" الجروح و الكدمات النفسيّة "
بقلم الكاتبة الروائية
أمل شيخموس // سوريا
المقالُ تأمُّلِيٌّ نفسيٌّ
▪︎▪︎▪︎▪︎
من الأولى عدم جرح القلوب بدلاً عن مداواتها في ما بعد ، لأن بعض القروح يصعب استشفاؤها بل تخلف أثراً عميقاً في الروح قبل الجسد المحسوس ، الجسد الّذي عبارة عن عصب ، و دم ، و أنسجة مكونة من خلايا ، و أمّا الرّوحُ فنفحةٌ رحمانيّةٌ نورانيّةٌ من الخالق البارئ ، فالإنسانُ عبارةٌ عن روح و نفس و جسد ، فالناس يسهل جرحهم من خلال النفس بيسر أبلغ من الجسد ، بل أؤكّد أنّ جروح الجسد تلتئم ، و تتماثل للشّفاء و المعافاة ، لأنّ الجسدَ يستجيبُ للعلاج بشكل أسرع ، بيد أن النفس تحتاج إلى رقة في التعامل و الشعور ، غالباً ما تكون الجروح النفسية بالغة تؤثر في العمق الذي ينعكس على الإنسان بوصفِهِ وحدةً متكاملةً من روحٍ و جسدٍ ، و نفسٍ و عقلٍ فمن هنا نقول من الأجدى و المثمر تفادي جرح الآخرين أفضل من مداواتهم ، لا الكلمات و لا الفعال غالباً ما تشفع أمام تلك التصرفات لأن النفس شديدة التأثر و الحساسية تدرك من يحبها بصدق و من يكرهها دون تزييف تصلها الحقائق .
النفس عارية من المناعة فما يأتيها من شعور نفاق أو صدق يزهر فيها كلٌ بما سقى لذا يقاسي بعض النّاسِ من التّصحّر العاطفيّ و ذلك لأن أنفسهم تجرعت كميات سميِّة تفوق طاقتها و تشربت المزيد من القهر ، و الذل ، و الإهانة بشكلٍ لا يمكن التغافل عنه أو مداراته ، أعتقد أن الأمراض النفسية تأتي عن طريق تلك الهجمات و الدفقات السميّة من مُتَلَبِّدِي الأحاسيس و قساة القلوب ، و تتأتى تلك القسوة لديهم أيضاً من سحق معالمهم النفسية و الوجودية عن طريق مرضى آخرين حولوهم إلى ماهم عليه ، و هكذا ندور في حلقة متتالية من الآفات النفسية المعدية التي يقذفها كلٌ من نفسه ، لتتلقى ما حوله من نفوس تلك الكدمات الأزلية بلا نهاية تتم هذه العملية الضحايا الأولون السابقون يحولون حياة من حولهم إلى جحيم فيتحول هؤلاء أيضاً بدورهم إلى ضحايا مثل غيرهم و تتكرر الكلوم و تُستنسخ حتى تغدو غديراً متدفقاً من الآلام النفسية ، و التي تصيب الجسد بعلل تتفجر فيه مثال ذلك السُكري المرض الخبيث الشائع ، الَّذي لا دواء له سوى الراحة النفسية و الامتناع عما لذّ و طاب من فاكهة و ثمار حلوة
تؤكّد هذه له أنَّهُ تعرّضَ للكثيرِ ، فكم من مريضٍ يقاسي من علل متنوعة و متعددة كالقلب و الإصابة باضطراب الغدة الدرقية حتى الاختناق و هبوط الضغط و ارتفاعه تؤكد هذه الأمراض له إنَّه تعرض للكثير من الظلم و الكدمات النفسية التي تجرعها على مر الوقت ، و انفجرت من قساوتها ، و أثر الصدمات غير محتملة ، و التي تفوق طاقته بتلك العلل النفسية المستدامة التي طافت على سطح الجسد تعبيراً عن الرفض العميق عما يتعرض له ذلك الإنسان من غدرٍ و قهرٍ للمشاعر و المعاناة تكون أقسى بالطبع عندما يصاب . . التي نتحدث عنها الآن أمراض مستشرية تسري في المجتمع سريانَ النّارِ في الهشيمِ ، و بسرعةٍ فائقة شدَّ ما نسمع بشكل متكرر يكاد أن يكون يومياً عن أعداد من البشر نعرفهم قد انفجرت فيهم هذه الأسقام و أصيبوا بهذه العلل المستدامة التي لا يسعهم التملص منها بل و تهيمن عليهم عن طريق القلق ، فقد غدو مكرهين على اتّباعِ حماياتٍ غذائيّة درءاً لكميّاتٍ مضاعفة من الألم تكلفهم المزيد من العافية ، و دعوني أقل لكم دون خجل و كثير من الشجاعة لتعرية النفس و نحن من هؤلاء في ترقب صحيٍّ مستمر متأملين حدوث معجزة من السّماء تشفينا . .
إذاً يتبين لنا مما سبق و التمني لا يشفع لنا . . الإنسان لو أنه ابتعد عن بؤر الفساد تلك و حافظ على ذاته كما هي نقية من العلل و الآفات التي فجرها هؤلاء في جسده ، دربهم شوك ، و مرآهم يسبب الخمول ، و اليأس ، و لا مفر منهم سوى الرفض الصريح إن كان مستطاعاً ، أما إن كانوا من الدائرة المقربة ، و هذه الأشدُّ التصاقاً و سميِّة نظراً لعامل القرب هنا يجب تفاديهم قدر الإمكان ، لذا ذهب المجتمع إلى هذه المقولة الّتي يجدها بعضُهم ربما تعدي على صلة الرحم أو ما شابه بيد أن الأمر مختلف تماماً ، فكل مثل شعبي هو نتيجة تجربة فعلية مر بها الكثير من الناس عن طريق التجارب " الأقارب عقارب " هذا لم يأتِ مصادفةً بل نتيجة تجارب مجتمعية و إنسانية بليغة الأثر .
حالة التلوث تلك باتت تؤثّرُ في العلاقاتِ ، فغدا الإنسان بدافع من الحرص ودرءاً للاصابة بالمزيد من العلل الذي تسبب له الضرر النفسي و الجسدي أحيانا العقلي أيضاً كنوعٍ من الدفاع عن الذات يقوم بقطع الصلة مع هؤلاء و لو كانوا أقرب المقربين ، فيغدو الأمر عبارة عن مجاملة لا أكثر و عدم إرتياح في التعامل بدل الراحة
هكذا تبقى الحياة تستمر و في خضمها جميع المتناقضات تسير . .
فمثلاً عند الحكم على فلان إنه عاق بئس هذا الحكم النّاس لها الغلاف و ما خفي في البواطن أعمق ، لا أحد يدري كيف تربى هذا الإبن العاق و بما مرَّ به من قروح نفسية عميقة أوصلتهُ حدَّ عدم تمكنه حتى من المجاملة أحياناً ، بل الرفض و غالباً ما يكون الرفض باطنياً سببه نفسي عميق قد نتفاجأ على سبيل المثال رفض أحدهم الانصياع للمنظومة الأسرية و المجتمعية مع العلم أن الصورة العامة الظاهرة أمام الآخرين عنه أنه في أحسن حال إلا أن الواقع ربما يكون العكس ، فربما لم يتلقَّ الحَنَانَ و الأمان في الصغر ، إنما إثر اشتداد عوده و بعد طول هذا الزمن أصبحوا يغدقون عليه العطف . . هذا ما يتراءى ظاهرياً و الحقيقة أن ذاك الشخص قد قاسى من الرفض في الصغر و التعرض للمعاناة و الترهيب النفسي أعتقد أنه لن يكون سعيداً بعد خوضه شوطاً عظيماً من الآلام النفسية بهذا الكرم الهابط و كأنَّه من جوانح السماء ستبقى نفسه شاهداً أكيداً على ما مرَّ به من متاعب في رحلته الوجودية حول اكتشاف ذاته و نفض التراب عنه ، هنا و بهذا المثال عن العلاقات الأسرية الأبوية تحديداً لا نشجع على عقوق الوالدين و بتر صلة الرحم بل ندعو إلى التسامح و الرحمة و إفشاء المحبة والسلام في المجتمع لأنه في النهاية الكمال لله سبحانه و تعالى أما البشر في نقصٍ يتخبطون بين هواجسهم و السعي للتشافي خلال هذا العمر الرحلة القصيرة على متن الأرض و التي تتطلب منا الرحمة و الحكمة في التعامل مع الآخرين سعة الصدر ، و الصبر ، و التطور من خلال الآلام التي نتعرض لها هي جوهر الإبداع للنفوس الحكيمة و بوابة نحو السعي للإنطلاق بالذات ، فمن خلال الألم نخلق الجمال و نبتهلُ إلى اللهِ ، و منه نتقرّبُ أكثر من خلال الدعاء و التأمل و الصبر و آداء الصدقات و الواجبات و هذه من صفات القلوب الرحيمة كما يقول الحديث الشريف الذي رواه التّرمذيّ
" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء "
الحياة عبارة عن آيات لأولي الألباب لعلهم يعقلون
🌻
بقلم الكاتبة الروائية
أمل شيخموس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق