مجلة ضفاف القلوب الثقافية

السبت، 9 مارس 2024

سفينة الحياة بقلم نورالدين محمد نورالدين

سفينة الحياة

هي سفينة عظيمة يمتطيها كل البشر تجوب
 كل البحار، وكل شخص فيها يحمل معه حقيبته الخاصة. السفينة تبحر في كل البحار، وفي كل سفرة تعترضها رياح عاتية، فتجرفها إلى أعماق البحر بأمواجه الثائرة. فأحيانا نغرق وأحيانا ننجو، ويجرفنا تياره إلى شاطئ الأمان إن الغرق والنجاة، ثنائية لفعل زمن الماضي والحاضر، وهما في صراع بين شد وجذب. فالماضي يحمل معه ذكرياتنا بحلوها ومرها، والحاضر يجذبنا إليه بزهوه وألمه. هكذا هي الذكريات غارقة في فعل الماضي الجميل والحزين. فتظل أمور حياتنا سابحة في فلك الزمنين، بما هو حاضر جميل ولكنّه تعيس وماهو ماض جميل ولكنه أفل أفول الموتى. ونحن في هذه السفينة نتوق إلى عالم منشود من وراء بحار هذه الذكريات فتحضر فينا أطياف الماضي عند كل ميناء. ويفتح كل منا حقيبته فتطل أشواقنا التائهة وحنيننا إلى سراديب الماضي، ويأخذنا الحنين إلى تصفح الدفاتر المبعثرة في الذاكرة. وبين حلو ومرّ نجد الحاضر يجذبنا إليه من جديد بواقعه المرير. وهو زمن التطور والسرعة الذي يقطف من أعمارنا الكثير بفعل دوامة الزمن. فتارة تحلو الحياة فيه وتارة أخرى تقسو. وبين حالات الفرح وحالات الحزن نعيش نحن البشر وكأننا ومضات تمر مع نبضات عقارب الزمن.
إنّ ثنائية فعل الماضي المغرق في طوفان الذكريات والحاضر المتسارع تسارع عقارب الساعة، والذي يركض بأعمارنا شبيهة حياتنا فيه بسفينة نوح عليه السلام. فتموج أحاسيسنا بفيضها الدافق وحنينها لذلك الزمن السعيد. فنغرق في ذكريات الماضي المرتسم أمام أعيننا الباطنة، وهروبا من حاضرنا نبحث عن بساطة الأشياء وجمالها بعيدا عن تفاصيله المعقدة. إننا إزاء طوفان أثر الزمن الفاعل في نفوسنا ونحن في محل المفعول به في حدث الزمن. وحقائبنا ذكريات مختلطة تتموج وتتحرك في بحر الذاكرة وساحة الوجدان الحالم والخاضع لسلطة الذاكرة. فالماضي يحضر فينا رغما عنا رغم أفوله، والحاضر يتجلى في أثره فينا بمرارته رغم أشيائه الجميلة التي سرعان ما تتبخر بسبب تغير الواقع ومتطلباته. وكلا الزمنين متلازمان لا يتجزآن بل يكملان بعضهما البعض لأنهما يرتبطان كأشد ما يكون بحياتنا وحالاتنا النفسية.هكذا نشقّ دوامة الزمن، فنفتش حقائبنا ونحاول استعادة الماضي، عسى أنفسنا تتلذذ بأشياء فقدناها منذ أمد لأننا صرنا مرهقين بارهاصات الزمن
.....
نورالدين محمد نورالدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق