مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأربعاء، 10 يوليو 2024

الحلم الأخير بقلم: ماهر اللطيف

الحلم الأخير 
بقلم: ماهر اللطيف 

رأيتني ليلة الأمس أمرح وألعب،أغني وأمزح، ألهو وأداعب الصغار وحتى الكبار ممن اعترضوني حينها مرة، وأصلي وأسبح وأذكر الله كثيرا وأدعوه باستمرار وأحوقل وأتلو ما تيسر من القرآن مرة أخرى، وأعيش مشاهد غريبة وغير مفهومة البتة وأتعامل مع بشر لا أعرفهم ولا يعرفونني مرة ثالثة - وهي أضغاث أحلام -، وأتوجع وأصيح ويصيبني الوهن والتعب والإعياء مرة رابعة....

وفجأة، أظلمت الدنيا واسودت إلى حد القتامة، انقطع النور وأقفر المكان وبات خاليا من كل حركة وقول وعمل، هدأ "المسرح" وسكن مع سكون هذا المشهد المخيف، فالتفت يمنة ويسرة و إلى الخلف والأمام قبل أن أصيح " ألا يوجد أحد هنا؟" ، فلم يجبني أي صوت ولم يعرني أحدهم أية أهمية...

ومنها، سمعت صياحا وعويلا وقرآنا يتلى وضجيجا وحركة كبيرة وكثيرة لا تنقطع من مكان معين لم أره ولم أحدده وأكشف عن هوية أبطاله بعد، بما أني في هذا الظلام المقيت ولا أحد يجيبني ويشفي غليلي ويرشدني ويعلمني عما يحدث في هذا الوقت....

وبعد مدّة زمنية قصيرة، هدأت الأصوات ما عدا صوت القرآن الذي بدأ يفتر رويدا رويدا ويبتعد مع ابتعاد أصوات نعال البشر التي أحسستها فوق رأسي في هذه الظلمة الحالكة، فشعرت بضيق المكان وتلاصق أضلعي تلاصقا مثيرا للغاية وتمزق جسدي وتحرك كل أجزائه وتلعثم لساني وشيح ريقي ووحدة موحشة زادها هذا السكون إثارة على إثارة وتوجسا وخيفة على توجس وخيفة...

ثم ، لم أتذكر ما الذي حدث بعدها غير أني سئلت أسئلة لم أتعرض لها سلفا ولم أمتحن فيها رغم إجرائي لعدة امتحانات واختبارات، وأعتقد أني وفقت في الإجابة أو هكذا خيل لي ....

بعدها، سمعت أصواتا مرحبة بي وسائلة عن أهلها وذويها، أصحابها ومعارفها، ثرواتها و منازلها وممتلكاتها ، وغيرها من الأسئلة التي أجبت عما أعرف منها دون إضافة أو نقصان، لكن الغريب في الأمر هنا أن السائلين جميعهم أعرفهم منذ الصغر وفي جميع مراحل حياتي ، لكنهم اندثروا وغابوا عني بعد مماتهم....

وفي لحظة مشهودة، استفقت مذعورا من هذا الحلم، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم وبسملت وذكرت الله كثيرا بصوت عال إلى أن ذعرت زوجتي ومسكتني من يدي بكل لين ورفق وهي تبسمل وتقول بصوتها الشجي:

- ما بك؟ اذكر الله حبيبي (والعرق يتصبب مني وهي تحاول مسحه بلطف وتهدئتي) هل كنت تحلم؟

- (وقد شاح الريق وغاب الكلام ومحي الحلم تماما من ذهني وقتها بعد أن عزمت أن أقصه عليها عساها تفسره لي، بصوت متقطع وغير مفهوم مما جعلني أستنجد بالإشارات لأوصل رسالتي) أريد أن أشرب قليلا من الماء

- (بعد تركيز كبير ومحاولات مضنية لفهمي) اللهم اجعله خيرا.استلق قليلا سآتيك بكوب الماء المجاور لك على يسارك...

ثم بقينا كذلك إلى أن علا صوت الحق وأذن لصلاة الفجر، فأديتها في المنزل بعد أن تثاقلت قدماي وارتخى جسدي ونال مني الإعياء والخوف والريبة وحتى التكاسل والتواكل....

وأتممت بقية النهار كالعادة أمارس عاداتي وشعائري اليومية بصفة عادية ، وأطوار الحلم وأحداثه تستعمر كياني ووجداني وتحضر في مخيلتي كلما كنت وحيدا وتهجرني ما إن أنوي قصها على الغير....

إلى أن حل الليل واسودت الدنيا واستسلمت للنوم بعد هذا العناء والجهاد المستمر اليومي منذ الولادة ، ولم أستفق بعدها بعد أن وجدتني فعلا في تلك الظلمة الحالكة وكل تبعاتها التي سبق عرضها....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق