَوْرَهَا كامِلًا اتِّجاهَ المَالِ العامّ)، حَرَكَةُ الأيَادِي الشَّمالِيَةِ وَحَرَكَةُ الأيادي الغَرْبِيَّةُ...
الحَرْباءُ: لي أعْيُنٌ مُدَوَّرَةٌ بارِزَةٌ ، تَدورُ في كلّ الاتِّجاهاتِ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ ، أرْصُدُ بِهِما كلَّ ما يدورُ حَوْلي ، لأتَغَذَى وَأحْمي نَفْسِي.
السِّياسَةُ: أمْلِكُ مِنَ الأعْيُنِ الكَثيرَ؛ مُشْخَصَةٌ تَجولُ في كلّ مكانٍ وَفي كلِّ الاتِّجاهاتِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ ؛ أرْصُدُ بِهِا كلَّ ما يدورُ حَوْلي وَما سَيَدورُ.
الحَرْباءُ: أتَنَفَّسُ تَنَفُّسًا رِئَوِّيًا.
السِّياسَةُ: أمّا أنا فَأتَنَفَّسُ رِئَوِيًا، تَنَفُّسًا تُوَفِّرُهُ القِوَى الخَارجِيَّةُ، وَتَنَفُّسًا مائِيًا (داخِلِيًا) تَضْمَنُهُ الغَوَّاصاتُ وَالدَّبَّاباتُ وَالطَائِراتُ.
الحَرْباءُ: لا أقْبَلُ شَريكًا وَلا أحِبُّ العَيْشَ مَعَ الآخَرينَ؛ لي مَنْطِقَتي المُسْتَقِلَّةِ أعيشُ فيها، إلَّا في مَوسِمِ التَّزاوّجِ الّذي يَبْدَأُ في الرَّبيعِ وَيَنْتَهي في الصَّيْفِ ... أَضَعُ بُيُوضي وَأدْفِنُها في حُفْرَةٍ عَمِيقَةٍ ؛ وَبَعْدَ انْتِهاءِ مَوْسِمِ الحَضانَةِ يَخْرُجُ الصِّغارُ بَعيدًا عَنِّي لِتَبْدَأَ حَياتُهُمْ ...
السِّياسَةُ: أنا أقْبَلُ شَريكًا اِفْتِراضِيًا يَقْتاتُ مِنْ فُتاتِ مَوائِدي؛ أحِبُّ العَيْشَ فَوْقَ مُسْتَوى عَيْشِ الآخَرينَ؛ لي كلُّ المَناطِقِ أمْرَحُ وَأسْرَحُ فيها، إلَّا في مَوسِمِ التَّزاوّجِ الّذي يَأتي كلَّ بِضْعِ سِنينَ ... يَضَعُ النَّاسُ بُيوضَهُمْ بألوَانٍ مُخَتَلِفَةٍ داخِلَ صَناديقَ خَشَبِيَّةٍ أوْ زُجاجِيَةٍ (شَفَّافَةٍ)؛ وَبَعْدَ اِنْتِهاءِ فِتْرَةِ الحَضَانَةِ، تَخْرُجُ صِغارُها مُزْدانَةً بِريشٍ ناعِمٍ وَبِلَوْنٍ واحِدٍ، يُعَبِّرُ عَنْ لَوْني المُفَضَّلِ... لأبْدَأَ مَرْحَلَةً جَديدَةً مِنْ حَيَاتي ...
الحَرْباءُ: فِعْلًا ، لَقَدْ صَدَقَ مَنْ قالَ : «لَيْسَ كُلْ مُتَلَوِّنْ سِياسِي» .

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيلا لحضرتكم الكريمة الفاضلة عن نشر وتوثيق النّص

    ردحذف