مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

رسائل يكتبها الليل ٤٠ بقلم بنيامين محمد حيدر

رسائل يكتبها الليل ٤٠

تستعيد الكتابة جراح الواقع الاليم ،
 و تقيحاته ،
 و ترسم بالحرف رنين الالم ..

واصلت دراستي بكل مثابرة، و اجتهاد لاتمكن من بلوغ النجاح ،
  وانا اعيش وسط مناخات لا تحفز على النجاح ..
منحت دراستي كبير اعتناء ، و لم اتخلى عن تذوق حلاوة الموسيقى في فرقة تابعة لمعهدي ، اسبوعيا ، و اتخاذها كمطية لنسيان اوجاعي، و عنوانا للفرحة ، عبر الحان المالوف . اليس الفن حياة ، و الموسيقى سبيل للحرية و وسيلة للمقاومة ، خاصة لمن يعيش وقع الوجع و الالم ؟؟

ممتع احساس النجاح بعد سنوات من التحدي ، و الاجتهاد و التميز ، للحصول على رضا اساتذتي ، و فخر والدي الحبيب ..وبين النجاح و النشوة ، عشت لتاكيد رغبتي في نحت مساري ، في سعي لتحقيق احلامي ، و اشق طريقي بالكثير من الاجتهاد و ايضا بالصعاب ..
تزوجت اختي الكبرى بابن خالتي و سافرت معه الى فرنسا ...ورسبت اختي التي تكبرني بسنتين ، اختي السليطة اللسان ، الضديدة و المعرقلة لمسيرتي ..جن جنونها ، لانني نجحت و اصبحت اتفوق عليها بعد رسوبها ..طلبت من والدي ان يلحقها باحد المعاهد الحرة ، حتى لا تعيد سنتها الدراسية مرة اخرى ..الكل يعرف ان والدي كان يعمل ليل نهار حتى يوفر لوازم الدراسة لعدد كبير من اطفاله ..طلب منها ان تعيد العام في معهدها العمومي ، المجاني ، وهو سيتكفل بباقي مستلزمات الدراسة..
رفضت اختي العودة الى معهدها ، و هددت بالانقطاع عن الدراسة ، في تعنت ، واستعلاء ، و غطرسة و غرور .و دخلت معه في مواجهة علانية لتسعر نار الخصومة و الخلاف ، فحشدت الكلمات الفظة ضدي و ضد والدي ، وهي تعلم علم اليقين ان التعليم الحر في بلدنا مكلف جدا ، ، وهو منبوذ لانه كان ملاذا للمطرودين من المدارس العمومية، و ملجا ءللراسبين ، وهو لا يوفر ادنى مستويات النجاح ..
وتشبت اختي بقرارها ، ولم يرضخ ابي لتهديدها ، فلازمت البيت لتزرع الخوف بين افراد الاسرة في غياب والدي ..كانت تسلط عليهم عدوانها ، وتفرض عليهم القيام بكل اشغال البيت ، وهي مستلقية طوال اليوم ..و تضاعف وزنها ، لتدخل في نوبات غضب، وهي تحمل وضعها و ما الت اليه لوالدي ، و لي انا خاصة ..!!
كيف يجوز ان انجح بتفوق في كل سنة ، وهي قابعة في البيت بدون دراسة ؟؟
اشرعت في وجهي باب الجحيم ، لاعيش التشتت ، و التمزق ، بين اب يناطح السماء من اجل لقمة العيش بكرامة ، وبين اخت تعاديني باستمرار ..وانا اقتفي الامن و الامان و السلام ..
وجدت الملجا و السند في بشير ، جارنا ، هذا الملاك الطاهر الذي لم ارى مثله في نقاء السريرة و بياض القلب ، و نبل الاخلاق، و طيب المعشر .
كان بشير يسكن بيتا مقابلا لبيتنا ، يزورنا كل يوم مع والدته المسنة و اخته المعاقة ..كان بشير يحضى بحب والدي ، وكل جيراننا ..
بشير هو انسان في صورة ملاك ، نكبته الحياة في صحته ، وهو مصاب بمرض نادر في المخ ، وقد اجبره الاطباء على عدم الشغل ، و الزواج ، او الانجاب ، و البقاء تحت الرعاية الطبية ما حيى ..كان يعيش مع والدته المسنة في كفالة اخيه الاكبر ، الذي يتحمل كل مصاريف علاجه و ادويته و كل متطلباته ..
كان بشير ، معرضا لنوبات قاتلة في اي وقت ، ولذلك كان الدواء مصاحبا له كلما تحرك الى اي مكان ..
كان بشير ، الاخ الكبير الصدوق ، ، جميل الاخلاق و السلوك ..كنت احبه و اجله ، واعتبره اخي الذي يراعي خاطري، و يؤثرني على نفسه ، ومن اجده عند الشدة ، ومن يمد لي يد العون عند الحاجة ..كان يرفع من معنياتي ، و يساندني ، و يخفف من مرارتي النفسية ، وهو الذي يعيش محروما من كل حقوقه في هذه الحياة..!! لا شغل ، ولا زواج ، ولا ابناء ..ولا من يتذكره بعد مماته ..
كان يعيش الياس العنيف في صمت ..بدون ان يشتكي ..ولا ينبس بكلمة ..
كنت اشعر باوجاعه و مرارته ، وهو صامت ، يعيش اللحظة التي هو فيها ، بدون انتظار اي امل ..وهو يعيش الالم والوجع في صمت القبور ، وهو يبتسم لمن حوله ، كطفل رضيع ..فتجده ينشر كلماته الحنونة لكل من حوله ، كحبات الياسمين ينثرها لتترك عبقا و اريجا منعشا ..طيبا ..
لم يسلم بشير من اذى اختي ، كلما ساندني ، او دافع عني ، او حتى شكرني ، فكانت ترميه بالقاذورات لتلطخ ملابسه النظيفة ، او تشده من قميصه بقوة فتمزقه ، كل ذلك نكالة فيه لانه اخذ صفي ..كانت تشتمه وتعيره بعجزه و مرضه ..وهو لا يتفوه ببنت شفة ..
كلنا نعرف ان بشير كان معتنيا بهندامه و اناقته و نظافته ، و هو المحافظ على ملابسه ..كان دوما يشعر انه عبء ثقيل على اخيه الميكانيكي الكادح طوال النهار ، ليوفر له كل ما يحتاجه من دواء و طبيب و رعاية صحية ..
كنت اختي ، في بعض الاحيان ، تطرده من بيننا..ولكن ابي الغاضب ، كان يتدخل ممسكا بيد بشير ليقول لها : هذا البيت هو بيت * بنت بوها * بيت *عزيزة بوها * انت يا بشير في بيت اختك ، بيتك ايضا .."
ليدخل مع اختي في مواجهة علانية لتسعر نار الغضب العنيف..
وتتالى الايام و الشهور في تراكم مستمر ، لاصل الى سنة الباكالوريا...
لقد كتبت عن هذا العام بالذات ..عندما دخلت اختي هذه في مواجهة مع والدي ، لتخرج عن طاعته ، و تعقد قرانها على احد جيراننا..
اختي هذه ، هي التي حضرت حفلة زفافها خفية عن والدي ..لامدها بالقوة ..لاحمل لها بذور الاخوة ، و سقيا المحبة..لاجعلها تعيش على قيد فرح ..لم لا ، على قيد حب لي ؟؟
لاترك خيطا ، ربما ، يحملها على عبور جسر التلاقي ..نفترق، ولو على قليل من الحب..
لن يضيرني بشيء ، ان اتنازل عن عدوانها الطويل ..انساه..
عاشر بمعروف ، و سامح من اعتدى ، و فارق ، و لكن بالتي هي احسن ..!!
  يتبع.....
بنيامين محمد حيدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق