مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأحد، 10 مارس 2024

هذه لغتي بقلم مصطفى محمد كبار

هذه لغتي

هذه لغتي و لون
قافيتي 
هذه ليلتي مبعثرةٍ بسكرة
الكأس المعتق
و الحزن هو عشرتي في الأبدية
البعيدة
يشدني الضياع في المدى
وحيداً كلما داهمني
الحزن
و الريح أجنحتي بظل الخيال
يحملني في الهزيمة
ثوبي 
ممزق أطرافه و قديمٌ
جدآ 
فأشعر بالبرودة أحياناً و أحسُ
بالرطوبة بالجسد المهلك
أحتاج إلى رقصة المطر 
بوقت البكاء 
كي أغسل غبار النسيان و
أعود للإنتماء
فكلما صرتُ بحلمي المكسور
للبعيد توجعت أكثر
و أحياناً أخرى لا أجد ما يغطي 
جسدي من شدة الحرمان
و التشرد 
فهنا الشارع للغرباء العابرين
مزدحمٌ بالهاربين من
الوقت
و هذا البيت هنا ليس لي
إنه للغرباء القدمى
و الجدار كئيبٌ لمسه بنقش
الذكريات 
و هذا الهواء مرٌ يجرح صدري
كأنه حجرٌ بارد
فكيف سأحيا و كل شيءٍ في
المنفى قاتلٌ و ساقط
لا حب هنا 
كي يشرقني و ينبت فوق صدري 
زهرة الياسمين 
و لا هنا لي أهلٌ و لا صحبةٌ 
و لا أوقاتٍ تجمعنا بصورةٍ 
واحدة في المساء 
لكني أحاول أن أرشفُ الشغب 
من ذاكرتي 
كي أنجو بنجمة المساء و 
أحفظ 
نشيدها في اللقاء
فلن نلتقي ثانيةً بمن بعدوا
و ناموا بظلم الرحيل
فأنا مازلت أحتمي بالقصيدة 
حزيناً بوحدةٍ مقيدة بالألم
المنشود
في الصباح أصنع لنفسي 
قهوتي 
و أقرأُ جريدتي كي أدري
بموعد الإغتيال
ثم ألبس قميصي الأسود و بنطالي
الكحلي 
و حذائي البني المجعد و أُعطرُ
جسدي برائحة الياسمين 
كي تلتقي الفراشات في الندى
مع أزهار الربيع 
فأخرج من البيت لا سعيداً و لا
حزيناً 
فكل الأشياء لا تعني لي 
شيئاً
تركتُ ما تركتْ و خسرتُ
ما خسرتْ
فقط أنا أخرج لأقتل العادة
فيا
و أرتبُ للهزيمة هذا الهواء
المر 
حتى إذا مرا الهدوء بقربي
نام الغضب قليلاً 
و أنا كما الآخرين أمشي بحلمٍ
محطمٍ تماماً 
يفيضُ بالفشل الذريع و بالهزيمة 
الكبرى 
فهناك مثلي الكثيرين قد فقدوا 
الأمل بالنجاة
ليسكنوا أحلامهم القديمة و 
يزرعون للصباح وردة تشعُ
بعطرها
أو يدركوا بألوان الفراشات 
التي ماتت بالجفاف قبل
الولادة المسيئة
فهل الحياة توحي بإننا
بخير
و خلف كل هذه السنين 
ماذا انتظرنا بعد هذا التاريخ
بالعمر الكافر  
و هل كنا نحن نبشرُ لأنفسنا 
بكل هذا الوجع
و كأن الأيام أصبحت هي محرقتنا
الوحيدة  
و نحن فيها الرماد الذي يتلاشى 
أمام غضب الريح 
فنحن مازل ينقصنا الكثير الكثير
كي نشبه 
من بقي من الأحياء المنهزمين
فكل الشياطين ترجمنا و السماء
تقف دائماً على الحياد 
و قد خيبتنا كل الآلهة عند 
أبوابها 
و نحن منكسرين
و كل ما كنا نؤمن به بأوقات
الأوجاع كان هراءً
فنحن دائماً نحمل خيبة 
الأخرين
و الأخرين هم لوحدهم يحملون
ذنوبنا 
فيا ليتنا كنا حجراً 
حتى 
لا نشعر بهذا الألم الكبير
من وجع الحياة 
قل لي كم مرةٍ انكسرتْ 
في الحياة 
أقول لكَ ما هو أسمكَ و
من تكون 
فإذاً أنا المهدور المعظم
بين المدى و الريح 
لا شيء يسقطني غير
أسمي ......
تمضي كل المحن بداخلي
مهزومةً  
فعلى طرفي هناك نزاعات
الأيام و الآلهة 
التي تهلك الروح بقدسية
القيامة 
و فوق صدري يبيتُ كل 
أزمنة الضجر
كأن جسدي ملكُ الصرعات
وحدها
فالأقدارُ ترودُ كلابها لتأكل
لحمي و تشرب من
دمي
فكيف يجوز لصغارِ الكلاب 
أن تأكلَ لحم الشهيدِ
و الشهيدُ مكرمٌ عند الله 
فوق عرش المقام
أنا الشهيدُ من عبث الحياة 
و لا جنازةٍ لتحملني للمقبرة
و أُدفن حياً
فكل البشر حاقدون و الكل
قاتلون 
ما لنا و هذه الحياة لا
نلتقي
فكلما اقتربنا نحوها لنبوس
خذائها ..... بعدتْ عنا
و تركتنا عند أبواب الأحلام
خاسرين 
نلمُ بخيبتنا ضوء الشمس
المتبقي من بين الظلمات 
لكي نمضي ليومنا الأخير
و نحن نصبر طريق
الرحيل 
فالموت كان سيأتي الينا 
قاتلاً
لكنه قد أجلَ موعده إلى 
وقتٍ آخر
من سيمكل هذا العبور الطويل
فوق جسدي
من سيحمل أسمي بموكب
الوداع و يبكي
هل بقي هنا من أحد .؟
لا لا فلا أحد
لا أحد ....  
قد رحلوا بذمة الكافرين 
و تركوني لوحدي 
كي أبكي لوحدي 
و أحزن لوحدي
و أموت من وحدي إلى
وحدي
فألف وحدةٍ كانت بوحدي 
هناك 
و هنا أنا لوحدي أحمل صورة
المقتول و أمشي بدون
روح
ففكرتُ لمن سأخاطب بقصيدتي
هذه الطويلة 
هل أخاطبُ الجدار عن
وجعي 
أم أحكي للضحية عن شكل
قاتلها  
فقلت محدثاً ل محمود درويش
ماذا كتبت عن الحياة قبل 
موتك يا محمود 
قال :
كتبت لا شيء يعجبني 
و عاتبت كل الخذلان بين
جدران المنفى
و أخذني الوحي لأماكن
بعيدة
قلت ماذا بعد .؟
قال ........
و نحن نحب الحياة 
إذا
ما استطعنا إليها 
سبيلا
تنهدَ بعمق ثم قال  
و أنت يا أيها الشاكي بواحة 
السراب 
ماذا كتبت على طريق موتك
قبل أن تحيا
قلت ......... كتبتُ كلَ ما
يؤلمني 
أمضيتُ خمسينَ عاماً
أصنعُ بقطار العمر بتعبي
و عندما إنتهيت  
نسيت أن أبني لها محطة 
لكي أستريح من 
سفري
قال و بعد ؟
قلتُ .......
صليتُ على الجنازة مع
المصلين
و عند الدفن نسيتُ أن أموت
من وجعي
و قلتُ كلاماً كالفلاسفةِ
في الأثير
و أشبعتُ كلَ تفاصيل القصيدة
من عذاب العمر
فما بين الحياة و الموت
هناك رقصة
قال ما هو ........ .؟
قلت إنه وجع الحياة
قال 
هكذا هي
أبهذا الوجع تكتب القصيدة
قلت نعم هكذا 
هناك أكثر و أكثر
من الإنكسار
فصار يبكي بدمعه
بكى دوريش على وجعي  
كان دمعه يشبه الحجر
أو أثقلَ منه بكثير
قلتُ له لماذا تبكي يا
محمود
قال لأني تذكرتُ وجعي
بالوحي العتيق
و إطمئنتُ على القصيدة  
من بعد رحيلي 
فلكَ كل قافيتي يا أيها 
الكردي المتألم 
ثم أغلق نافذته و نام 
بين ضباب الذكرى 
و تركني أجهشُ بأثرهِ حتى
الرمق الأخير 
قلت في نفسي قد تقاسمنا
وجع الحكايا و أغرقنا
سيلَ الهموم 
لكن لم نتواعد لموعدٍ 
آخر
فهناك على منحدرات الأماني
خيبة السنين 
نسير على طريق الهاربين
منذ الأزلية الشائبة
و لم نرغب بترك ذكرياتنا
ورائنا 
لكن آلهة أخرى مغايرة 
أعادت 
بترتيب ما يقتلنا وجعاً 
منذ متى و نحن نموت 
بوحي الذاكرةِ
أو ربما متنا هناك بلا توابيت
و نسينا تاريخ الدفن
أو تأجل موعد التراب 
معنا
لبعض الوقت 
حملنا أجسادنا المتهالكة 
مجبرين على الرحيل 
و رحنا نعبر وجع الحكايات
دون نجاة
فأحلامنا الصغرى هي حجارة 
الطرق البعيدة
سفرٌ على طريقةُ
الموت 
أرواح الغد 
 لا تسكننا لكي نحلم 
بالحياة
على باب النسيان تهنا
بعناوين الأمس
و نسينا أن نكتب على نهد 
إمرأة مقتولة 
وصية العمر الخاسر 
للراحلين القدماء 
هل أخذنا من الوقت ما يكفي 
لنموت أكثر 
كانت لنا قصصٌ كثيرة
نرددها هناك
تباعدت السماء بضباب
خيبتها
و راحت تشتكي للحجارة
لتنجو من خوفنا
كنا بالأمس نسقي مقابر
أمواتنا بالماء
و نقرأ الفاتحة بشهية
لتستكن الأحزان
بداخلنا
عاريةٍ هي أحلامنا
و كافرة 
و الريح مازال يحمل عنا 
هموم الزمان
و يمضي نحو البعيد 
دون أفقٍ ظاهر
و المكان لم يعد مثل 
أي مكان
شاخت من أمامنا كل الأيام 
من القهر
أصبحنا غرباء عن أرواحنا
المتعبة 
تغير لون العناق و كل
الأشياء 
تلاشت بباب القصيدة
قلتُ للحب . ؟
خذ من وجعي كذبتكَ 
الكبرى
و ارحل إلى حيث ينتهي
العاطفة و الشوق
 فهنا أردنا أن نحيا معك 
و لو سراً .
لكنهم خيبوا ظننا بتلهفنا
عليهم و طعنوا 
كل الأجزاء من العمر 
الطويل 
و حطموا أجنحتنا كي لا
نطير مع الفراشة و نحلم
بلقاء الزهرة 
يا حب نحن أصحابك 
القدامى 
فلم نعد نملكُ منك سوى
أسمك الجميل
و نسينا كلَ صفاتك يوما
انكسرنا بمراياك
تفرقنا نحن و السعادة
و تخاصمنا قهراً 
نسكن وجه الخيال دوماً 
برغبتنا
كي لا نموت بالحقيقة
منكسرين
كم نحن متعبين بوجع
الحياة
فلم يعد بأجسادنا أرواحٌ
حية  
كي نحيا بها واثقين 
بطلوع 
الفجر البعيد 
تعاستنا هي مكيدتنا 
الوحيدة
فنعود من الغياب إلى 
الغياب
تائهون  
ضائعون
نائمون بسرير الأوجاع
بلا شفاء 
عابثون بين الحقيقة و 
الخيال
فعلى طريق الخوف 
نبكي
كي ننسى ما يؤلمنا
جاؤوا متنكرين بعبادة
الآلهة
سرقوا من صدرنا كلَ
الهواء
و كذبوا على الله حينما
استراحوا هناك
و رتبوا لنا قبوراً من
الريح 
قالوا نحن أبناء الغراب
العابرون
أكلوا من لحمنا و شربوا
من دمِنا حتى ثملوا
ثم سجدوا للشيطان بأكفاننا
واقفين
كنا نرسمُ لحظاتنا هناك بضحكة
الصباح 
و كنا نتأمل شكل القمر 
بليلنا الهادئ
ماذا كان سيحدث لو أن
الأقدار  
رحمتنا قبل ساعة الإعدام  
بقليل
كان ينقصنا بعض الحظ 
من البحر
كنا نحتاج جناحين من
ريح
كي نشق سحاب المرايا
مسافرين نحو البعيد 
كنا قد ملكنا من السماء  
غيمها الخفيف
و رتبنا أحلامنا البريئة 
قبل الهزيمة 
كانت صافية تلك الأيام
لا تمسها الغبار
كان كلُ شيء واضحٌ  
و جميل
تهنا حائرين على دروب
الغربة
و تبعثرت بنا كلُ الخطوات
شتاتً
سنكتب فوق الحجر دمعنا
الأبدي
و سنعلق الصليب المقدس 
بين قتيلين
ماتَ حينما اشتدَ الغياب
بوجعهما
فقصدوا الموت المبكر و
تجمدوا حالمين
كي يرتاحوا من العبث
البغيض
و ناموا على أبواب الجنة
ينتظرون الخلاص
قد مللنا من أنفسنا و فقدنا
كل الرغبات
و مازلنا نفتقد لفسحة صغيرة
نافذة
حتى نتنفس برائحة
الحياة 
فأين نافذتي و فرحتي
و أين طفولتي و الذين كانوا
يعانقون وجهي 
فأين أنتِ يا أيتها الحياة
و لما 
كلما اقتربنا منكِ تبتعدين
لألف ميل
قولي ماذا كان ينقصني  
كي 
نشعر بأننا مازلنا من 
الأحياء
قولي ما هو السر الخافي
بيننا 
و أي جدارٍ يفصلنا
لما نراكِ كالشمس تحرقيننا
من البعيد 
و ترحلين من حلمنا
القديم
كيف سنحترم القيامة
و نحن لسنا بمبشرين بقدوم
المسيح للعدالة
قد خذلتنا يا أيها العمر
المقهور 
حين أورثتنا من سنينك َ كل 
ما هو مر
و أوجعتنا بظهورنا الثقيلة
بكسرها
حتى يوم القيامة سنحمل
ندم هذا العمر 
فآهٍ على الذي كان أشبه
و أوجع من الموت
ذبلنا و ترهلت مواقدنا
و جلسنا كالحجر
محبطين
لم يعد هناك ما يشبهنا
بألم السقوط
فأصبحنا فارغين لم نعد
نحمل سوى خيبتنا
الصادقة 
قد عرفنا جيداً كيف  
نموت مسرعين 
و عرفنا طريقهُ الحافي
لكننا 
نجهلُ العودة من الموت
لنحيا قليلاً
كي نحترم القيامة بذات
يوم 
و لم نعد نملك رغبة العمر
المنهار 
بأثر الطعن الكبير 
لقد أصبحنا يا محمود مثل
الحجارة 
لا مكان للأحلام بداخلنا
لكي تعيش 
فراغٌ و فراغٌ و ثم فراغٌ
كبير فينا
كالصحراء أجسادنا صارت
يبعثرها الريح كيفما 
يشاء
فكتبت القصيدة من ضجر
الحياة 
و نحن بلا روح
بلا حياة 
فأليس من حقنا أن نحيا
قبل الموت قليلاً  
و لو مصادفةً على طريق
الجحيم 
فأن حسرتنا تختصر كل
دروب الممات 
و تشرق بقتلنا إلى القيامة 
لنعانق المسيح و نحن
فرحين ..... 
أنا كما الآخرين 
كنتُ أحلم أن أطير مع
الريح لأحيا
لكنهم قد أحرقوا الروح 
و حطموا أجنحتي و كسره
بوجع الغياب
فنسيتُ أن أحيا من شدة
الهزيمة ........  

مصطفى محمد كبار
درويش عفرين 
حلب سوريا ٢٠٢٤/٣/٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق