#تأملات وجودية
أعاصير التيه
لم يعد باستطاعتي أن أنصب نفسي إمبراطورا، ولا مكيافلليا، تلك الأنا التي كنت أملك، عرش الذات لم يعد في قبضة يدي ولم يعد بإمكاني تملكه، تاج مملكة الأنا سقط؛ الحقيقة أني فقدت ذاتي، هبت أعاصير التيه وارتفع المد الذي غمر كينونتي، أناي ضعيفة لا تجيد السباحة، استشربت دموع الموج الممزوج بحسرة الفقدان، كلما حاولت انتشال ذاتي يسحبني التيار نحو المنحدر لأقبع في الأسفل أركن في زاوية الفقدان، الجزر يسحلني نحو قعر المحيط، أحاول أن أتخلص من هذيانه بكل قوتي وكأني طائر ابتلت جناحيه المسكورتين بعدما سقط في بركة من الوحل يحاول جاهدا أن يخرج سليما؛ رغبة البقاء تدفعه ليرفرف بجناحين جريحتين غير مكترث لطنطنة العظام المكسورة.
وسط أعاصير التيه وهذيانه أوجد كإبرة في كومة قش، فقدت بوصلة الوجود الحقيقية، أعاصير التيه قوية وسيوله جارفة، حال الأنا كحال الإبرة وسط كومة القش، الهذيان جعل الأنا كقطعة سكر على شاطئ البحر، كلما غمرها ماء البحر تختفي وينمحي جوهرها الوجودي، هكذا هي أناي: هذيان، ذوبان واغتراب في عالم يعج بالفوضى سماؤه الصافية كذبة بيضاء، بريق الشمس نسيج من الهذيان يسقط الأنا في بحر التيه بين اليومي، المألوف، العادة، الطبع، أشباه الأشخاص، سطحية الوعي، السياسي، الحرامي، المخادع، مذيع الأخبار وهو يطل علينا كل يوم يلقي لائحة من الأخبار المعدة في مصنع الخبر بقوالب جميلة، المعاهد والمدارس وهي تودع زمرة بعد أخرى تسلمهم شواهد نجاحها في صناعة فوج من الأغبياء، أحزاب بازارات سياسية تطل علينا كلما اقترب موعد الانتخابات، نقابات تدعي دفاعها عن حق العمال وهي تقتسم الكعكة وتحظى بقسط وفير من الغنيمة وزراء يتبادلون أدوار على خشبة المسرح ويتهافتون نحو الكراسي، شيخ القبيلة باتريركها المقدس... سيول الهذيان الجارحة للشعور لا تنقطع وأعاصير التيه لا تتوقف وينقطع أثيرها، في كل يوم نكون على موعد مع حرب شرسة، الحياة اليومية بتناقضاتها الجمة، الوجود وهذيانه، الرغبة وأجنحتها ترفرف بين ماهية الحضور والغياب، الشعور واللاشعور، تموجات الوجع تمنع الأنا من البوح، هذا هو الإنسان تنكشف كينونته في زمن الوجع وهذيانه، لكن محكوم عليه أن يواجه أعاصير التيه وحيدا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق