مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الخميس، 28 أبريل 2022

ملكة الأمازيغ وفارستهم ديهيا

 ديهيا .. فارسة الأمازيغ و ملكتهم الشجاعة 


ديهيا أو تيهيا ، الملكة ديهيا بنت ماتيه بن تيفان ، المشهورة بلقب الكاهنة . قائدة عسكرية وملكة أمازيغية حكمت شمال أفريقيا مدة 35 سنة تشكل مملكتها اليوم جزء من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وعاصمة مملكتها هي مدينة ماسكولا (خنشلة حاليا) في الأوراس . قادت ديهيا عدّة حملات ومعارك ضد الرومان والعرب والبيزنطيين في سبيل استعادة الأراضي الأمازيغية التي قد أستولوا عليها في أواخر القرن السادس ميلادي وبدلاً من أن تتحول لملكة مكروهة عند المسلمين أصبحت إمراة شجاعة يحترمونها وأصبحت رمزًا من رموز الذكاء والتضحية الوطنية وورد ذكرها عند الكثير من المؤرخين المسلمين وقد تمكنت في نهاية المطاف من أستعادة معظم أراضي مملكتها بما فيها مدينة خنشلة بعد أن هزمت الرومان هزيمة شنيعة وتمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية حولها خلال زحف جيوش المسلمين واستطاعت ديهيا أن تلحق هزيمة كبيرة بجيش القائد حسان بن النعمان عام 693م وتمكنت من هزمهم وطاردتهم إلى أن أخرجتهم من تونس الحالية وطرابلس إلى منطقة تسمى اليوم بقصور حسان في سرت وانتهى حسّان إلى برقة فأقام بها حتى جاءه المدد من عبد الملك . وما إن سمعت بتقدم جيش حسان حتى بادرت بتحرير مدينة خنشلة من الاحتلال الروماني وطردت منها الروم ثم هدمت حصونها لكي لا يحتمي بها جيش حسان . فاستنجد هؤلاء الروم بحسان بن النعـمان .

وقد قال عنها المؤرخ ابن عذارى المراكشي :

«جميع من بأفريقيا من الرومان منها خائفون وجميع الأمازيغ لها مطيعون»

وكان اللقاء بوادي مسكيانة وانتهت الحرب بتراجع حسان . وبعد هذه الهزيمة لحسان جعلته يهرب من المنطقة إلى غرب ليبيا سالما مع من بقي من جيشه تحت أنظار جيش ديهيا ومن مظاهر إنسانية ديهيا أنها عندما تتبعت جيش حسان بن النعمان إلى تخوم تونس لم تخرب القيروان ولم تقتل المسلمين المتواجدين بها أو تقوم بالتنكيل بهم ثأرا وانتقاما ، بل عادت برجالها إلى مقر عاصمتها بالأوراس ، مما يعني هذا أن ثورتها كانت محلية وتستهدف من ورائها طرد المسلمون من بلادها إلى خارج أفريقية .

بعد خمس سنوات من انهزام حسان أمام ديهيا ، كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يشرح من خلالها عن أسباب إنكساره الفعلية أمام أهل الأوراس وقد قال :

«إن أمم بلاد المغرب ليس لها غاية ، ولايقف أحد منها على نهاية ، كلما بادت أمة خلفتها أمم» .

في مقابل إنهزامه سيطرت ديهيا على شمال إفريقيا لمدة خمس سنوات وتشكل مملكتها اليوم جزء من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا . ومما قامت به أنها بسلوك حضاري أفرجت عن جميع الأسرى وعددهم 80 أسير وأعطتهم الحرية .

ثم قررت ديهيا إبقاء أسير عربي واحد من الأسرى بالأوراس ، فكان خالد بن يزيد القيسي . تبنته وأقام عندها وعاش مع أبنائها الأخرين الذي تبنتهم أيضا ومنهم يوناني تبنته وأمازيغي .

وقد قال المؤرخ إبن عبد الحكم :

«فأحسنت ديهيا أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها» .

بعد مرحلة هزيمة حسان بن النعمان وقد كان على وشك الموت قرر أن يعيد الكرة لمقاتلة ديهيا ، فأمده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بإمدادات عسكرية وعتاد ومؤن ، فإتجه حسان بجيشه صوب مملكة الأوراس لمنازلتها بعد أن جمع كل المعلومات التي أرسلت له من قبل معاونه خالد بن يزيد والتي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت عليها مملكة الأوراس .

ولما علمت ديهيا بخيانة خالد بن يزيد وقدوم حسان بن النعمان ، التجئت إلى إستراتيجية الأرض المحروقة وهي خطة عسكرية أساسها هو تخريب الأراضي التي يطمع إليها العدو وتدمير أطماعه ونفذت هذه الخطة لدفع العرب الفاتحين للتراجع عن شمال أفريقيا على حد سواء ، فقالت لأنصارها :

«إن العرب لا يريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن ، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي ، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر.» .

وقد نشبت معركة أخرى بين ديهيا وحسان بن النعمان في منطقة جبال الأوراس فإنهزمت فيها ديهيا وأسباب إنهزامها هو أن خالد الذي تبنته خانها وغدر بها وسرب أخبار جيشها وخططها إلى حسن بن النعمان .

وقد قال المؤرخ الثعالبي عن ديهيا :

« وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد » .

قال المؤرخ إبن خلدون :

«ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها » .

الصورة لتمثال الملكة الأمازيغية ديهيا في الجزائر .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق