مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأحد، 14 يوليو 2024

قراءة تحليلية ضمن مجموعة قصصية بعنوان "حكايات عن الآمال والخيبات بقلم وفاء داري

قراءة تحليلية ضمن مجموعة قصصية بعنوان "حكايات عن الآمال والخيبات "
لقصة (بين الخطيب المستبرد والجمهور المستنجد)
للأديب الفلسطيني/ د.سمير كتاني
بقلم الأكاديمية وفاء داري 
كاتبة وباحثة 
 
 (حكايات بين الآمال والخيبات) وهي عبارة عن مجموعة قصية تتكون من 11 قصة للكاتب سمير كتاني، الكتاب عبارة عن 113 صفحة من القطع المتوسطة والتي سنتطرق لإحدى القصص الواردة فيها بعنوان:"بين الخطيب المستبرد والجمهور المتستنحد"
عنوان الكتاب للمجموعة القصصية كما ذكر الكاتب في توطئته في صفحاته الأولى عبارة عن "مجموعة من القصص القصيرة بعضها يحمل مشاعر الامل والسرور، وبعضها ينطوي على مشاعر الخيبة والاستياء". ويبدو جليًا تأثر الكاتب بما عايشه في الواقع من مواقف حياتية ليست ببعيدة عن الواقع الإنساني والمجتمعي الذي نعيش فية، من خلال التجارب و التفاعل مع الذات والآخر وقضايا المجتمع الذي نعيش فيه نؤثر ونتأثر به، والتي اتسمت بعض القصص بحله الفكاهه وروح السخرية في النقد في ثناياها، وللكشف عن مواقف حياتية بقالب ظريف بعيد عن الجمود والرتابه،  
 سنتطرق في جولتنا في هذه المجموعة القصصية لاحداها القصص وهي عبارة عن أول قصة وردت في الكتاب وسنبدأ من العنوان :

يشي عنوان القصة (بين الخطيب المستبرد والجمهور المستنجد) أننا أمام قصة اجتماعية تدور حول إحدى الشعائر الدينية، بينما في الحقيقة والواقع انها معضله اجتماعيه وآفه ، يشكل فيها المكان، وهو المسجد، المحرك الرئيسي للأحداث، ذلك المسجد هو المكان الذي ورد ذكره في جميع مجريات القصة، بوصف دقة تفاصيله الداخلية والذي يتمركز داخله محور السرد، والشخصية الرئيسة في الرواية كانت شخصيّة الخطيب الذي اعتلى المنبر في أحد أيام في شهر آب، الذي يتميز بالحرارة المرتفعة في مثل هذا الوقت من السنة، حيث اشتدّت الحرارة في ذلك اليوم والذي دلت عليه تفاصيل الكاتب للمسجد وشدة الحرارة فيه وانعدام التكييف والتبريد، وتذمر وامتعاض المصليين المستمعين غير المنصتين للخطبة، حيث صادف أن تكون خطبة يوم الجمعة قبيل أيام قليلة على حلول عيد الأضحى المبارك، وكما هو متوقّع، تتركّز خطب الجمعة في مثل هذه المناسبة حول عيد الأضحى الّذي سيحلّ بعد أربعة أيام، ولا بد أن الخطبة ستدور حول مشروعية العيد وسننه، ولكن المفارقة هنا أن الخطيب لم يتطرق لتلك المناسبة من قريب أو بعيد، وهذا ما أشار إليه الراوي. ومما ورد في القصة:
" اذ فوجئ الناس، اذ راح الخطيب يطرق موضوعات لا تصل بالمناسبة الوشيكة، ولا تتناسب مع الأجواء التي تسود البلاد هذه الأيام، فقد تناول موضوع العقيدة" "ثم راح يقرأ بعض الآثار عن الرعيل الاول من الصحابة والتابعين ويظهر آراءهم في الزهد والعبادة " في الحقيقة، لم يكن في خطبته موضوع رئيسي واحد يتناوله".
 
يأخذنا الكاتب من خلال السرد، الذي اكتفى فيه براوٍ واحدٍ، عن شخص مركزي وهو الخطيب، وأما الثانويون فهم المصلون المشاركون بشكل غير رئيسي في الأحداث. والمفارقة أن القصه لم يتوفر فيها عنصر الحوار. معتمدة في ذلك على صيغة ضمير الغائب بأسلوب مبدع في أغلب السرد، إن هذا الضمير ــ الغائب ــ قد نشأ متواكبا مع ازدهار ضمير الغائب في أدب السيرة الذاتية؛ فكأنه امتداد لها، أو كأنها امتداد منه. كما نشأ عن ازدهار حركة التحليل النفسي التي كان تأثيرها عميقًا على القارئ، في وصف الأجواء والشعور والتي لا تخلو في ثناياها من أدب النوادر والفكاهه وبين السطور السخرية في بعض الاحيان. وظفت القصة ضمير الغائب في كامل بنيتها السردية تقريبًا، كأن تقول على سبيل المثال لا الحصر:
"أطلق عقيرته، استهل بالحمدَلَة فالصَيعَلة، ثم بدأ بتمهيد طويل يحفظه عن ظهر قلب".
"واستبد بالخطيب الحماسة وهو يقرأ من الأوراق الصغيرة المطوية التي في يده بعض الإخبار والآثار"
"ثم راح يقرأ بعض الآثار عن الرعيل الاول من الصحابة والتابعيين"
"ولم يرتدع الخطيب عن الاستمرار في الكلام" ، " واستمر الخطيب عن الحديث عن منام رآه أحد تلاميذ بعض العلماء الذين عاشوا قبل خمسمائة عام"، ثم في سيرورة الحدث تطرق لضمير المتكلم في مقطع واحد منفرد على لسان الشخصية المركزيه ( الإمام) : 
"رأيت شيخنا وهو يهرب من الأسد، والأسد يلاحقه، ثم سقط في حفره وهو يحوقل..،"
ليعود بنا الكاتب لضمير الغائب ودلالته الإمام، وهنا بدأ في حياكة حبكة القصة كما روى الكاتب "لكن الخطيب راح يمعن في منح الاسد المخيف صفات علها تستثير صفات الخوف في قلوب المستمعين"، وهنا يبدأ التشويق في الحدث الرئيسي استنادًا لما أورد الكاتب في القصة " ان الحماس استبد بالرجل، فضرب بيده حافة المنبر الخشبية التي يستند بيده عليها بين الحين والآخر وحدث ان فقد توازنه فزلت به قدمه، فوقع على ارضية المنبر ، فصدر لذلك صوت سمعه الناس، وضاعف مكبر الصوت الذي يعلقه الرجل في ياقة جلبابه الأبيض من وقع صوت هبطته على الارض ومن صوت صرخته، فتنبه الناس جميعًا"
من هنا يتضح للقارئ أننا قد نكون أمام تجلٍ في داخل القصه لأدب النوادر والفكاهة -الذي يتقنه الكاتب، حيث إنه محاضر أكاديمي في هذا المجال ( أدب النوادر )_ ومما نستشهد به من القصة بما يروي الكاتب أيضًا " نهض كثير من المصليين ممن لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك الذي بدا حييا في البداية، لكن الضحكات الصغيرة ما لبثت أن بدأت تتصاعد بين الصفوف وتسري فيهم كأنّها النار تنتشر في الهشيم، ثم تحولت إلىضحكات صاخبة شامتة، خففت وهج الحر الذي يعاني منه الناس، وهنا بدأ الأمر غريبًا .. المصلون يضحكون بشدة في المسجد أثناء خطبة الجمعة"، من هنا يتضح للقارئ أننا قد نكون أمام سيرة ذاتية، اعتمد فيها السارد على ضمير المتكلم كي يخاطب به مشاعر القارئ، فيتأثر بالأحداث، ومجرياتها داخل بنية السرد، بل ويتفاعل معها.
والحقيقة أنها بالفعل أحداث مؤثرة، بل وفكاهية، وما مرت به الشخصية الرئيسة في الرواية (الإمام) كلها أحداث يعيشها القارئ، وغير القارئ للقصة الآن على مستوى العالم العربي، فالقصة تعكس بل وتجسد مدى الواقع في جدالية خطبة يوم الجمعة، موضوعاتها وخطبائها، وليس على أهل فلسطين فقط، بل معضلة يعاني منها أغلبية المصلين في البلاد والدول العربية. لقد أتقن الكاتب تعرية الواقع بمعايشته حدثا قد يبدو عاديًا لموقف فكاهي قد يتكرر كثيرًا، ولكن الرساله أعمق بكثير، تكاد تكون عقائدية دينية، في زمن كثر فيه اللغط والغوغاء والاستخفاف والاستهتار ليطول المواقف العقائدية والركائز الدينيه ، بأن يسلم المنبر لمن ليس أهلًا له، ذاك المكان التشريفي.
وهو دلالة رمزية يشير بها الكاتب إلى أن ذلك الإمام ما هو إلا مثل لتلك النماذج المتفشية في المجتمع ،كما تطرق لإشكالية محورية أخرى وهي دنو الخدمات في المرافق الدينية، وما يعانيه المصلون في الحر الشديد وما ينطبق بالطبع في البرد الشديد. 
هذا النموذج للشخصية المحورية بالقصة، وغياب الاهتمام في المساجد؛ هو نموذج حي وجوهري، وليس شكليا، فالمسجد في بنية السرد هو "من الأماكن المقدسة، وهي الرسالة المضمرة التي ترسلها القصة للقارئ؛ لذلك أقول:
لقد كان المسجد المذكور التفاصيل مجهول الهوية ، بقصد من الكاتب لمناسبتها وواقعيتها في اي مدينة في اي دولة، هو المكان المحرك للأحداث في البنية السردية للقصة، بما تحمله من أحداث آنية وسابقة، استخدمها الكاتب بتقنية الاسترجاع الزمني، كانت هي المُحرك الرئيسي للأحداث، بل والدافع نحو الأمام في مجمل النص.
وتأتي قيمة هذه القصة في أنها تجسد معاناة المصلين في أغلب خطب يوم الجمعة على الصعيد المحلي والخارجي.
حقيقة النص يتمتع بلغة فصحي راقية وبليغة، تجلت في وصف الأماكن والشخوص وإن كانت محدودة، والمشاعر بينهم بصورة تراوحت ما بين الامتعاض والمعاناة تارة، والفكاهة تارة أخرى، بما يتناسب مع الأحداث وشخوص القصة.
إنها حقًا قصة ماتعة أدعوكم جميعًا لقراءتها.. تمنياتي للاديب د. سمير كتاني بمزيد من الإبداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق