مجلة ضفاف القلوب الثقافية

السبت، 22 يناير 2022

اليوم الأخير قبل مغادرة آدم وحواء الجنة بقلم فؤاد زاديكي

 اليومُ الأخير قبل مغادرة آدم و حوّاء الجنة

بقلم/ فؤاد زاديكى

حواء: آدم ... آدم.

آدم: ماذا وراءك يا حواء؟ هل من جديد يا حبيبتي؟

حواء: نعم .. نعم تعالَ وانظرْ!

آدم: أين؟

حواء: أُنْظُرْ إلى هنا ... إلى هنا! ألَا ترى هذه المجموعة الشهيّة من الأشجار المثمرة؟

آدم: أجل .. أجل أراها وقد رأيتها من قبل. لماذا تسألينني عنها؟

حواء: ألا تشتهي أنْ نأكلَ منها؟

آدم: لأ .. لأ يا عزيزتي. إنّها ليست ملكاً لنا, ولا يحقّ لنا التصرّفُ بها!

حواء: وهل هناك غيرُنا في هذه الجنّة؟

آدم: أجل توجد الملائكة.

حواء: أعرف. لكنْ هل يوجد بشرٌ غيرُنا هنا؟

آدم: لا أعتقد فإنّي لم أجدْ لغاية هذا التاريخ أحدًا غيرنا.

حواء: إذًا لماذا لا نُجَرِّبُ الأكلَ من هذه الشجرة المُغرية؟ إنّها تُثيرُ فُضولي كثيرًا من أجل معرفة أسرارها وتناولها لمعرفة نوعيّة طعمها.

آدم: يا حواء ... يا حواء ... يا حبيبتي. ليس من حقّنا ذلك. فلماذا تحاولين جرَّنا إلى عملٍ غير شرعيّ؟

حواء: وما العمل؟ إنّي أريد أنْ أحصل عليها بأي ثمن فقد قال لي جارُنا الذي مرّ قبلَ قليلٍ مِنْ هنا أنّنا لو أكلنا من هذه الشجرة فإنّ أموراً كثيرةً ستتوضّح لنا, وستزيد معرفتُنا ونَعي ما نحن نجهله الآن.

آدم: لطالما كانت هذه رغبتك التي دفعك إليها جارُنا إبليس فليكن ما تريدين. لكنْ سأذهب إلى حارس البستان وأسألُه فيما إذا حقّ لنا ذلك. ومتى أجابَ بأن ْ لا مانعَ ولا حرجَ فسوفَ أفعلُ ذلك من أجلك لأنّي لا أقدرُ على زعلِك وإغضابِك كما تعلمين!

حواء: أرجوك أسْرِعْ إليه في الحال, لأنّي لم أعدْ أستطيع الصّبر فمنظرُها مُغْرٍ جدًّا وفمي يسيلُ لعابُه رغبةً شديدةً في أكلِها هيّا!

آدم: اوكي ... اوكي حالًا يا عزيزتي!

حواء: (بعدَ عودةِ آدم من عندِ حارس الجنّة) ما الذي حصلَ معك؟ هل وافقَ الحارسُ على السّماح لنا بذلك؟ هيّا انطقْ!

آدم: بكلّ أسف لا يا حبيبتي. إنّه لم يوافقْ.

حواء: لماذا؟

آدم: هو يقولُ إنّنا سنمرضُ متى أكلنا من هذه الثّمرة.

حواء: لا يهمُّ ذلك فجارُنا إبليس كما تعرف طبيبٌ ماهرٌ ويستطيعُ مساعدتَنا في شفائنا من مرضنا متى حَصلَ ذلك.

آدم: إنّه قال أكثر من ذلك بأنّنا موتًا نموتُ!

حواء: لطالما موتًا سنموتُ فلماذا خُلِقْنَا إذاً؟

آدم: خُلِقْنَا لتكونَ لنا عبرةٌ في الحياة يا عزيزتي وليس لكي نُغْضِبَ حارسَ الجنّة أو الذي خَلَقَنا كما تقولين.

حواء: عِبْرَة؟ أيّةُ عبرةٍ يُمْكِنُ أنْ تكونَ في شجرةٍ كهذه؟

آدم: يا حبيبتي حواء. أنتِ تعلمين أنّ الحارسَ قد سمح لنا بالأكل من جميع هذه الأشجار ما عدا هذه الثّمرة! فلماذا تُصِرِّينَ على أنْ تأكُلي مِنْ هذا الممنوعِ دونَ غيرِه؟ هل لأنّ كلَّ ممنوعٍ مرغوبٌ؟

حواء: إنّ هذه الشّجرةَ, دونَ غيرِها أشهى وأبهى للعين منظراً وفاكهتُها جميلةٌ للغاية.

آدم: يا حبيبتي إنّ الخطيئة تبدأ بالأساس من الإغراء’ ثم يَلي بعد ذلك ارتكاب الإثم!

حواء: لا .. لا أعتقدُ ذلكَ. إنّه يقولُ هذا ليحرمَنا من تناولِها وتبقى لهُ هو يأكلُ منها كفايتَه متى أراد!

آدم: إنّي بدأتُ أصدِّقُكِ بعضَ الشّيء لكنّي خائفٌ فما العمل؟

حواء: ولماذا تخاف؟ لا أحدَ سيرانا كما لا يعرفُ أحدٌ بوجودِنا هُنا. هيّا .. هيّا أسْرِعْ!

- اقترب آدم من الشجرةِ وهو ينظرُ حولَه مُرْتَبِكًا ثم مدّ يدَه وقطفَ منها تُفّاحتين ناضجتين حمراوين وتقدّم من حواء وهو يُعطيها إحداهُما.

آدم: تعالي يا حبيبتي. إنّي لا أقدر على زعلِكِ مهما تكنِ النتائجُ. خُذي هذهِ لك!

حواء: أشكركَ يا حبيبي آدم. وقد أثْبَتّ لي عمليّا بأنّك تُحِبُّني عن حقٍّ وحقيق, وأنّك مستعدٌّ لعملِ كلِّ شيءٍ من أجلِ إرضائي. حَفِظَكَ الرّبُّ لي وأبعدَ عنكَ جميعَ الشّرور!

آدم: وهل عندي حواءُ أخرى يا حياتي؟

حواء: أشكركَ .. أشكرك ... أشكرك (ثم بدأت تعضّ على التفّاحةِ بأسنانِها, التي كانتْ تقطرُ شهوةً وتستلذُّ أيّما استلذاذٍ بطريقةِ أكلِها لها)

حواء: آه .. آه كم هي لذيذةٌ يا حبيبي!

آدم: إنّها فعلًا لذيذةٌ يا حبيبتي ونَدِمْتُ لماذا لم نفعلْ ذلكَ قبلَ الآن!

حواء: لقد قلتُ لكَ لكنّك لم تُرِدْ تَصديقي!

آدم: كنتُ خائفًا! أمَا اليوم فلا خوفَ وسوف نأكلُ كلّ يومٍ منها وكلّما اشتهينا الأكلَ.

حواء: هذا عينُ العقلِ.

(وفيما هما مخمورانِ بنشوةِ الانتصارِ على كسرِ أقفالِ الشّهوة, ومتذوقانِ عذوبةَ الطّعم, الذي لم يسبقْ لهما أنْ ذاقَا مثلها, إذْ بأصواتِ خُطًى تسيرُ بالقربِ منهما وتتجّهُ إلى مكانِ تواجُدِهما, فسادَ صمتٌ مُطْبقٌ وسيطرَ هلعٌ شديدٌ فَارتبكتْ مفاصلُهما وارتعدتْ فرائصُهما, وكانتْ خشيتُهما من أنْ يرى أحدٌ التّفاحَ في يديهما يأكلانِه, عندئذٍ لا يفيد النكرانُ أو اللجوءُ إلى الكذبِ للتملّصِ مِنْ هذا الجُرمِ المتلبس, فما كانَ من حواء إلّا أنْ أخفَتْ بيدها التفاحةَ وراءَ ظهرِها, فيما قام َ آدمُ برمِيها بعيداً عنهُ ليُخْفِي آثارَ جريمته)

الصوتُ (بغضب): ما الذي فعلتَه يا آدم؟

آدم: ماذا فعلتُ؟ و مًنْ أنتَ؟ إنّي أرتعدُ خوفاً!

الصوت: ألمْ تَعْرِفْني بَعْدُ يا آدم؟

آدم: لا. أرجوك قُلْ لي مَنْ أنت! أكادُ أموتُ من شدّةِ الخوف!

الصوت: إنّك قد متّ و زوجتُك يا آدم منذُ اللحظةِ التي أكلتُما فيها من هذهِ الثّمرةِ المُحرّمة!

آدم: كيف أكونُ قد متّ وتراني وتسمعُني أكلّمكَ وأحسُّ بوجودِك؟

لقد متّ بوقوعِكَ في الخطيئة!

آدم: الخطيئة؟ ما هي هذه الخطيئة, إنّها لفظةٌ جديدةٌ عليّ؟

الصوت: لقد سألتني فأمرْتُكَ(القسم الثاني تتمة لأن النص طويل لم يكن بمقدورةي نشره دفعة واحدة) بالامتناعِ عن أكلِها.

آدم: أنا لم أسألك, بل سألتُ حارسَ الجنّة!

الصوت: وهل وافقَ لكَ على الأكلِ منها؟ ألَا تعلمْ أنّ كلّ شيءٍ يسيرُ بإرادتي ويُدار بأمري وموافقتي؟

أدم: الآن عَرَفتُ!

الصوت: وكيف ستبرّرُ حالةَ وقوعِكَ في مستنقعِ الخطيئةِ هذا يا آدم وقد أصبحتَ إنسانًا تحتَ نيرِ الخطيئةِ من لحظةِ تناولِك من الثمرة؟

آدم: ماذا تعني بكلمة إنسان يا سيّدي؟

الصوت: أعني أنّك ستخرجُ مطرودًا من وجهي, ولن تعودَ تراني وسوفَ تعيشُ آلامَك وأوجاعَك, وتشعرُ بجوعِك وعطشِك, فتكثرُ مآسيك وويلاتُك و تبحثُ عن رزقِكَ بَحْثًا وقُوتَ يومِك بجهدِكَ وعرقِ جبينِك!

آدم: أرجوكَ ... أرجوك يا سيّدي لا تُعاقِبْنِي على جرم ارتكبتهُ مُرْغَمًا ومَدفوعًا إليه. أنا لمْ أكُنِ السّببَ في ما حصل!

الصوت: أتعني بذلك ضلعُكَ حواء؟ أعرِفُ يا آدم كلّ شيء. لكنْ لماذا ضَعُفْتَ؟ فقد كانَ ذلك لك اختبارُ العمر, وقد فشلتَ فيه! لماذا ضَعُفْتَ أمامَ إغراءاتِ المرأة وسلطانِ الشّهوةِ فارتكبتَ الإثمَ؟ أينَ سلاحُك, الذي هو ضميرُك وإرادتُك التي هي عَزيمتُكَ؟

آدم: أرجوك سامِحْنِي هذه المرّة, وسوف لنْ أكرّرَها البتّة مرّةً أُخرى!

الصوت: ليستْ لكَ مَرَّةٌ أُخرى يا آدم بلْ لك سقوطٌ مُريعٌ إلى أسفل. فقد بِتُّمَا عارِفَين - منذُ اليوم - الخيرَ و الشّرّ وانفتحتْ أعينُكما وقد تغامرانِ وتعيدانِ المعصيةَ الكُبرى وهي أنْ تَمُدَّا يَدَيْكُما إلى شجرةِ الخُلود, لتأكُلا منها, فتخلدَا إلى الأبد! عليكَ أنْ تغادرَ هذا المكانِ على الفورِ وسيقودُك مَنْ هو مُكلّفٌ بهذهِ المهمّةِ.

( أسرعتْ حواء إلى صدرِ آدم, ودفعتْ بوجهِها إليه نادِمَةً وهي تَبكي بُكاءً مُرًّا, مُبدية ً أسفَها الشّديد وجُرْمَ شهوتِها التي قادتهما معًا إلى الهلاك, طالبةً منهُ الصَّفْحَ والمُسامحةَ والغُفران)

آدم: لمْ تَعُدْ أيّةُ فائدةٍ من جميعِ هذهِ الأشياءِ يا عزيزتي, فقبولُ الاعتذارِ أو رفضُه لنْ يُعِيدَنا إلى ما كُنّا عليهِ قبلَ اليومِ ولا الذي خَسِرْنَاهُ في معركة ٍ فاشلةٍ, وعلينا أنْ نبدأَ رحلةَ الحُزنِ والمتاعبِ وسطَ بحرٍ من هُمومِ الكونِ وسَيُكْتَبُ لنا الموتُ في حِيْنِهِ. في وقتٍ لم يَكُنْ شيءٌ مِنْ كُلِّ هذا!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق