مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الثلاثاء، 29 يونيو 2021

التنمية ‏بقلم ‏رامز ‏الأعرج

التنمية المستدامة تعني بالضرورة رؤية إستراتيجية بعيدة والمدى , يشكل واقع الحال المعاش امتداد وتطبيق معاصر لها , أي شمولية الرؤية وتوازنها ,,
*نجم* 
هي بنية ومجتمع انتقالي مدني تتحول من خلاله السلطة الحقيقية  في البلاد للمؤسسات المدنية بعد تشكيل بنية مؤسساتية حقيقية فاعلة مستقلة,   
(الحلقة الثالثة عشر) 
 
13 : الربح ألخدماتي
هذا شكل من أشكال الربح الذي لا مكان له في المجتمع الجديد, وتحديداً في المرحلة النهائية حيث ستصبح الخدمات الأساسية من ضمن حقوق المواطنة وتحسم بطرق اجتماعية معينة, ولا تدفع بشكل عيني حين الاستخدام أو الحاجة, لذلك لا مجال أن تكون ربحية أصلاً, ولكن دعنا الآن ننظر إليها في المجتمع وننظر مسيرتها وكيف وصلنا إلى هنا معها, ونفهم ذلك  ونضع الحلول والعلاج الملائم والمجدي.
ومن أهم ما يميز هذا الربح إنه ربح لا يشكل أي دخل قومي أو اجتماعي, فهو جهد يبذل مكمل لاقتصاد المجتمع أو أي نشاط ضرري أو ترفيهي آخر, وهو لا ينتج شيء في النهاية, بل هو مكمل لحياة المجتمع, وهنا جدير بنا التذكير أن الخدمات المقصودة هنا لا تشمل التجارة أو غيرها, رغم أن التجارة هي خدمات بالنسبة للصناعة و للمستهلك, ولكنها خدمات من نوع آخر, هنا نحن نتحدث عن خدمات غير إنتاجية أو ربحية, مثل التعليم و الطبابة , والقطاع الصحي بشكل عام, والخدمات الخاصة بالمسنين وذو الحاجات الخاصة وغيرها من القضايا الحساسة , الخدماتية الضرورية, وما ويشمل جميع الخدمات الأساسية مثل النقل والبنية التحتية و الاتصالات.
كما ويضاف جزء من قطاع البناء والطرق و الجسور إلى هذا القطاع الهام, حيث هذه جميعاً غير منتجة ولا مدرة للربح ومن المفروض أن تكون خارجة عن نطاق الاستثمار الربحي, فهذه جميعها مقومات ضرورية اجتماعيا, ولكن ليس منتجة إنها مجرد خدمات وبنية تحتية وإن كانت ضرورية لا بد منها ولا غناء عنها.
إن القطاع ألخدماتي بشقيه ألخدماتي  الصرف والبنيوي لا جدوى اقتصادية منه في النهاية, والقطاع الإنتاجي هو من يتحمل هذه التكلفة جميعها, حيث لا يمكن لهذه الأساسيات أن تدر دخل معين, ولكن تم ابتكار طرق ووسائل حديثة مستجدة لاستثمارها, كأن تدفع مبلغ معين, مثل الرسوم حين تمر بشارع معين, أو عند عبور  جسر ما, هنا بالذات يتحول هذا الجزء من القطاع العام إلى استثمار معين, ولكنه استثمار حكومي ما زال, ولكنه قد يتحول إلى القطاع الخاص أيضاً مع الزمن.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفصل ضروري بين قطاع البناء العادي و قطاع الخدمات الأخرى, حيث يحتسب عمل البناء حسب القطاع الذي سيقام به البناء وأسباب وحاجات  استعماله, ولكن في النهاية هناك معدل عام للربح في هذا القطاع الحيوي والذي يشكل أساس البنية التحتية للمجتمع بشكل عام, فكل الاستعمال البشري الاجتماعي بحاجة إلى إعداد وبناء و طرق وبنية تحتية, وهذه جميعها تحتسب من المنتوج الاجتماعي العام, ولكل منها طريقة لتحصيله, فالطرق مثلاً يدفعها المواطنين من ضرائب السيارات, وهي في النهاية يدفعها كل مستعمل للشارع بوسيلة نقل ذات محرك, إن هذا في النهاية يدفعه الشعب بشكل عام على شكل ضرائب, وبه جهد مبذول واضح لا لبس فيه ولذلك فهو مستحق ومضبوط.
في النهاية قطاع البناء من القطاعات الهامة للمجتمع ويمتد إلى الربح العقاري ويرتبط به أحيان كثيرة, حيث تعتبر المباني من ضمن الرأسمال العقاري, ولكن ما يلعب الدور الأساسي في النهاية في سعر العقار أو المبنى ليس تكلفة البناء بحد ذاتها, فهذه واضحة ومحددة بنوعية المواد والخامات و العمل كم ونوع, ولها ربحها المحدد بكل وضوح وشبه ثابت, بينما الربح التجاري وظروف الموقع وطبيعة المنطقة جغرافياً, حيث الفارق بين موقع سياحي أو تجاري أو منطقة صناعية, وكلاً ومقدار ما يحققه من ربح بين منطقة وأخرى مما يتحكم في الأسعار ليس من حيث تكلفة البناء بل ما سيدر هذا العقار من ربح سنوي في حال استغلاله  حسب الظروف الملائمة للموقع.
بناء على ما تقدم أعلاه يصبح من الضروري أن تعاد معالجة العلاقات العامة و القانونية لهذا الأمر, حيث البنية التحتية ليس قطاع منتج ولا ربح فيه, ومن الضروري عدم تحميله ما لا يحتويه, فهذا سيكون على حساب المواطن, مادام القطاع ذاته لا يحتوي على فائض قيمة أو إنتاج أصلاً, فهذه مباني وطرق وخطوط تواصل و جسور وهي لا تنتج بحد ذاتها رغم أنها ضرورية ولا غناء عنها, لذلك بالضرورة البحث عن حلول غير ربحية  مستدامة لدعمها والحفاظ على تطورها المستدام, مع الحفاظ على طابعها العام كملكية قطاع عام غير استثمارية لكون استثمارها سيكون على حساب المواطن لصالح أقلية تستغل كل شيء ممكن استغلاله.
14 : التصنيع و الربح الغذائي
هنا تكمن أكبر إشكالية ستواجهها البشرية  في المستقبل القريب المنظور, حيث الاحتكار الغذائي وطريقة التعامل مع القضايا الإستراتيجية العالمية, وقد تمكنت العديد من الشركات من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة وتهجير سكانها ومستخدميها الأصليين, وتجميعهم في المدن بعد أن تشتتوا عن أراضيهم ومصادر عيشهم والتحقوا بركب العبودية المطلقة والمقنعة التي تعيشها المدن الحديثة في ظل النظام التكنوريالي الحديث المعاصر.
وقد أعلنت منظمة الغذاء العالمية التابعة للأمم المتحدة في أواخر عام 2019, إن العالم بعد عقدين من الزمن سيواجه مشكلة غذائية خانقة قد تؤدي بحياة أكثر من مليار إنسان أو أكثر, حيث عدد السكان في تزايد مضطرد بلا أي ضوابط أو حدود وخاصة في الدول الفقيرة, والتابعة, وهذه تشكل غالبية في دول العالم, مقابل نقص في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التلوث و التصحر وغيره من العوامل, إضافة إلى عدم توازن الإنتاج الغذائي مع عدد السكان المتزايد باطراد سريع.
أضف إلى ذلك مشكلة أن الغذاء يعتمد على مواد حية, وهذه جميعها تحتاج إلى وقت طويل لإنتاجها, ولا يمكن إنتاجها كما تنتج السلع الاستهلاكية الأخرى, وبذلك لا يمكن مواجهة النقص الغذائي إلا بتخطيط وتطور اقتصادي غذائي يشكل آمن غذائي قومي للمنطقة المحلية أو الإقليم وثم العالم بكامله, ومع شيوع نظام الخصخصة وانتشاره على نطاق واسع, تحول الغذاء والإنتاج الغذائي إلى مصدر ربح واحتكار, وراحت شركات كبيرة معينة تحتكر الغذاء الإنساني الأساسي, مثل إنتاج القمح والأنواع الغذائية الأساسية, والسيطرة عليه, وتحويله إلى إنتاج مركزي كبير لا يستطيع المنافسة به سوى الشركات الكبرى, وهذا يحدث في الكثير من مناطق العالم حيث تؤجر أراضيها لشركات كبرى لتزرعها قمح, وتبيع هذه الشركات جزء من هذا القمح للبلاد ذاتها, وهذا موجود في الكثير من دول أفريقيا, وعلى رأسها السودان, وتجدر الإشارة أن السودان من المناطق الخصبة جداً لزراعة القمح, وهناك مناطق يمكن زراعة موسمين من القمح  وحصاده مرتين في العام.
إن الربح الغذائي ربح محدود المصادر وصعب الإنتاج, ومهما تطور هذا الإنتاج لن يصل إلى سرعة الإنتاج الصناعي, ولن يحتمل الكثير من المصاريف الزائدة على تكلفة الإنتاج, فهذا النوع من الربح قريب من الإنتاج والربح الزراعي, وهذا بدوره وأصلاً غير مجدي ربحاً فائض, بل أرباحه مقاربة للجهد الذي يبذل من أجله, وما يدور حول هذه العملية, ولا يمكن مضاعفة سرعة الإنتاج ورفع وتيرتها بسهول, مما يجعل من الربح محصور, وقد أشرنا إلى أن الإنتاج الزراعي في بعض الدوال في العالم تعتبر إنتاج غير ربحي ومعفى من الضرائب حين يكون مباشر.
إن تصنيع الغذاء و تغليفه وتجهيزه للسوق أصبح يستهلك تكلفة صناعية إنتاجية كبيرة تسمى صناعات غذائية, وهي نوع من الاستثمار الصناعي في تصنيع الغذاء وحفظه لحين استهلاكه, أو تصنيعه وإعداده في وجبات جاهزة للاستهلاك المباشر السريع, وهنا يصبح الغذاء في مساق آخر جديد وخدمات جديدة, ويصبح الغذاء فيها جزء من الخامات الضرورية للإنتاج, وبذلك يدخل  في نطاق القوانين الاقتصادية والنظامية للقطاع الصناعي, ويصبح في مسار ربحي جديد, يضاف على سعر السلعة الغذائية, ويضاف إليه ربح جديد مما يرفع ويضاعف من سعر السلعة المطروحة للاستهلاك المباشر.
وفي الكثير من الأحيان  تصبح تكلفة التحضير والتغليف تستهلك مواد وجهد أضعاف ما تحتويه من مواد غذائية, من حيث قيمة تكلفة إنتاج كلا منها فيما لو قمنا بمقارنة, ونسوق هنا مثال بسيط, أشكال التغليف والتجهيز  الغذائية التي تقدم في الرحلات الجوية, كأن تجد غراميين من الملح في كيس صغير مغلف ومعد بطريقة معقمة ونظيفة, ومن نوع ورق خاص لا يتحلل أو يتأثر بأحماض الملح, ولو حسبنا كم تكلفة إحضار الملح وطنه, وتكلفة تصنيع الورق وتغليفه في هذه الأكياس الخاصة, سنكتشف إن تكلفة التغليف والخامة المستخدمة تكلفتها أعلى كثير من تكلفة إنتاج الملح وإعداده للاستعمال, ومثال آخر, المربى, نجد خمسة غرامات من المربى معلبة في علبة بلاستيكية مغلفة ومعقمة ومختومة بطريقة جد متينة وحافظة, كم تكلفة ملعقة المربى وكم تكلفة تغليفها, لنجرب حساب ذلك بأنفسنا وسنكتشف الحقيقة المفاجئة, وغيرها الكثير من الأمثلة والسلع التي نجد تكلفة تغليفها أكثر بكثير من تكلفة ما تحتويه من مواد سواء غذائية أو غيرها أحياناً.
لقد تحول كل شيء إلى تكلفة خيالية بالنسبة لحقيقة التكلفة الفعلية, وكل لمسة تحتاجها السلعة في طريق تسويقها ومن أجله تضاف على تكلفتها, وبذلك تصبح أضعاف تكلفتها الحقيقية, حيث تمر على الكثيرين, وكل من بذل أو أضاف جهد ما أو خامة معينة سيسعى لاستردادها وفوقها فائض القيمة أيضاً, وبذلك يضاف على السلعة في النهاية عدة أرباح وعدة تكاليف إنتاج إضافية, مما يجعل سعرها مرتفع جداً على المستهلك المباشر للسلعة. 
إن الغذاء من الضروري الحفاظ على إسناده ووضع قوانين ورقابة مشددة على إنتاجه, وبالضرورة اتخاذ التدابير الأزمة الإجرائية و التطبيقية الوجستية والقانونية المناسبة لضبط هذا القطاع الهام والأساسي, حيث يشكل الأمن الغذائي أهم مقوم أساسي من مقومات الحياة الاجتماعية البشرية, ولا يمكن توفير أي رفاهية واستقرار وازدهار للحياة بدون توفير الأمن الغذائي قبل كل شيء, و بالأسعار المناسبة التي تمكن الجميع من الحصول على كل ما يحتاجونه بكل سهولة وأريحية وبتكلفة بسيطة لا تتعدى الربح المقارن, في جميع الأحوال, أي الجهد المبذول فعلياً في الإنتاج, وبذلك نكون قد أعفينا الغذاء من الربح الجائر وحررنا أسعاره من الاحتكار و وفرناه بالتساوي للجميع بنفس الجودة والمستوى والكم , وكلاً سيجد حاجته بنفس القدر والمستوى, كلا وما يحتاج بأريحية شاملة.

رماز الأعرج
زراعة الزعفران في الريف المغربي , تشكل نموذج راقي يمكن تطويره ليشكل بديل مستدام للدخل والاستقرار الاقتصادي المستدام ,
الصور المرفقة من المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق