مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأحد، 25 أغسطس 2024

التخلف و الاستبداد و القهر 1 بقلم علوي القاضي

 «(1)» التخلف والإستبداد والقهر «(1)»

دراسة وتحليل د / علوى القاضي .

... الحكومات المستبدة الظالمة والقاهرة لشعوبها لايتسنى لها أن تكون كذلك إلا عندما يتوفر شرطين أساسيين ، أولهما تخلف هذه الشعوب ، وثانيهما الخنوع والخضوع للقهر دون مقاومة 

... التخلف والإستبداد والقهر ثلاثة أضلع متساوية لمثلث الدول النامية أو ( دول العالم الثالث ) ، حيث أن الدول الإستعمارية بكل أشكالها تحرص على تنامى هذا المثلث فى الدول المستعمرة لضمان نهب وسرقة مقدراتها بمساعدة الحكومات المستبدة والخونة  

... ويثبت التاريخ دائما أن هناك علاقة طردية بين مستوى الشعوب الثقافى المتدني ( التخلف ) وبين إستبداد حكام هذه الشعوب مما يؤدي إلى قهرهم وذلهم ، وكنت دائما أراقب سيكلوجية وسلوك الإنسان المقهور ، مقارنة بالحاكم المستبد ، ودعم التخلف الإجتماعى في تأصيل وتأكيد العلاقة بين الحاكم المستبد والشعب المقهور حفظا وتأكيدا لهذه العلاقة

... ومن خلال قراءاتي عثرت على الإجابة الشافية الشاملة التحليلية من خلال كتاب د/مصطفى حجازي ( التخلف الإجتماعي ـ مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور )

... والمؤلف يعرف الإستبداد أنه ليس مجرد حجب الديموقراطية ، أو منع الحقوق بل هو علاقة مختلفة نوعياً تقوم علي إختزال الكيان الإنساني للٱخرين علي مستوي ( الرعية ) التي تعني لغوياً القطيع من الاغنام أوالاكباش الذي يمتلكه السلطان ويحميه ويرعاه ، والذي يهلك بدون هذه الحماية والرعاية لانه لايملك القدرة أو الإرادة علي الإمساك بزمام المصير

... ولاينجح الرضوخ الذي يفرضه الإستبداد إلّا حين يتحول إلى رضوخ ذاتي وقناعة ذاتية بانعدام القدرة على المجابهة والتمرد فيما يسمى ( بالعجز المتعلم ) حيث ينظر الإنسان المهدور ( المقهور ) إلى ذاته باعتباره عاجزًا ، وليس من سبيل أمامه سوى الإستسلام لهذا المصير واجتراره وإعادة إنتاجه وتكراره وتوريثه

... ولايمكن لأى إستبداد أن يحكم سيطرته ، ولا يمكن لعصبيات أن تستفحل وتستنزف قوى المجتمع وموارده ومؤسساته ، إلا من خلال هدر الفكر والوعي والطاقات ( التخلف الفكري والثقافي )

... ويؤكد المؤلف أن تاريخ الشعوب المقهورة والمهدورة يعلمنا دائماً أن لانغتر بالسكون الظاهري لها ، الذي يتخذ شكل الإكتئاب ، أوالرضوخ المستسلم ، أوالتبلد واللامبالاة ، فهذه ليست سوى قناع دفاعي ، وليست حالة أصيلة ، وأن إنفجار طاقة الحياة المتحولة إلى غضب يغلي يتخذ طابع العنف الكاسح الذي يفاجئ المراقب للموقف ، ويفاجئ ذاته بعظم وزخم الطاقة التي تتحرك ، أينما كانت ، ومن أين أتت؟! ، فذلك يفاجئ المستبد ، وقبله يفاجئ الراضخين المهدورين أنفسهم ف ( الغضب وانفجاره في عنف كاسح حتمي في حالات القهر والهدر حين تسنح الفرصة وتتراخي الضغوطات الخارجية ) ، عندها تبدو آليات القمع التي فرضت الإستكانة والرضوخ ، وولدت الإكتئاب كقشرة هشة وهزيلة سريعة التفتت والتساقط

... وعلم النفس يفسر لنا ظاهرة التعلق والخضوع للأقوياء والتمسك بهم ( سلوك العبيد ) ، أن الإحتماء بالأقوياء والتعلق بالأبطال والإتكال على الزعيم ( المنقذ ) ، تتلاقى مع الميل إلى الإفراط في توكيد الذكورة ، فالبطل والزعيم هما دوماً المثال الكامل للرجولة جنسياً وعضلياً وشجاعة ، والتعلق المفرط بهما في قيمة رجولتهما بشكل خرافي ( كما يشيع في السير الشعبية ) ، والنظر إلى الزعيم والتعلق به ، هي من النوع التعويضي المحض من خلال التماهي بالبطل ، والإعتقاد بأن الزعيم يعوض الإنسان المقهور بعض نقصه ويعالج خصاءه ويخفف من قلقه ، وهذا هو سر التعلق

... وحرصت الحكومات المستبدة على تأصيل عوامل التخلف بين شعوبها ضمانا لبقاءها ، فإن لبّ تخلف العقلية يكمن في نظرنا في أسباب ( إجتماعية سياسية ) ، هذه الأسباب تذهب في رأينا في الوطن العربي على الأقل في اتجاهين أساسيين مترابطين هما : سياسة التعليم ( الفاشلة ) في المجتمع ، وعلاقات التسلط والقهر السائدة فيه 

... وحينئذ يبقى ( العنف ) الوسيلة الأخيرة في يد الإنسان المقهور للإفلات من مأزقه ومن خطر الإندثار الداخلي والهزيمة النفسية ، التي يتضمنها هذا المأزق ، و ( العنف ) يصبح هو السلاح الأخير لإعادة شيء من الإعتبار المفقود إلى الذات المقهورة ، من خلال التصدي مباشرة ، أومداورة للعوامل التي يعتبرها مسؤولة عن ذلك التبخيس الوجودي الذي حلّ به ، ف ( العنف ) هو لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع المستبد ومع الآخرين ، وذلك يحدث حينما يشعر المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي ، وحينما تترسخ القناعة بالفشل في إقناعهم بالإعتراف بكيانه وقيمته

... والتخلف الذي تسعى إليه الحكومة المستبدة له سمات عدة ، فيتسم الذهن المتخلف بانعدام المثابرة ، فالتركيز على ( التفكير ) في أمر ما يصبح محدود زمنياً ، وسرعان مايداخله التعب والتشتت ، وأحيانا ينطلق بحماس كبير ولكنه يفقد حماسه بالسرعة نفسها التي بدأ فيها ، لأن حماسه والتزامه بلا غد قريب ، ولذلك تكاد الخطط بعيدة المدى تصبح مستحيلة ، لأنه بحاجة إلى نتائج آنية وشبه سحرية ، ولاقدرة له على الجهد طويل النفس المركز حول المسألة نفسها ، ولهذا يصعب على الإنسان المتخلف ذهنيا أن يكون باحثاً متخصصاً

... وعلاقة الدين بالحكومات المستبدة الذين يمسكون السلطة فيها ( في المجتمعات المتخلفة ) ويتمتعون بكل الإمتيازات ، لايبرزون من ( الدين ) سوى الجوانب التي تؤكد وتدعم  سلطتهم ، وتعزز العرف الشائع والنظام المرتب في المجتمعات المقهورة ، فقط تلك ( الجوانب ) التي تقنع الشعوب ، وتؤكد على القناعة بالأمر الواقع وتقبله ، وتبرزها وتكررها على مسامع المغبونين ، أما ( الجوانب الثورية ) في الدين ، أما جوانب ( التحرر والإبداع ، والعدل والعدالة والتصدي والشجاعة والجهاد في سبيل الحق وفي سبيل كرامة الإنسان ) ، فيسدل عليها ستار كثيف من التعتيم حتى لاتكون حافزا للشعوب المقهورة على التمرد والمقاومة

... والحكومات المستبدة تمارس البطش والقهر لإخضاع شعوبها ولضمان بقاءها وموالاتها للمستعمر ، وليس أشد قسوة وبطشا في التعامل مع المواطن المستضعف من ( الشرطي ) الذي كان في ( الماضي ) مستضعفا ومسحوقا قبل دخوله سلك الشرطة ، إنه يتحول من إنسان ( مهدد ومقهور ) إلى ( مستبد ) يتشفى ممن لازالوا مستضعفين ، يصب عليهم كل عنته وحقده المتراكم ، ويصبح في حالة من التنكر التام لإنتمائه الأصلي وشرطه الإنساني السابق ، وهو يشتط في إستعراض بعض مظاهر ورموز القوة والسلطة في وضعه الجديد ، وهو يتلذذ بمهانة الإنسان المستضعف والبطش به ، تحت ستار وبحجة ممارسة وظيفة الحفاظ علي الأمن ، وهذا يشير إلي المرض النفسي العلائقي الذي ينخر بنية العالم المتخلف

... ويؤكد علم النفس الحديث أن ( عقدة النقص ) تجعل ( الخوف ) يتحكم بالإنسان المقهور ( الخوف من السلطة ، الخوف من قوى الطبيعة ، الخوف من فقدان القدرة على المجابهة ، الخوف من شرور الآخرين ) ، مما يلقي به في مايمكن تسميته بإنعدام الكفاءة الإجتماعية والمعرفية ، فهو ( يتجنب كل جديد ، ويتجنب الوضعيات الغير مألوفة ، وإذا خرج من دائرة حياته الضيقة يشعر بالغربة الشديدة ، وبانحسار الذات ، ويجمد في الزاوية التي هو فيها في نوع من الشلل الوجودي ، وكل جديد يثير فيه القلق ، وإحساسه الجذري بعدم الأمن ، ولذلك فهو يخشى التجريب ، ويتشبث بالقديم والتقليدي والمألوف ، مما يجعل عملية التحديث لأفكاره تجابه في معظم الأحيان بمقاومة شديدة )

... وسيكلوجية المستبد الظالم تحتاج دائما إلى تنامى علاقة ( القمع ) بإستمرار ، فهي تؤدي إلى تغذية نرجسية السيد المستبد ، وإلى مزيد من تضخم أناه ، حتى لايتهددها بروز الحس الإنساني ، أو بروز التعاطف النابع من التكافؤ بين الذاتية والغيرية

... وإلى لقاء فى الجزء الثانى إن شاء الله إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتى ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق