مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

صداقة الطفولة بقلم فتيحة المسعودي

صداقة الطفولة 

رغم أنني وُلدت في فصل جميل وهادئ ، زهور متفتحة .. أوراق مخضرة .. بلابل شادية ..فصل ولا أروع.
وإنما طبيعتي كانت على عكس الفصل تماما .
مزاجي سيئ في غالب الأحيان ، أحب العزلة كثيرا .. أضحك قليلا ..
أعشق السكوت والوحدة، هكذا أنا !..أنا المنعزلة.. الوحيدة .. التي تحول نكتة او مزحة بسيطة للترويح عن النفس إلى أعجوبة !.
اذا رأيت أولادي يضحكون ويمرحون، على الفور القنهم درسا!، اسكت يا هذا.. كفاك مزاحا .. ماهذا الضجيج؟! !.وأضيف كلام وكلام.. إنه درس .. درس يا سادة !!.
زوجي وهو يضحك على فيلم فكاهي ، لو لم أكن أؤمن بجملة ( الإحترام بين الزوجين واجب) ل لقنته هو الآخر درسا لن ينساه !! ، ومع ذلك أوجه له بعد الكلمات ، كمثل، أتتفرج على هذه التفهات ؟! كيف يعقل يا عزيزي ؟! ألا ترى أنك كبرت على هذه الأفعال الصبيانية ؟!!!! ثم أغادر، وأنافي طريقي الى غرفة أخرى أضيف كلمات لا أساس لها ، وأختتمها بكلمة ( ياللعجب)!! وكأنني أنا العاقلة وكل من حولي مجانين !!.
أدخل غرفتي لأعيش عزلتي ووحدتي كالعادة،
  وهنا يحدث معي شيء غريب ل تنقلب الأدوار وأصبح هذه المرة أنا من يلعب دور المجنونة !!.
لا أعرف كيف سأدخل الموضوع .. عذرا إن ولجته دون مقدمات ، فهو أصلا لا مقدمة له ولا خاتمة .. فقط توجد له انطلاقة قوية لا حدود لها ولا نقطة لنهايته !!، على بركة الله مع الإنطلاقة ...
يرن هاتفي ..يظهر رقم على شاشته فورا بعد رؤيته أفتح الخط بسرعة ولهفة .. تكون أول تحيتي هي .. هاهاها.. أهلا نورتي العالم .. ثانية صمت ثم .. هههههههه هههههههه
كيف تغيبين كل هذه المدة يا مجنونة ؟ دقيقة صمت .. وبعدها بصوت مرتفع .. هاهاهاهاهاهاهاها .. قهقهة عالية .. فم لا يغلق .. صراخ لا ينقطع .. 
وأنا ..هههههههههه هاهاهاهاهاهاهاهاهاها.. نظرا لققهتي العالية ، اجتمع اولادي حولي يسألونني مابك يا أمي ؟ 
لما كل هذا الضحك ؟ 
أكتفي بإشارة من يدي ألمح لهم بالخروج من غرفتي!! كما لو أنني أتكلم في موضوع مهم !!
يقف زوجي أمام باب الغرفة ،فيقول من المتصل ؟، يصيبني الحرج عند رؤيته فأحاول أن أجمع قوايا لأجيب عن سؤاله بهدوء حتى لا يأخذ عني نظرة لا يحمد عقباها ، الحمد لله جمعت كل قوايا مع جمع فمي وبلع ريقي وإعداد أسناني ولساني وشفتي لجواب مقنع .. بسم الله أبدأ.. وأنا فخورة باسترجاع هدوئي ورزانتي ، حتى لا أفقد احترام زوجي لي . 
سأبدأ الآن وآنا في كامل قوايا العقلية .. لا عليك عععععععععع زززززززز ي ي ي ي هههههههههه هاهاهاهةهاهاهاهاهاهاهاوانا مغمضة العينين!!!!!!! فتحتهما للحظة ونظرت الى زوجي لأرى ردة فعله وأحاول اجابته للمرة الثانية ، فلم أجد مكانه غير الباب والحائط !!!
ازداد ضحكي لما رأيت المشهد ، وكأنني طفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها .. وانا على تلك الحال نفذت تعبئتي وانقطع الخط ..رميت الهاتف فوق السرير وارتميت بجانبه ، وأنا ههههههههه ههههههههه هاهاهاهاهاهاها رغم خجلي من زوجي وأولادي ، بسبب الصورة التي رؤوني فيها منذ قليل، كنت على علم أن ضحكي وقهقهتي هذه لن تذهب هباء، وإنما فيها دواء للتوتر .. والإكتئاب وتعديل المزاج .. خصوصا أنه ضحك من الأعماق .. ضحك مستثني .. مختلف ..ليس كغيره من الضحك .. بعد توقفي وخروجي من الحالة الهستيرية ، اتجهت الى أسرتي الصغيرة، أحاول الإعتذار على ما صدر مني فقلت: وأنا مبتسمة لعلني أغطي على حالتي الجنونية التي كنت عليها قبل دقائق ، ..عذرا على الضجة التي أحدثتها ضحكاتي وصرخاتي ، إنها .. قبل أن أكمل الكلمة نطق زوجي وقال: لا عليك .. لا داعي للإعتذار ..لقد عرفنا من المتكلم وفهمنا الموضوع جيدا ، قلت : كيف عرفتم وأنا لم أتمكن من الإجابة بسبب الضحك المستمر ؟ 
فقال : لا يا عزيزتي الأمر واضح .. ولا يحتاج للجواب ، يحصل هذا الشيء الغريب ( عندما تلعب صداقة الطفولة دورها ) الله لا يحرمنا من أصدقاء الطفولة .. ماكاد ينهي كلامه ..حتى رن هاتفه ، فتح الخط وكانت أول تحيته .. هههههه ، نهض من مكانه وذهب متجها نحو غرفة نومه ..من صوته المرتفع كان الجزء الكبير من المكالمة يتضمن حرف واحد ..هههههه ها ها ها .. سألني أحد أبنائي ،لماذا يضحك أبي كثيرا يا أمي ؟ فقلت وأنا مبتسمة .. انها صداقة الطفولة تلعب دورها يا ولدي .
فتيحة المسعودي 
طنجة المغرب ٢٨٢٠٧٩ ⭐

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق