مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الجمعة، 21 أكتوبر 2022

في زاوية شاغرة بقلم إدريس بندار

 قالت وقلت :بقلم إدريس بندار                                                        ===================


...  في زاوية شاغرة  من دار الثقافة جلست ألهو بعبثي،ألتهم سيجارتي بكل لهفة،تحسست ورقة في جيبي كانت تحلم بالبياض وكتبت:  "ما كل شيء قابل لمقياس البوح،قد تكون أشياء ماتت ولا حق لنا في نبشها،وقد تكون أشياء حية وعلينا إقبارها،هكذا تعلمنا في حياتنا المجروبة،ينتابني أحيانا قلق وجودي وألغي كل شيء،حتى الإلغاء صار وجودا"  في الوقت الذي كنت أكتب هذه الخاطرة،كانت هي تزحف نحو الباب الخارجي للمؤسسة،تتصنع التأمل في الجدران المطلية بالإعلانات الإدارية،هكذا حدست، ومما زاد يقيني تثاقل خطاها،والنظرات التي تسترقها نحوي بين الفينة والأخرى،وكي لا يخيب حدسي ناديتها:                             

ـ أتجلسين معي؟...

 وكأنها منذ الأزل تنتظر مني مجالستها،تهاوت بكل ثقلها الشعوري واللاشعوري بعدما سحبت لها كرسيا،جلستْ وجلستُ،شجر من رماد يلفنا،جبل من دهشة البدائيين،صهيل متقطع على شفتينا،خذلنا الكلام وصرنا قطعا من رخام،وأنا الجالس واللاجالس،تكبلني الرغبة في الكلام،وأجدني على تجاعيد الكلام كلاما،آه حين يتمرد الحب في قلبي،حين يحترق الفينيق مرتين،وحين تذكرني المسافات   بالبــــــين الشاسع بيني وبيني،ساعتها يخذلني الزمن ،وأتهاوى سفرا في السفر.                                                 

وأنت أيتها الجالسة فوق أنقاضي: كيف أستفزك؟ كيف أفتح القلب كي تمــارسـي الشغب؟ وأنا المتوحش المهووس بالخلوة،يظهر أنك تسرعت،صدقيــــني فأنـا لا أملك إلا طفولة تطل منها مشنقة،ودهشة طفل،واعتراف لآخر الليل، ،فأنا الشـــــــــغب الصخب الوجع،آه لو تعلمين ؟

لا زالت في صمتها غارقة،وفي لا شعوري أهمس: يا ليتك لي،قلت وفي صوتــي  بحة التردد:                                                                            

ـ أتسمحين إن استفزيت شخصك بأسئلة؟.

ـ تفضل.

ـ أعتذر منك عما بدر مني قبل قليل،ما كنت أقصد إحراجك ولكنه مجرد استجلاء لنقط أثارتنـي في حوارنا،لكن ما أثار حفيظتي فعلا هو انسحابك المفاجئ،وكأني أيقظت جرحا كان نائما فيك.

 في عينيها انسكب قلبها،أطلقت أنة حيرى،قلت مستفسرا:

ـ هل سببت لك إحراجا؟

ـ لا...لا( قالت متلعثمة).

ـ هل جرحك رجل؟

 صمتت ووجدتني محرجا على الأخذ والرد معها في موضوع ربما لا تريد الخوض فيه،ولكي أشعرها بالموقف قلت:                                                 

  ـ أحس أن لا حق لي في نبش الماضي،معذرة،وهممت لأغادر،فجاء الجواب:

ـ لا أخفيك سرا،الموضوع بكل بساطة،أني لم أسمح لأي عاطفة أن تخونني.

ـ لا أصدق؟

ـ لماذا لا تصدق؟

ـ أمر بسيط،كونك امرأة لا بد من ممارسة حقك البيولوجي،وإلا فكيف أنت امرأة؟

ـ وحق المرأة أيضا هو البحث عن عاطفة تحتويها وتحسسها بوجودها كامرأة،لا كمكنسة تشطر بها الشهوة الرعناء..

ـ ضمنيا تودين القول ،أن تجاربك السابقة باءت بالفشل.

ـ ليست تجارب، بقدر ما هي محاولات،استجليت منها جنوح الرجل الكلي نحو متعة الــــــجسد دون غيره.

ـ حسبما فهمت: الرجل لا يؤتمن.

ـ ليس كل الرجال.

ـ ما رأيك في الحب؟

ـ قدر جميل يعوزه الصدق.

ـ وإذا ما تحقق ذلك.

ـ يبقى الدخول إليه مجازفة.

المرأة زئبق،تفعل ما لا تقوله وتقول ما لا تفعله،صراعها الأبدي مع الرجل وما أورثته السنون فيها،أوهمها أن الرجل عدوها اللذوذ،لذلك استجمعت كل قواها النفسية والأنثوية للإطاحة به،لكن سلمى (هذا هو اسمها حسبما قالت) الآن سقطت في أول خطوة من معركتها معي،أوهمتني أن سلطتها كامرأة،قادرة على الزج بالرجل في حبالها وقتما تشاء،لكن ما أبدته معي لا يمت إلى الحقيقة پأي  صلة...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق