التنمية المستدامة مجرد وهم بلا اقتصاد يوازن متطلباتها الكاملة المتوازنة
الحلقة الثانية عشر
رماز الأعرج
12 : الربح ألمعلوماتي
يعتبر هذا النوع من الربح من الأشكال الجديدة القديمة للربح, حيث ظهر الاتجار بالمعلومات واحتكارها منذ قديم الزمان و يشكل اليوم مصدر من مصادر الربح في الكثير من الأحيان, وقد تكلف معلومات معينة أمنية أو سياسية أو علمية مبالغ خيالية للحصول عليها, وقد شهد القرن الماضي صراعات كبيرة حول المعلومات بشتى أشكالها, ودار صراع في الخفاء و العلن حول موضوع المعلومات العلمية وغيرها.
في الماضي كانت الأهمية الكبيرة للمعلومات المهمة والبنيوية والأساسية, مثل الاقتصاد والأسواق والعلوم والاكتشافات والاختراعات وغيرها , ولكن في النهاية كانت المعلومات الهامة والأساسية والحساسة والإستراتيجية أيضاً هي ما تشكل قيمة, ولا يمكن أن تحقق أرباح بشكل مباشر من خلال بيعها, لمن يطلبها ويستفيد منها بطريقته وحسب عمله وأهدافه, كان هذا قبل وجود العالم الرقمي.
أما اليوم وبعد هذا المستوى من التطور الإلكتروني الرقمي والمعرفي في المعلومات فقط أصبح هناك قفزة خيالية في الربح والتجارة بالمعلومات, ولم يعد مهم أن تكون هذه المعلومات علمية أو غيرها, فلكل نوع من المعلومات طرق خاصة لاستثماره دون أن يشعر أحد بهذا الاستثمار والاستغلال لهذه المعلومات, مثلاً المعلومات الشخصية والتي نتركها حول نشاطنا وتفاعلنا على وسائل التواصل مثل (الفيس بوك) إنها معلومات تافهة و عبارة عن تفاعل وثرثرة ونشر لقضايا لا قيمة لها على الإطلاق لأي أحد سوى من يعرفنا حق المعرفة, و له تفاعل معنا ويفهم جيداً ما نقصد ويتفاعل هو الآخر معها, إنها معلومات بلا قيمة في نظرنا, ولكن هناك جهة لديها مرجع لكل تفاعلنا ومزاجنا وما نحب ما نكره و رؤيتنا ووجهة نظرنا في شتى الأشياء, إن هذا الكم الهائل من المعلومات لدى الجهة صاحبة هذا الخزان يشكل رصيد خيالي لأي جهة معنية بتسويق سلعة معينة, أو ترويج موضوع ما, من خلال معرفة مزاجنا وميولنا عبر هذه الوسائل هذه ابسط الوسائل واحدها التي يمكن استغلال المعلومات البسيطة والاستفادة منها.
وقد أعلنت شركة يو تيوب في مطلع عام 2020 أمن أرباحها وصلت إلى 91 مليار دولار أمريكي خلال عام 2019, هذه الأرباح جنتها من خلال عملها وما تقوم به من نشاط, وما تقدمه من معلومات, هائلة ومن آلية بين المستخدمين, حيث تشكل الدعايات لوحدها للشركات والمسوقين مصدراً خيالياً للربح الغير محدود إنه ربح مفتوح و دورته مشروطة بذاته , هو من ينتج نفسه بنفسه, ويتجدد بشكل تلقائي مضطرد, كلما استعملنا هذه الوسائل للاتصال كلما قدمنا هذا الربح للشركات, هذا يعتبر ربح قانوني طبيعي ولكنه غير مضبوط ولا قانون له , إنه من ضمن مستجدات المجتمع الرقمي والذكاء الصناعي, والملكية الخاصة , وهذه الأخيرة هي أصل الداء وليس المعلومات ولا المكتشفات العلمية, في النظام وطبيعته وبنيانه.
إن قفزات الوسائل الربحية وانفتاحها قد خلق أشكال جديدة لم تكن متخيلة من الأرباح وإمكانية الاستفادة حتى من أتفه المعلومات إذا ما عرفنا أين وكيف ومتى نستغلها ونستفيد منها دون أن نكون قد تجاوزنا القوانين,
والإشكالية أن هذا الأمر برمته حديث , لا سابق له , و ما زال بلا قوانين أو حدود معينة, بل متروك على طبيعة تطور هذا الأمر وسياقه الطبيعي الداخلي في حركته, وهذا سيترك المجال للاجتهاد والإبداع, ولكنه في الوقت ذاته محفوف بالمخاطر وتحويل الناس إلى لعب وأدوات يتاجر بها وبكل شيء يخصها دون أن تعلم.
ومن مساوئ هذا الربح أنه ربح غير مقارن ولا يمكن مقارنته أو ضبط معيار له, فهو مخفي ومقنع ولا يمكن معرفة التكلفة وقد لا تساوي تكلفته 1% من تكلف أي شيء آخر, منتج معين أو مادة ما, فلكل شيء مقاس معين مادي, أما هنا فنحن أمام حالة خاصة جداً من الربح والخدمة, حيث نحن من نقدم الخدمة ونضن أن الخدمة مقدمة لنا بالمجان, وهنا أكثر الموضوع سوء وغش, حيث نحن نقدم معلومات هي بالنسبة لنا لا تعني شيء ولا قيمة لها, بينما يستغلها صاحب الخدمة كمادة يبيعها ويتاجر بها بطريقته الخاصة,وبذلك نصبح نحن وتفاعلنا العادي اليومي مع الحياة وتفرعاتها شيء يباع ويشترى ويشكل مصدر للربح لجهة معينة ونحن لا نعلم بذلك.
إنه نوع جديد من التجارة والربح الغير مقنون بعد ودون حدود بعد ولا من أي ناحية معيارية أو أخلاقية أو مادية أو قيمية , إنه السوق والظروف وتطورها وحركتها وحسب, لذلك علينا الإسراع ووضع القوانين و الضوابط لكل جديد قبل تحوله إلى عدو وخطر قاتل ومسمم للمجتمع والإنسان معاً.
ومن أكبر مساوئ النظام الربحي إن المعلومات تصبح شيء محتكر ويحتكر تماماً كما أي سلعة أخرى, بل إن المعلومات قد تكون أثمن كثيراً من السلع, حتى في القضايا العلمية و المعرفية والحساسة, فإن الكثير من المعلومات يتم إخفائها لفترة طويلة من الزمن بحكم أهميتها التجارية, حيث سيشكل انتشارها ضربة لمستخدم هذه المعلومات والخبرات في عمله وإنتاجه, لذلك يحتكرها لنفسه تحت مسمى أسرار المهنة, مما يعيق من التطور والنمو في النهاية بسبب احتكار المعلومات والخبرات وعدم السماح بانتشارها لعموم الناس لاستخدامها في عملهم, وكذلك الأمر الاكتشافات العلمية الجديدة, ففي الكثير من الأحيان يتم حجب المعلومات التفصيلية عن الاكتشاف الجديد وتقنياته وذلك لمنع تقليده واستغلاله تجارياً من قبل أي طرف منافس ومتربص في السوق, فطبيعة النظام تسمح بالتلاعب والغش والسرقة, ليس طبيعة النظام وحسب بل والأخلاق والقوانين والقيم والسلوك.
وفي المجتمع الجديد لابد من وضع الحلول العملية والضوابط لهذا الأمر والحفاظ على الخصوصية للإنسان وعدم السماح باستغلال أي شيء خاص به بدون إذنه وموافقته شخصياً ومباشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق