مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأحد، 30 أكتوبر 2022

الأجرة البديلة بقلم علاء العتابي

الأجرة البديلة 

أنطلق سائق التكسي كعادته يوميا من الباب الشرقي إلى باب المعظم فهذا هو مسار حركة أجرته؛ الذي أعتاد عليها طوال سنين عملة، عادةً ما يصعد خمسة أشخاص في سيارته الانتيكة ، إثنين منهم في الأمام والبقية يجلسون في المقاعد الخلفية لسيارة الاجرة!
ذات مرة وهو في طريق إيابه من الباب الشرقي ،في منتصف ليلة باردة ، جو يخيم عليه الصمت، والهدوء قد سكن على جميع الركاب؛ فلَم ينزل إي شخص من ركابه تلك الليلة؛ فالجميع بصمته!
جمع أجرة النقل البائسة؛ عبارة عن تفاليس في ذاك الزمن الصعب! فأجور يومًا واحد لا يسد رمق الحياة! كل شيءٍ غالي الثمن! أجرة خمس نفرات لا تساوي ثمن دزينة بيض واحدة!
أنطلق بطريقه المرسوم يوميا ؛ عبر ساحة غرناطة ومن ثم ساحة الخلاني حتى وصل ساحة الواثق ولم ينزل 
 واحدٍ من الركاب؛ فقد أعتاد إن يصعد غيرهم؛ كي تعيله الأيام الصعاب! وصل ساحة زبيدة بعد عبورهم لمنطقة ( الشورجة) ولم ينزل اي حد منهم!
ايعقل أنهم صعدوا لغير وجهتهم هذه ، عجيب 
فالجميع ينوي النزول في آخر محطة ( كراج باب المعظم) وكأن الشوارع أفرغت من مركباتها !
ما أن وصلوا لتقاطع باب المعظم مع مدينة الطب حتى اعترض طريقهم أربعة رجال كبار في العمر ( كهلة) فلم يستطع أن يتجاوزهم؛ فتوقف بعد آن ضرب بقوة على مكابح التوقف! محدثةُ بقوتها صوتًا قوي بالشارع؛ على آثر ذلك الصوت أستيقظ جميع الركاب من سبات قصير أخذهم لوهله من الزمن بعد أن أتعبهم عمل ذاك اليوم المنصرم!
توقف وترجل من السياره، وذهب صوب ذاك الرجل الكبير الذي حاول توقيف مركبته!
وقال له: لماذ يا والدي كدت أن أتسبب بدهسكم جميعا؟
فأجابه بصوتًا خافت يكاد يسمع، صوتًا متعب وكأن حبال حنجرتهِ الصوتية شدة الى يديه!
قال له وحاجة السؤال تستجدي عاطفته : يا ولدي عندنا ميت ( تابوت ) نريدك أن تأخذنا إلى المقابر لنرقده هناك؛ فلقد أتعبتا الانتظار الطويل على قارعة الطريق! وفي هذا الطريق الموحش والليل المظلم، وهذا البرد اللعين قد دخل الى عظامنا الوهلة؛ فلم نجد سائقًا يقبل ان يسعفنا هذة الليلة!
نرجوا منك ان تقبل طلبنا وتشد على أيدينا وتنقلنا ومن معنا إلى المقابر لندفن ابننا هناك في دار الغربه، دار الوحشه!
فقال لهم:لا أستطيع ذلك؛ فأنا أعمل داخل المدينة فقط! وسيارتي هذه ليست بالجيدة لكي أقودها خارج المدينة! وانا محمل الركاب؛ كما تشاهدون ولا أستطيع ان أرجع لهم أجرتهم؛ فقد اجتزنا ثلاثة أرباع الطريق فلم يتبقى الا الربع الاخير وأصل بهم الى نهاية المطاف!
يا بني سنعطيك ما تطلب، ستضاعف لك الاجرة! تعاطف من في السيارة مع أهل الميت؛ فقالوا جميعا بنبرة واحده : لقد وصلنا الى وجهتنا، هذا هو باب المعظم! ولا نطالبك بباقي الاجرةِ، انها حلال عليك!
ربط التابوت بأحكام وصعد الى سيارته، صعد والد المتوفي بجانب السائق، بينما اخوته ففضلوا الجلوس بالمقاعد الخلفية!
انطلقوا الى طريق المقابر الذي يبعد عن ثلاجة الموتى لمدينة الطب قرابة اربعة ساعات ونصف الساعة! طريقًا موحش، ظلامًا دامس والصمت يخيم على السياره فجميع من في السياره قد غلبهم النعاس؛ فقد ناموا بعد ان نحبوا نحبا طويلًا قد انهك اجسادهم الهزيله.
ومازالوا يسلكون طريقهم في الليل الحالك والصمت الساكن مطبق على أجواء السيارة وبينما هو محدق على الطريق خوفا من ان يعترضه حيوانا ما عابرا الى جهتا ما! وهو على هذه الحالة ، وإذا بطرقً خفيف يطرق على سقف السيارة! يزداد طرقه تارةً و تارة يزول؛ كأن احدا ما يطرق بابا للدخول!!
أرعبه ذلك الطرق المخيف على سقف السيارة؛ فنزل الخوف الى ركبتيه ولم يستطيع ان يتمالك أعصابه فبدء جسمه بالارتعاش خوفا من أن ينزل الميت ويفتح عليه الباب؛ فمن شدة ارتعاش يديه يرتعش مقود السيارة أيضا!
صاح على والد الميت الجالس بجانبه. استيقظ يا هذا فأن ميتكم قد صحى من نومته الطويلة!
استيقظ الجميع وهم وجلين خائفين لا يعرفون ما يفعلون او يتكلمون! او حتى يهمسون وأعينهم تصد اليه ومرة تصد الى مقابض الأبواب لكي يهربوا!
ارعبته نظراتهم إلحاده والغريبة بتحديقها أليه ، كانهم جائوا من عالم أخر!
ايعقل أن يكونوا هم المتوفين ، ومن في التابوت هو الحي فيهم!
أزدادت حدة خوفه مع خفقان دقات قلبه السريعة؛ فتوقف على احد كتفي الطريق بعد ان فتح مقبض الباب!
لا يعلم هل فتحت يداه المقبض؟ ام ان المقبض فَتح من تلقاء نفسه!
هرب بعيدًا عن السيارة؛ فليس لديه وجهة يقصدها أو ناحية يصبو اليها!
فقط احسس بنومه على احد كتفي الطريق بعيدا عن سيارته التي مازال محركها يعمل!
برهه من الزمن وإذا بجميع الركاب ينامون خلفه ويقولون : دعنا معاك انا نخاف ان نبقى بالسيارة لئلا ينزل علينا!!
فقال لهم؛ انه ميتكم وأنتم أولى بمعرفتة!
فقال عمه الكبير : هل عملها فينا وصحى من سباته؟ ولا يصحى الا في هذا الليل الصامت!
وبينما هم على هذا الحالة وذاك الطرق المستمر على بدن سطح السيارة، لملم ما تبقى من قواه الخائرة وزحف لكي ينظر الى سيارته من بعيد، اقترب منها، أمعن النظر صوب التابوت ، كل شي في مكانه فغطاء التابوت لم يتحرك من مكانه!
عجيب !!! هل يمكن أن يكون قد نزل من التابوت واغلق غطائه خلفه؟ ازداد خوفه وهو يرتعش : لئلا قد يكون أصبح خلفه ! شعر بيد تقف على كتفه الأيمن ويقول له ( اسمع )؛ فوقع مغشيا عليه من شده الخوف!
فصاح به والد الميت: هل نهض ابننا من مرقده؟
فهرب الى مكانه القديم خلف كتف الطريق
وقال له : يا حاج انا بالقوه صالب طولي وأنت تفزعني! ماهذا الذي عملته في؟
فقال لهم لن نستطيع ان نبقى مكتوفي الايدي بوقوفنا هنا جامدين لابد لنا من ان نتحرك صوب السيارة!
فتمالكوا أعصابهم وزحفوا صوب السيارة الواحد خلف الاخر كأنهم في خندق حرب يزحفون الى أرض المعركة؛ فلما وصلوا الى السيارة ونظروا الى الأعلى؛ فلم يجدوا شيئًا! فقط أن حبل التابوت المربوط أليه كان يضرب سقف السياره بسبب الهواء العالي مسببًا ذاك الطرق! ضحك على نفسه من هذا الموقف الهزيل بعد ان خارت قواه!
انطلقوا الى طريقهم بعد ان ضحك الجميع بما فيهم والد الميت وهو يقول : أيخيفكم حبل افا عليكم ؟
فقال له: يا حاج انت كنت أول المذعورين.

علاء العتابي
الولايات المتحدة الاميركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق