المجلس السابع عشر
إدارة : د/علوى القاضى.
... قبيل الدرس ساد الهرج والمرج ودخل أناس بيدهم المباخر ، والرايات والبيارق ، والبازات يمهدون الطريق لشيخهم الذى دخل بعدهم بلحيته الكثة الطويلة وكان معمما ومجببا وعلى رأسه عمامه خضراء تشبه العدبة وبيده مسبحة ألفيه معلقة فى رقبته وأطلق صيحة (حيى ى ى) هزت أرجاء المجلس وتسابق معظم الجالسين على تقبيل يده ورأسه وقدمه ومنهم من مسح وجهه بجبته ومنهم من قدم إبنه للشيخ لقراءة الفاتحة على رأسه للفوز ببركته ثم جلس الجميع وهدأت الدنيا
... وبعد حمد الله ، والثناء عليه بإسماءه (الواحد الأحد المقصود المتكبر) وبعد الصلاة على نبيه (ص) ، والدعاء بالتوفيق وتوحيد القصد لله بدأت الدرس
... أيها الأحباب إعلموا أن الدين ليس حرفة ولايصلح لأن يكون حرفة ولاتوجد في الإسلام وظيفة إسمها رجل دين ، فمجموعة الشعائر والمناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من المشاعر وتفقد روحانياتها ، فلا تكون من الدين في شيء
... وليس عندنا زي إسمه زي إسلامي ، إلبس ماتحب ولكن بالشروط المطلوبه ، والجبة والعمرة والجلباب والسروال واللحية أعراف وعادات ، يشترك فيها المسلم والبوذي والمجوسي والدرزي وحتى الهنود لحاهم أطول لحى
... وأن يكون إسمك محمدا أوعلي أوعثمان ، لايكفي لأن تكون مسلما ، وديانتك على البطاقة أوشهادة الميلاد هي الأخرى مجرد كلمة
... والسبحة طالت (الف حبة) أم قصرت (ثلاثة وثلاثين) ، وسمت الدراويش (الجبة والعمامة) وتهليلة المشايخ (حيى ى ى) أحيانا يباشرها الممثلون فى الأفلام والتمثيليات بإجادة أكثر من أصحابها ، والرايات ، والبيارق ، واللافتات ، والمباخر ، والجماعات الدينية ، أحيانا يختفي وراءها الإستغلال والتجارة ، والتآمر والإرهاب والمكر السياسي والفتن والثورات ، التي لاتمت إلى الدين بصله
... إذن ماهو الدين وكيف يكون التدين ؟! ، الإجابه ببساطه :
... الدين حالة قلبية ، وشعور ، وإحساس باطني بالغيب ، وإدراك بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة تدبر كل شيء ، وإنك حر مسئول لم تولد عبثا ، ولاتحيا سدى ، وأن موتك ليس نهايتك ، وهذا الإحساس يورث الرهبة والتقوى والورع فى قلبك وفى نفسك
... و(الأمانة) هى الإحساس بالمسئولية ، والشعور بالحكمة والجمال والنظام والجدية في كل شيء ، هذه هى حقيقة الدين ، ثم تأتي العبادات والطاعات بعد ذلك كشواهد على هذه الحالة القلبية
... وينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم (ملك الملوك) ، وبأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله و آياته ووحدانيته ، ويأتي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليعطي المثال والقدوة
... ولكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة وجوهر الأحكام والشرائع
... ولقد أعطى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام القدوة والمثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي والمجتمع الإسلامي أيا كان المجتمع الذي يعيشون فيه ، وعلى المؤمن أن يدعو إلى الإيمان ، ولايضره ألا يستمع أحد ، ولايضره أن يكفر من حوله ، فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام وفي أي بيئة ، لأن الإيمان حالة قلبية ، والدين شعور وليس مظاهر ، والمبصر يستطيع أن يباشر الإبصار ولوكان كل الموجودين عميانا فالإبصار ملكة لاتتأثر بعمى الموجودين
... أحبابى يجب أن نعى أن الأساس في مسألة الدين والتدين هي الحالة القلبية والحب الغالب على المشاعر ، تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه ، وهي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، ولهذا قال الله تعالى فى قرآنه ، (ولذكر الله أكبر) ، أي أن الذكر أكبر من الصلاة ، برغم أهمية وفرضية الصلاة
... ولذلك قال النبي (ص) لصحابته عن أبي بكر (إنه لايفضلكم بصوم أوبصلاة ولكن بشيء وقر في قلبه)
... إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب ، وإنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب ، وكثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية وتقربك إلي الله ، وهي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسد على الأرض ، سجودا ، وركوعا وخشوعا وابتهالا ، وفناء ، يقول رب العالمين لنبيه (أسجد واقترب)
... وبسجود القلب قبل الجسد يتجسد المعنى الباطني العميق للدين وتنعقد الصلة بأوثق ماتكون بين العبد وربه ، وهذا الفهم للمشيئة لايرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه إمتدادا لهذه الحرية فقد أصبح يختار بربه ، ويريد بربه ، ويخطط بربه ، وينفذ بربه فالله هو الوكيل في كل أعماله ، بل هو يمشي به ، ويتنفس به ، ويسمع به ، ويبصر به ، ويحيا به (ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)
... هذا هو الدين ، وهو أكبر بكثير من أن يكون حرفة ، أووظيفة ، مايسمى برجل دين ، أو شخص متدين ، أوبطاقة ، أوشهادة ميلاد ، أومؤسسة ، أو زيا رسميا
... والحب هو رأس القضيه وإذا غاب فإن كل العبادات والطاعات لن تصنع دينا ولن تصنع متدينا
... وماكانوا إرهابي اليوم الذين يفجرون البشر مسلمين ، ولوصلوا جميعا ، ولوصاموا الدهر كله ، ولوأطالوا اللحي وقصروا الثياب ، مابلغوا من الدين شيئا ، كل الدعاة الذين يغرقون أبناءهم في التفاصيل ، والقصور والمظاهر ويبعدون بهم عن روح الدين سواء كانوا مأمورين أوبرغبتهم يبعدون الناس عن روح الدين في الحب والرحمة والتقويم وجوهر الأخلاق ، هم كذبه بقدر بعدهم عنها
... التدين اليوم خرج من روحه بسبب إنحراف أكثر الدعاة ، وإهتمامهم بالقشور والتفاصيل الأخلاقيه ، مما أدى بالمسلمين في الإختلاف والجدل والتعصب وظهور الإرهاب بشتي صوره ، ولمحاربة الإرهاب يجب العوده إلي روح الإسلام إلي الحب والرحمة والموده وسعة الصدر مع الخصوم ، وقراءة القرآن بالقلب وليس بالعين يجب أن نخطط لنبني ، وليس لنهدم فلم يحمل الإسلام سيفا إلا للدفاع عن مظلوم ، ولم يعرف العنف إلا للإصلاح
... هذه يجب أن تكون مقاييس للداعيه ليعرف مع من يقف هل مع الدين أم مع الإرهاب
... يقول الدكتور الصلابى المفكر الاسلامى عن وصف المسلم الحق والمسلم المتشدد : (المسلم الحق) مشغول بإيمانه والمتشدد مشغول بإيمان غيره ، (المسلم الحق) يسعي لدخول الجنه هو وغيره والمتشدد يسعي لإثبات أن غيره سيدخل النار ، (المسلم الحق) يبحث للآخرين عن الأعذار ليغفر لهم الأخطاء والزلات والمتشدد يفتش عن أخطاء الآخرين وهفواتهم لمعاقبتهم والتكلم عنهم
... اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا إجتنابه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق