مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الثلاثاء، 31 مايو 2022

ناجي العلي

 "اسمي ناجي العلي، ولدت حيث ولد المسيح، بين طبرية والناصرة، في قرية الشجرة بالجليل (عام 1936)، أخرجوني من هناك بعد عشر سنوات، في 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان.. أذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكره من بقية عمري، أعرف العشب والحجر والظل والنور، لا تزال ثابتة في محجر العين كأنها حفرت حفرا، لم يخرجها كل ما رأيته بعد ذلك.

أرسم.. لا أكتب أحجية، لا أحرق البخور، ولكنني أرسم، وإذا قيل أن ريشتي مبضع جراح، أكون حققت ما حلمت طويلا بتحقيقه... كما أنني لست مهرجا، ولست شاعر قبيلة- أي قبيلة- إنني أطرد عن قلبي مهمة لا تلبث دائما أن تعود... ثقيلة... ولكنها تكفي لتمنحني مبررا لأن أحيا.

متهم بالإنحياز، وهي تهمة لا أنفيها... أنا لست محايدا، أنا منحاز لمن هم "تحت"... الذين يرزحون تحت نير الأكاذيب وأطنان التضليلات وصخور القهر والنهب وأحجار السجون والمعتقلات، أنا منحاز لمن ينامون في مصر بين قبور الموتى، ولمن يخرجون من حواري الخرطوم ليمزقوا بأيديهم سلاسلهم، ولمن يقضون لياليهم في لبنان شحذا للسلاح الذي سيستخرجون به شمس الصباح القادم من مخبئها، ولمن يقرأون كتاب الوطن في المخيمات.

كنت صبيا حين وصلنا زائغي الأعين، حفاة الأقدام، إلى عين الحلوة، كنت صبيا وسمعت الكبار يتحدثون.. الدول العربية... الإنجليز... المؤامرة.. كما سمعت في ليالي المخيم المظلمة شهقات بكاء مكتوم، ورأيت من دنت لحظته يموت وهو ينطلق إلى الأفق في اتجاه الوطن المسروق، ألتقط الحزن بعيون أهلي، وشعرت برغبة جارفة في أن أرسمه خطوطا عميقة على جدران المخيم.. حيثما وجدت مساحة شاغرة.. حفرا أو بالطباشير..

وظللت أرسم على جدران المخيم ما بقي عالقا بذاكرتي عن الوطن، وما كنت أراه محبوسا في العيون، ثم انتقلت رسوماتي إلى جدران سجون ثكنات الجيش اللبناني، حيث كنت أقضي في ضيافتها فترات دورية إجبارية.. ثم إلى الأوراق..

إلى أن جاء غسان كنفاني ذات يوم إلى المخيم وشاهد رسوما لي، فأخذها ونشرها في مجلة" الحرية" وجاء أصدقائي بعد ذلك حاملين نسخا من " الحرية" وفيها رسوماتي.. شجعني هذا كثيرا..

... أريد أن أؤذن في آذان الناس وأقول لهم أين قضيتهم، وإلى أين وصلت؟ أريد أن أرسم للناس البسطاء الذين يفكّون الحرف والذين لا يقرأون ولا يكتبون.."

ابو ياغي 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق