مجلة ضفاف القلوب الثقافية

السبت، 12 فبراير 2022

قراءة نص المستحدث مني ل عصام عبد المحسن بقلم صاحب ساجت

قَراءَةٌ في نَصٍّ نَثريٍّ...

" رَمزيَّةُ الحَدَثِ.. وَ ثَنائيَّةُ المَوضُوعِ! "
            تَقديــمٌ لا بدَّ مِنهُ..
        نصوصٌ كثيرةٌ، أَخذَتْ مَدَاها في
مُنتدياتِ وَ منصَّاتِ النَّشرِ الألكتروني،
وَ تَجذَّرتْ في مكانِها المَرموقِ، وَأُخرَىٰ بَقيَتْ طَيَّ الكِتمانِ لحاجةٍ في نفوسِ مُبدعيها.
        وَ في كِلا الحالينِ.. سِمَةُ الإبداعِ طاغيةٌ عَليها رُغمَ حَداثةِ كُتَّابِها، وَ قِلَّةِ خِبرَتِهِــم في التَّأليفِ وَ الإخراجِ، وَ لمْ يُعْرَفْ عَنهُم دُرْبَتُهُم وَ حَذَقتُهُــــم إلَّا بِحِدودٍ ضيّقةٍ!
فَضلًا عنْ عَدمِ تَخصّصِهم أكاديميًّا في مجالِ الكتابةِ الأدبيةِ وَ الإطلاعِ علىٰ فنُونِ اللُّغَةِ العربيةِ وَ أدواتِها وَ مستلزماتِها.. وَ لا أستثني قَلمي مِنها!
مَع ذٰلكَ.. نَشحذُ الهِمَمَ وَ نُبادرُ في
  مُعتركِ التَّنافسِ معَ الَّذينَ يَتربصُون
اللَّممَ منَ الهَفواتِ وَ السَّقَطاتِ اللُّغويَّةِ
وَ الأسلُوبيَّةِ وَ الفنيَّةِ الإبداعيَّةِ، دونَ
أنْ يُقدمُوا شَيئًا يُحسَبُ لَهم.
هَدفُنا تَقويمُ الأثرِ الأدبيِّ المنشورِ في مساحاتٍ واسعةٍ، مُلاقيًا إقبالًا لا بأسَ فيهِ، معَ بقيةِ الأساتذةِ في هٰذا المضمارِ المَسؤولِ، وَ المُؤثرِ في مسيرةِ الإبداعِ.
وَ لا يَهمُنا ما كالَهُ لَنا، أو قَلَّلَ منْ شأنِ ما قَدَّمناهُ - وَ بتواضعٍ شديدٍ- بلْ زادَنا عَزمًا، وَ تَركَ في قُلوبِنا مَحبَّةً، عسَىٰ أنْ تُمَكِنَّا كَسرَ حاجزِ الحَسدِ وَ الغَيْرَةِــ لا سَمحَ اللّٰهُ تَعالىٰ ــ لَدىٰ ثُلَّةٍ قَليلةٍ هَمُّهُم (التَّسْقيطُ!)، وَ أَظُنُّ أنَّهُ ــ أَعني التَّسقيطَ- عَدوىٰ وَبائيِّة اِنتقلتْ منْ السِّياسةِ/النَّخاسَةِ.. إلىٰ الأدبِ/الفَضيلَةِ!
    أصلُ المَوضُوع.ِ:-
       قصيدةُ نَثرٍ لصديقٍ عَرضَها عَليَّ
لقراءَتِها بالمنظارِ الذي دَأبتُ عليهِ مُنذُ مُدَّةٍ، لَعلِّي أَنجحُ في ذٰلكُ...
عنوانُ النَّصِّ:- " المُستَحدَثُ مِنِّي "
الكاتبُ:- عصام عبد المحسن/مصر
نوعُ النَّصِّ:- قصيدةُ نَثرٍ
القراءةُ:- صاحب ساجت/العراق
      النَّـصُّ:-
        " المُستَحدَثُ مِنِّي "
بِحذرٍ شديدٍ
تسلقتُ...
ماضي بُروازٍ قديمٍ
مُعلَّقٍ بالبَهو
مُنْحَدَرٌ خَفيٌّ،
أسقَطَني لداخِلي
كانَ الزِّحامُ شَديدًا 
الشَّرايينُ المُؤديَةُ
إلىٰ النُّطفَةِ الأولىٰ
مُكتظَّةٌ بالفَرحِ
بالأَوجاعِ...
وُجوهٌ لا أعرفُها
 تُحدِقُ فيَّ بشَغفٍ
وَ يَدٌ حانيةٌ تَربِتُ 
عَلىٰ غِلافي الجَّوِّي
وَ عينانِ...
لامِعَتانِ 
زائِغَتانِ
تُفتِّشُ بينَ سروالِها
عنْ أشياءَ لا أدرِكُها
وَ أَنَا...
أَتشكَّلُ،
مِنْ فتاتِ الطِّينِ
مِنْ نَهَجانِ سَيِّدَةٍ 
تَعرفُنى جَيِّدًا
مِنْ حَبّاتِ عَرقٍ 
تَتَساقَطُ 
مِنْ وجهِ رَجُلٍ قَمْحاوي 
يَحملُ بينَ أصابعِهِ مِسْبَحَةً
يَعِدُّ عَليها 
نقراتِ أَرجُلي
وَ هي تَزيحُ مُحيطَ الجِّدارِ
 لِيَكتشُفَنى الضَّوءُ
وَ أَنَا أَتشكَّلُ،
أَمدُّ كَفيَّا
أَستقبلُ سلامَ النُّورِ
فَيَضحَكُ القَمْحاوي
لِسَماعِي
وَ أَنَا أَقْضمُ مِنْ تُفاحَةٍ خَضراءَ!

         تَمْهِــــــــيدٌ:-
ماضي الأسرة هو.. تراثُها، وَ صورتُها القديمة، يَجتهدُ أفرادُها بوضعهِ في إطارٍ موشَّىٰ بالتِّيجانِ وَ الزخرفاتِ الذَّهبية، للتعبيرِ عَنِ الإهتمامِ وَ الإحترامِ.
(بحذرٍ شديدٍ/تسلقتُ.. ماضي بُروازٍ قديمٍ/معلّقٍ بالبهو) النص
       كلمةُ بُِرْواز - بضم أو بكسر الباء- دَخيلةٌ، تعني ما يُحيط بالشيء، أصلَها فارسي، شاعتْ علىٰ ألسنةِ الناس.
بديلُها في اللُّغة العربية ( إطار ) و هو 
كُلُّ ما أحاطَ بالشيء من خارج.

ثنائيةُ النَّصِّ:- بِضِدِّها تتميزُ الأشياءُ!
  هُنا نَلْحظُ أمرين متناقضين اِبتداءً.. 
" تسلّقُ ماضٍ معلَّقٍ " و أمرٌ آخرُ:-
"مُنحَدَرٌ أسقطهُ للداخل"!
هٰذهِ الثنائيةُ تَخلقُ توترًا لدىٰ المُتَلَقِّي، مِمّا يرفعُ صفةَ السلبيةِ عنِ النَّصِّ.. مقدمًا، ليجعلَهُ حَدثًا تتحركُ فيه شخصياتٌ، تَهتزُّ منْ حَولِها الأشياءُ.
وَ لإنَّ النّصَّ عكسَ رؤيةَ الحياة وَ الوجود لإسرةٍ تعيشُ الكَفافَ في تأريخِها الرِّيفي البسيط، فأنَّهُ حملَ نفس خصائصها، وَ أَهمُها..  الثَّنائيَّةُ!
التَّضادُّ الحاصلُ في الحياة، وَ بنظرة الشاعر المتفاعلة معَ الذاتِ الإنسانية
وَ واقعها، مِمَّا حَدَا بها أن تصنعَ إطارًا يتضمنُ المواقفَ الإنسانية فكرًا وَ فَلسفةً، مؤلِّفًا بينَ المختلفاتِ المتناقضة في الواقع.
وَ الكلمةُ ليسَ لها معنًىٰ في ذاتها، بلْ معناها يَكْمنُ في وجودِ ضدِّها.. كما يُقال. وَ هٰذا ما ذَهبَ إليهِ  المُتَنبِّي، 
وهو يكشفُ أهميةَ التَّضادِّ بين الأشياءِ:
و نذُمُّهمْ و بهم عَرَفنا فضلَهُ 
             و بِضِدِّها تتميزُ الأشــــياءُ 
وَ قبلهُ قال (صاحبُ اليتيمةِ) الشاعر "دوقلة المنبجي" بيتين في الغزل مقرِّرًا هٰذا المَعنَىٰ:-
فالوجْهُ مثلُ الصبحِ مِبيضٌ
          و الشَّعرُ مثل الليلِ مُسودُّ 
ضِدَّانِ لمَّا استُجْمِعَا حَسُنَا
          و الضِدُّ يُظهرُ حسنَهُ الضِّدُّ

أيُّهُما أبلغُ:- الصورةُ أم الكلمةُ؟
أولًا:- الصورةُ...
 تَعني ظاهرَ الشيء وَ حقيقتهُ وَ شكلهُ الذي يتميَّزُ بها، كرسالةٍ ذاتِ مضمونٍ بينَ مُرْسِلٍ و مُسْتَقبِلٍ؛ وسيلةٌ منْ وسائلِ الإتصالِ المهمة تأريخيًا وَ إعلاميًا لِما تحملهُ من أفكارٍ وَ رسائلَ.
وَ عادةً تتكون مِمّا يَراهُ أو يسمعهُ الأنسان، أو منَ التجربةِ وَ التنشئةِ. 
وَ هي أحدىٰ الإبتكارات في تمثيل جسمٍ ماديٍّ. 
أمّا ما يوجد في عقل الإنسان خَيالًا أو ذكرىٰ تُدعىٰ صُورٌ ذهنيةٌ، مجرَّد فكرة ليس من الضروري أن تكونَ واقعًا، أي:- حضورُ صورةِ الشَّيء في الذهن، وَ فهمُهَ وَ تصورهُ، وَ الانطباعُ الذي تكون عن شخصٍ معين أو قيمةٍ معينة أو كيانٍ معين!
 وَ الصورةُ أمّا ساكنةٌ أو متحركةٌ..
تُخاطبُ كلَّ الناس من خلال لقطةٍ تنقلُ مشاعرَ إنسانية، تُلْهِمُ المُتلقي بحصولِ تغييرٍ في التواصل العاطفي، وَ تحديدًا البصري.
فحينما نشاهدُ شيئًا، تصِلُ أشعتهُ الضوئية إلىٰ أعينِنا، فتنعكسُ مباشرةً بعملية معقَّدة عِبرَ العَصَبِ البصري إلىٰ الدماغ، وَ يَتمُّ فَكَّ تشفير المعلوماتِ الكهربائية للصورة، وَ تفسير شكلها ممّا يسمحُ بتكوين خريطةٍ بصرية.

ثانيًا:- الرسمُ بالكلماتِ...
    يقولُ ابو فراس الحمداني:-
لَعَمرُكَ ما الأَبصارُ تَنفَعُ أَهلَها
          إِذا لَم يَكُن لِلمُبصِرينَ بَصائِرُ
   الحدثُ- أيُّ حدثٍ- إذا لم يتحركْ بأبعادهِ الزَمَنكانيَّةِ.. يَفقدُ جماليَّتَهُ، 
وَ يُصبِحُ قطعةً صَلَدةً، لا تمنحُ القاريء شعورًا بالأُلفةِ، وَ تُحسبُ علىٰ خانةِ البياناتِ التقريريةِ الجامدة، بلا رؤيةٍ للتعايشِ معها، بلْ عدم إمكانية الإستنتاجِ.
النصُّ الإبداعي هو رسمٌ بالكلمات، 
و من لا يجيد فن الرسم بالكلمات لا يمكن أن يكون نصُّهُ ناضجًا، وَ ذا قيمة إبداعية، وَ يستدعي قيمًا جمالية يزاوج بينها وَ بين الهدفِ وَ القصدِ..
وَ هٰذا نلمسهُ في الحدث.. حتمًا.
وَ هو فنُّ تصوير حالة ذاتية وَ ما يدورُ حولها، وَ عملية مزجٍ بحسب رؤية وَ ثقافة المبدع وَ قدرته علىٰ توظيف العلاقات بين الحدثِ وَالأشياءِ الأخرىٰ.
إذن.. المهمةُ تكادُ تكون عسيرةً، علىٰ شاعرنا، وَ رُبَّما مستحيلة للأسباب:-
* قِصرُ النصِّ الشعري،
* الموضوعُ الذي تناولهُ،
* تشكيلُ اللّوحة الفنية التي أرادَ 
  الشاعر إيصالها.
   وَ علىٰ الرُّغم من ذٰلك.. نَجحَ الشاعرُ بأَسرِ المتلقي، وَ جعلهُ يقرأ النصَّ لأكثر من مرَّةٍ، كي يتتبعَ خطوط وَ حروف رسمهِ لَوحةً نادرةً وَ متقنةً، أزعمُ أنَّ التكنولوجيا تعجزُ أن تَعِدَّها وَ تعرضها بين يَدي المُبصرِ ببصيرتهِ المُتحفزة..
إلّا في صورةٍ جامدة، تعتمدُ علىٰ النقل الرتيب، لا تثيرُ الأسئلةَ وَ لا تحرك مشاعر المتلقي...

      اِنطباعُ الصورةِ وَ حركتِها:-
عندَ قراءةِ النصِّ ندركُ أنه تركَ لنا اِنطباعًا لحالة جنين في أثناء رؤيته لــ (سلام النور) وَ ولادتهُ في مَشهدٍ دِرامي تبدو فيهِ حِكَايَةٌ لِجَاِنِبٍ مِنَ حَيَاةٍ اِنْسَاِنِيَّةٍ يَقُومُ بِأَدَاءِ أدْوَارِهَا مُمَثِّلُونَ وَمُمَثِّلاَتٌ عَلَىٰ مَسْرَحِ الصُّورةِ موضوع كلامِنا...
المكانُ:- سريرُ  وُلادَةٍ
الشخصياتُ:- والدٌ، والدةٌ، مولودٌ
الحدثُ:- حركةُ جنينٍ في طريقهِ إلىٰ 
        أنْ يَرَىٰ النورَ أمام أنظارِ والديهِ!
السِّناريو  Scenario:-
   أُعِدَّ لهٰذا المشهدِ سيناريو، تضمنَ وصفًا تفصيليًّا لأحداثهِ وزمانِ و مكان تصويرها، معَ وصف شخصياته جسمانيًّا وَ نفسيًّا، حالاتِها في الحركة وَ السكون، حواراتِها وَ المؤثراتِ الخارجية عليها، بإسلوبٍ عَبَّرَ عنها الشاعرُ اعتمادًا علىٰ مخيلتِهِ الذاتية،
 وَ وضَّحَ فيها فكرتَهُ.
   
   الانطباعُ الأوَّلُ:- الماضي..
(بحذرٍ شديدٍ/تسلقتُ../ماضي بُروازٍ قديم/معلقٍ بالبهو/مُنحَدَرٌ خفيٌّ/أسقطني لداخلي) النص
    هٰذا التناقضُ يثيرُ حفيظةَ المتلقي وَ يجعلهُ مندهشًا، حائرًا بين التسلّق صعودًا، و السُّقوطِ في مُنحدرٍ...
فماذا يُريدُ النصُّ قولَهُ؟
الصعودُ هُنا.. يعني العودة إلىٰ الماضي الماثل في إطار صورةٍ جمعتِ الإسرةَ، وَ عُلِّقتْ إهمالًا أو تهميشًا، علىٰ جدارٍ لا تحملُ إلّا القِدَمَ وَ الركُودَ.
     بَيْدَ أنَّ وقائعَ هٰذا الماضي المؤطَّر، تركتْ إرثًا كبيرًا وَ بصمةَ نُطفَةٍ مُثخَنَةٍ بالأوجاع، تَخَلَّقَتْ في أدوارٍ متتاليةٍ..
عَلَقةً ثُمَّ مُضغَةً فعظامًا وَ اِكْتَسَتِ العظامُ بلَحمٍ في قرارٍ مَكينٍ، داخل ظلماتٍ ثلاث، تحيطُ بالمُستَحدثِ تَوًّا وهي:- بطنُ الأُمِّ، وَ رحمُها، وَ المشيمةُ وَ أغشيتُها.

الانطباعُ الثاني:- التَّشكيلُ...
       يُخلَقُ الإنسانُ منْ ماءٍ دافقٍ يَخرجُ منَ الصُّلبِ وَ التَّرائبِ...
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ• خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ• يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ 
وَ التَّرَائِبِ•} (الطارق ٥ ــ٧)
وَ الصُّلبُ ــ كلُّ شيءٍ قويٍّ وَ صلبٍ،
           تُطلقُ علىٰ الرَّجُلِ.
أمّا التَّرائبُ ــ عظامُ صدرِ المرأةِ، أو
          لحمُ وَ دمُ المرأة.
" وَ هُناك آراءٌ أخرىٰ لا تَهمُنا هُنا."
(وأنا.. أتشكّلُ/من فتات الطينِ/ من نهجانِ سيّدةٍ/تعرفني جيّدًا/من حبات عرق/تتساقط) النص
هذا هو رسم حقيقة التَّشكيلِ الابتدائي.. بالكلماتِ، لأيِّ إنسانٍ، وَ هو مصداقُ الآياتِ الكريمة الآنفةِ الذّكر.
     * فتاتُ طينٍ ــ هو خلاصةُ لقاح حَيْمَنٍ بِبويضَةٍ، يُقابلهُ (الماءُ الدافقُ).
     * حباتُ عرقٍ ــ بعدَ جُهدِ الأب في
  الحقلِ وَ غيره، يُقابلهُ (الصُّلبُ).
     * نَهَجانُ سيّدَةٍ ــ ما تعانيه الأُمُّ من مشاقٍّ وَ تعبِ الحَمل، يُقابلهُ (التَّرائبُ).

الانطباعُ الثالثُ:- الوُلادةُ..
(وجوهٌ لا أعرفُها/تحدّقُ فيَّ بشغف/
و يدٌ حانية تربتُ/ علىٰ غلافي الجوي)
الجنينُ ينقلُ ما حصلَ له، وَ أحسَّ في قُبَّتهِ المُجوَّفةِ، و هو قابعٌ في قعرِها، تُحيطُ به أغلفةٌ، منها غلافٌ شبيهٌ مناسبٌ لغلاف بطن الأمِّ الكروي..
فَكِلاهُما يتَّصفان بالشكلِ وَ المَهمَّةِ وَ المحتوىٰ، و هي مفارقةٌ تبدو بدون قيمةٍ أو غيرِ منطقيةٍ، لٰكنَّ بعدَ التفكير العميقِ تتضحُ صحتُها وَ معقوليتُها...
وَ تستمرُ الكلمةُ/الريشةُ بألوانٍ تَصْدِرُ نورًا تَستجيبُ له عينُ الرَّائي، يُتَرْجَمُ في الدماغِ كإحساسٍ يميِّزُ الأشياءَ من حولنا بآثارها المختلفة.
(و عينان.. لامعتان/ زائغتان/ تفتش بين سروالها/عن أشياءَ لا أدركها)  
      أمّا الرجلُ يبدو كادحًا، مِمَّنْ عَرَكَتْهُ الحياةُ، وَ حَرَّقتهُ الشَّمسُ، وَ لوَّحتْ وَجنتيهِ بلونِ القَمحِ! رَاحَتُهُ وَ هو يَعِدُّ الأيامَ وَ الليالي عسىٰ أنْ يُشنِّفَ أسماعَهُ بالبشرَىٰ وَ بصراخِ مولودِهِ المُنتَظَرِ، مكتفيًا بمراقبة وَ عَدِّ نقراتِ أقدامِ الجنينِ في سقفِ القُبَّةِ، وَ هو في منتهَىٰ السعادةِ.

الرَّمزُ في النَّصِّ:-
بحسبِ الأساطيرِ اليونانية الدينية القديمة.. تَرمزُ ' التفاحةُ ' إلىٰ الحُبِّ
وَ العلاقاتِ الحميمية، وَ تتعلقُ بإغواءِ حَواءُ لآدمَ بأكلِ التفاحة، وَ مرتبطُ بكوكبِ الزُهْرَة.
   بَينما رمزيةُ(التفاحةُ الخَضراءُ  Green Apple) تشيرُ إلىٰ علامةِ الــ Apple في الهواتفِ المَحمولةِ (و هي شعارُ أكثر العلامات التجارية شيوعًا في العالم)!
وَ المُلفتُ للنظرِ.. أَنّ النصَّ الذي بين أيدينا، انتهَىٰ بــ (و أنا أقضم من تفاحةٍ خضراء!)
فهل يَعني.. المَولودُ خرجَ للعالم وَ في فَمهِ ' هاتفٌ نَقّال ' مِمّا أضحكَ والدهُ؟!
لَعَمْري إنَّها نهايةٌ في منتهَىٰ السُّخرية!
نهايةٌ بُنيَتْ علىٰ ابتسامَةِ سُخريةٍ وَ مفارقةٍ.. 
بِحيثُ أربكتِ المُتلقي بايجازها وَ إضمارها، وَ استفزتْهُ وَ هو ينتظرُ جُمَلًا أخرىٰ، ثُمَّ استدرجتْهُ لممارسةِ لُعبَةِ التَّأويلِ، وَ ذٰلكَ يُحْسَبُ للشاعر وَ تمكنهِ من استعمال آلاتِهِ في كتابةِ النّصِّ!
          مُلاحظةٌ:-
    عندما سألْتُ الشاعرَ عنْ سِرِّ الصُّورةِ في النصِّ.. أجابَ:-
(أنَّها صورةٌ فوتغرافية لأصابعِ قدمٍ صغيرةٍ واضحةٍ داخلَ بطنِ إمرأةٍ حامل، خُيِلَ لي مَهْدٌ لقَصيدَةٍ، وَ ليسَ لجنين.. فَكتبتُ هٰذهِ القصيدةَ!)
أَضفْتُ أَنَا:- إنَّ ' الأُمَّ ' في الصورةِ تمثلُ المعاناة، الحُبلَىٰ بالولاداتِ العسيرةِ، وَ كأنَها تفاصيل حياة متشابكة من الولادة و الحُبِّ، الطفولة وَ الفرح، تمامًا كما بيَّنتهُ لوحةٌ مشهورةٌ للرسامِ النَمساوي (غوستاف كليمت Gustav Klimt) و اسم اللَّوحةِ هو: (الموتُ و الحياةُ  Death and Life) المُرافقَةُ في الأسفلِ.
       
             أَخيـــــــرًا...
    تشكيلُ الصورةِ أو تخطيطُهـــــا، بريشةِ الرَّسمِ وَ تلوينها بضرباتٍ فنيَّةٍ، 
تُثيرُ إحساسَ المشاهدِ لهــــا، وَ تلوي عُنقَهُ كي يُعيدَ النَّظرَ أو يَتمعنَ مَليًّـــا فيها، أَمرٌ ليسَ بالهيِّن مَهما كانَ بارعًا في مهــارتهِ وَ درايتهِ بكوامنِ النفسِ البشرية!
ما بالُكَ لو أقنعنا مُبدعًا بصورةٍ رُسِمَتْ بمفرداتٍ لُغويَّةٍ، ذاتُ دلالاتٍ وَ معانٍ مستقلةٍ عنْ فَنِّ الرَّسمِ وَ التشكـــيلِ بالريشةِ وَ الألوانِ؟
لا رَيْبَ إنَّ الأمرَ فيهِ نَظرٌ.. وَ للذوقِ تأثيرٌ واضحٌ في قبولِ أو رفضِ هٰكذا إبداعٍ، وَ مـــا أنتجهُ علىٰ المستوَىٰ المنظــورِ وَ المعقولِ.. طَبعًا!
وَ منْ نافلَةِ القَولِ...
 أَنَّ لونَ وَ حركةَ ريشةِ الفَّنانِ الظّاهرةِ في تقاسيمِ اللَّوحةِ المُتوازنَةِ.. لَها دورٌ كبيرٌ في فِهمِ وَ استيعابِ الصُّورةِ.
أمَّا الموسيقَىٰ وَ البلاغةُ وَ دلالةُ الكَلمةِ وَ مخارجُ نطقِ حُروفِهـــا وَ حركاتهـــا وَ سكناتِها.. جميعًا تلعبُ ذاتَ الدورِ في فِهمِ وَ استيعابِ الصُّورةِ لٰكِنِ.. المَرسُومَةِ بالكلماتِ!
    هٰكذا وجدتُ الشاعرَ "عصام عبد المحسن" في نصٍّ فريدٍ بطرحهِ لو دَقَّقنا فيه كثيرًا.. فريدٌ لأنَّهُ أتقنَ فَنَّ الرَّسمِ بالحرفِ وَ أَطَّرَ صورةً علَّقها  كَأيقُونَةٍ لحياةِ أسرةٍ، لا تَكلُّ أو تَملُّ 
منَ النَّظرِ إليها كُلَّ لحظةٍ! 
سَررْتُ جدًّا منَ الوفاءِ للإستاذ عصام
بقراءةِ نصِّهِ مَهما بَذلتُ منْ جُهدٍ في التَّقصِّي لكلِّ حَدثٍ تطرَّقَ له النصُّ،
وَ بوقتٍ صَعْبٍ كانَ عَليَّ في البحثِ
وَ الكتابةِ!
أرجو أن تنالَ هٰذهِ القَراءَةُ اِستحسانَ
الجميعِ، وَ بضمنِهم صاحبُ النَّصِّ!
           معَ أطيبِ التحياتِ
      (صاحب ساجت/العراق)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق