مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأربعاء، 24 أبريل 2024

خيبة مهاجر بقلم مصطفى محمد كبار

خيبة مهاجر

رجعت إلى البيت متعبٌ
من التشتت
وضعت حقيبة السفر
على الأرض
ثم طرقت الباب ببطئ
طاق طاق طاق
لكن الباب لم يفتح 
و لم أسمع صدى أحد
من الداخل
فأخرجت من جيبي المفتاح
القديم 
فتحت الباب و دخلت
بشغف الحنين 
أضئت نور الكهرباء و رفعت
الستائر عن وجه النوافذ
كي أرى وجه السماء تشع
نوراً و بهجةً
نظرت حولي بنظرة المهزوم
فوجدت
كل شيء فوضويٌ و مبعثر
بالمكان
مطبخي و ثيابي القديمة و معطفي
و مكتبتي الصغيرة و كتبي
و صور الذكريات قبل سفري
يغطيها غبار السنين 
و على طاولتي مازالت أوراق
أشعاري ترتجف من
الوحدة
تحرس الخيبة بحدود القصيدة 
و تلملم الإنكسار
تقدمت نحو غرفة النوم 
رأيت ظلي نائماً بحلم الأمس
البعيد 
كأنه حجرٌ يجاهدُ بسوادهُ 
كي يبقَ ينظرني لأعود إليه
و أحضنه بشوق
فأين أنا و حكايتي الصغرى 
حدقت بكل شيء هنا
فلم أجد نفسي 
كأني نسيت ذاتي في مكانٍ 
ما و لا أتذكر المكان
و لا بأي زمانٍ أنا تهت غريبا
جذوري
فإندمجت الكأبة مع اليأس 
بالذاكرة المتهالكة 
و أدركت بالضياع و طعم
الحرمان 
فصرخت ..... ؟
إنهض من سريري يا أيها الظل
المريض
لقد كسرتني بعداً و أشعلتني ناراً 
و فراقاً عد إليَ 
فأريد أن أكون حراً في النسيان 
و أجدَ ذاتي التائه
فقال بغضبٍ شديد و هو معصم
العينين كفى كفى
فأنتَ لم تعد من سفرك لتقتلني
و لن تعود 
و أنا لن أعود لذات الجرح
لأسكنك
فمن عاد من المنفى هو أنايا
المفقود
فكفى سرابا توقظني من حلمي
لتحيا عني ثانيةً 
فهناك أشياء لم تعد تتسع 
بها خيبتنا 
فأما أن نكون متحدين بالهزيمة 
و منسجمين أو لا نكون
فدع الملام جانباً و فكر بنفسك
كم مرةً متنا معاً
وقفت لبعض الوقت و فكرت 
و الصدمة تشهق بي
ثم نظرت إلى المرأة فلم أرى
أحداً
حينها أدركت بأني الغائب
الوحيد هنا 
فحملت حقيبتي بالدمع الساقط
و خرجت من نفس الباب الذي
فارقني 
و أنا أبكي مجدداً على ما
خسرت
و قلت في نفسي كيف إذاً
رجعت و لم أرجع
فلم أستطع أن أعود إلى المحطة
لأرجع لغربتي
و لا رجعت لدياري 
فبين هنا وهناك ضعت بعناويني
و قسمتي الأبدية في
التشرد
كانوا الأشباح يلعبون بجثة
مقتولة هناك
كان الوقت عصراً و النهار كان
يمضى نحو المساء ليموت
الصمت كان يحمل المكان
للفراغ
فأسرعت أمشي نحو القصيدة 
لأصل إلى معجزة النسيان 
قبل أن يحل المساء
و انسى تاريخ وجعي و أستكن
بهذا بحزن الغياب
فلا أريد أن يأتي المساء 
و انا لم أكمل كتابة قصيدتي
المجهولة الحزينة
فأخاف من الموت أن يسبقني
إليها 
فأموت بلا معنى على بابها وحيداً  
بالضجر الكئيب
دون ذكرى و لا أثر بغياب
الراحين
فإكتب يا أيها البعيد القوي القوي
عن حكاياتنا
إكتب ما كان و ما سيكون 
عن ضحاياك
و أسعد نفسك بوجعنا الكبير 
كن كبيراً بقتلنا 
فأنت يا أيها الإله البعيد من 
خيبتنا معنى الوجود
و نحن المنكسرين المحبطين 
القريبين منك قد حفظنا العهود
و الوعد القديم بسيرة
القدماء 
دعنا نحمل سقوطنا و نبكي 
في الغياب
فإشنقنا مع الأخرين و مثل
الأخرين بحجر الموت
إقتلنا كما يشتهي ذاك القاتل
القريب
فلم يبقَ عندنا شيئاً لكي 
نبكي عليه و لا نجاة
لنا
فكل شيء قد مضى مع العمر
مقتولاً بلعنة الصفهاء
فلا ترحمنا يا أيها الرب قرابين 
الزمان المر
فعبثٌ هو انتظارك كي تقتلنا 
بغربتنا مرةً أخرى
قم بإختيارك لموتاك القديمين
لتعيد ذات الوجع
فنحن أبناء الشمس فأحرقنا
كم تريد 
فالزيتون قد ضاع مكسوراً و
مسروقاً 
و مقبرة موتانا الوحيدة لم تعد 
لنا
فالكلب صار يحرسها من دعائنا
و صلواتنا و من بكائنا
فالزمان زمنك و السلاح هو سلاحك
إقتل كما تريد لكن
فقط دع لنا بعض الوقت القليل
القليل
كي نرتب أثواب الكفن المقدس 
و نبكي على أمواتنا و نحن
بعدين عنهم
إتركنا أن نقرأ بدموعنا
بعضاً من آيات القصيدة التي
تكسرنا بكفر البقاء 
فلا يكفي أن نحمل بأشكالنا شكل 
البشر و نفتقد العيش
لنقول ها نحن هنا عاثرون من
وجع الحياة 
و لا نحمل حياة الإنسان الحي 
مثل البشر الأخرين
لنقول ها نحن هنا عائدون
لحياتنا لنحيا
فشكراً لك يا الله على عطاياك
على كرمك بوجعنا
و شكراً لأولئك الكلاب المتكالبة
بأرضنا تجول بكفرها
التي هجرتنا لبلاد القهر و 
الذل
فقد ضاع منا وقت العبادة و السجود 
للخالق البعيد المتفرج
و لم يعد لنا متسعٌ من الوقت
كي نصرخ ببكائنا يا الله 
يا أيها الرب الرحيم و لنقول
كم أنتَ كريم فإلى متى .؟
هذا السؤال الذي يقتلنا في
الحجيم
فكلما أشرقت الشمس بضوئها
طلع الطغاة و قتلوها برصاصة
الغدر
فالطفاة هم يخافون من نورنا و 
يسقطون بنشيدنا
يريدون من الحياة أن تكون
مظلمة مثل فكرهم
و نحن نريد رقصة الحمام مع
الشمس 
و العمر ضاع قد بين حلمين 
مختلفين
بين القاتل السفاح و بين
الضحية البريئة
و القصيدة من وجع حكايتين
غير مكتملان التوصيف
لذت بالفرار من الموت 
المؤجل ........ 

مصطفى محمد كبار 
درويش عفرين ٢٠٢٤/٤/٢٤
حلب سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق