مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الاثنين، 26 أغسطس 2024

التخلف و الاستبداد و القهر 2 بقلم علوي القاضي

 «(2)» التخلف والإستبداد والقهر 2

دراسة وتعليق : د / علوى القاضى.

... فى الجزء الأول تطرقنا من خلال كتاب ( التخلف الإجتماعى ، للدكتور مصطفى حجازى ) إلى سيكولوجية الحاكم المستبد ومدى حرصه على تخلف شعبه لضمان إستقرار حكمه ، وكذلك سيكلوجية الإنسان المقهور ، وتكلمنا عن نوعية العلاقة بين بعضهما البعض ، والٱن نستكمل 

... الإنسان عموما وبالذات المتخلف ثقافيا وفكريا والمقهور منذ نشأته تبعاً لبيئة إجتماعية ظالمة ، يصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيها ، فهو يعزز هذه البيئة ويدعم إستقرارها على قدر مستواه الفكرى والثقافى ، ويحرص على مقاومة ومنع تغييرها للأفضل ، نظراً لارتباطها ببنيته النفسية والفكرية والثقافية

... دوغمائية قصور التفكير الجدلي هو حجر الزاوية ولب ( الذهنية المتخلفة ) للإنسان المقهور ، فهي جامدة وقطعّية ووحيدة الجانب وتتبع مبدأ السببية الميكانيكية ، وعاجزة عن العمل تبعاً لمبدأ التناقض ، ويلاحظ هذا القصور في مختلف النشاطات وعلى مختلف الأصعدة ومختلف مستويات المسؤولية

... وفى هذا المناخ لامجال للنوايا الطيبة ، ويل لذوي النوايا الطيبة لأنهم لايغرّمون فقط من خلال إستغلالهم ، بل يزدروا باعتبارهم سذجاً وأغبياًء ، وتدلنا علاقات التكذيب والتضليل على مدى الإنهيار الذي ألم بقيمة الإنسان في العالم المتخلف ، حين يتحول إلى مضلل ، أوضحية تضليل فالآخر ليس مكافئا لنا بل أداة نستغلها بمختلف الوسائل الممكنة كأداة لخداعنا ، بدل الفهم والحوار ( الذي لايكون إلا في حالة التكافؤ الإنساني ) ، وهناك لغة السوط القمعي ، بدل الإقناع ، وهناك الإخضاع

... ويؤكد الكاتب على أن طغيان الإنفعالات ، وإلغائها لوظيفة النقد العقلى ، بذلك تفتح الباب واسعاً أمام بروز الميول الإختزالية ، التى تحول الآخر من حالته كشخص إلى مجرد أسطورة ، تلعب دور السند المادى للإسقاطات الذاتية على الخارج ، ويتحول الآخر إلى مجرد رمز للسوء ، أوالشر أوالتعطيل أوالخطر أوالضعف أوالعنف ، أوالحب أوالعون ، إلخ ، ومنذ تلك اللحظة يتحدد التعامل معه والموقف منه ، إنطلاقاً من دلالة الرمز الذى أعطى له ، الذى يستخدم أصلاً ، كمبرر مادى للإنفعال الذى إرتبط به ، سلباً أم ايجاباً 

... وهنا تسيطر الخرافة على ثقافة المجتمع ك ( لون من ألوان التخلف ) ، وتصل الخرافة إلى مرتبة تعطيل الفكر النقدي والتحليل الموضوعي للواقع واصطناع السببية المادية في التصدي له ، مُشكّلة عقبة فعلية أمام التغيير وعاملاً قوياً في إستفحال التخلف

... ويتبع التخلف مشاعر الخوف ، وليس هناك ضوابط خلقية أو سلوكية عند الإنسان المتخلف ، فهناك خوف من القمع الخارجي ، وعندما يزول هذا الخوف ، أو يتوارى شبح القمع ، ينفجر العدوان متخذاً شكل عنف مباشر ومدمر ، أو على شكل السلب والإستباحة 

... ولم تسلم مشاعر الحب السامية من التسلط والقهر ، فهى قد اتخذت أشكال عدة ، حتى الحب يعاش في البلاد النامية المستبدة تحت شعار التسلط والرضوخ ، تسلط المحبوب ورضوخ الحبيب ، حتى حب الأم لأبنائها بكل مايتميز به من حرارة عاطفية فطرية يغلب عليه الطابع التملكي ، أي في النهاية يحدث التسلط من خلال أسر الحب وهو الشائع بين أفراد الشعب 

... ولأن رقي الرجل رهن بارتقاء المرأة ، وتلك الحقيقة تفرض نفسها على الواقع ولامجال للمكابرة فيها ، فالمرأة المقيدة تشكل قيداً صريحاً أوخفياً لانطلاقة الرجل ، ولامراء أننا نستطيع أن نحدد مدى إرتقاء مجتمع ما ، دون خطأ كبير ، انطلاقاً من وضعية المرأة فيه ومدى ما بلغته من تحرر غير مبالغ فيه

... فكلما كان الرجل أكثر غبناَ في مكانته الإجتماعية ، مارس قهراً أكبر على المرأة على سبيل التعويض 

... ومن الملاحظ أن أحكام الإنسان المتخلف على الظواهر والأشخاص يشوبها الكثير من التحيز والقطيعة ، إنها أحكام متسرعة ونهائية تصنف الظواهر والناس فى فئات جامدة ، سالبة كلها أوإيجابية كلها ، أوهى متأثرة إلى حد كبير بالأفكار المسبقة والآراء الشائعة التى يطغى عليها التعصب ، ذلك أن طغيان الإنفعالات ، بإلغائها لوظيفة النقد العقلى ، تفتح الباب واسعاً أمام بروز الميول الإختزالية ، التى تحول الآخر من حالته كشخص إلى مجرد أسطورة تلعب دور السند المادى للإسقاطات الذاتية على الخارج ، يتحول الآخر إلى مجرد رمز للسوء ، أوالشر أوالتعطيل أوالخطر أوالضعف أوالعنف ، أوالحب أوالعون ، إلخ ، ومنذ تلك اللحظة يتحدد التعامل معه والموقف منه إنطلاقاً من دلالة الرمز الذى أعطى له ، والذى يستخدم أصلاً ، كمبرر مادى للإنفعال الذى إرتبط به ، سلباً أم إيجاباً 

... وهكذا تتباهى المرأة بلعب دور عارضة الجاه والثروة ، من خلال ماتلبس ، وماتتحلّى به ( وكأن جسد المرأة لايتضمن قيمة كافية بحد ذاته ، فهو بحاجة إلى الأدوات والأمتعة من كل نوع كى تخفي قصوره ، أو ماأسقط عليه من نقص )

... وتعجز الذهنية المتخلفة للإنسان المقهور عن تقدير دور كل من طرفى التناقض ، وتعجز عن التفريق بين الأساسى والثانوى ، وبين المحورى والحدودى ، وبين القاعدى والعابر ، وتساوى كل هذه الأمور فى الأهمية ، وتساوى بين وزن هذه الظواهر جميعاً ، بينما يعلمنا المنهج الجدلى أن هناك دائماً طرفاً أساسياً وطرفاً ثانوياً فى التفاعل ، كما يعلمنا أن العلاقة لاتظل ثابتة على الدوام فى صيغة واحدة ، بل هى متحولة ، فالطرف الذى كان أساسياً فى التفاعل قد يصبح ثانوياً فى مرحلة تالية ، بينما يحتل الطرف الثانوى دوراً أساسياً 

... ويخلق التماهي بالمعتدي أيديولوجية مضادة للتغيير الإجتماعي الجذري ، تلكم هي إحدى أبرز مشكلات البلدان النامية وأكثرها خطورة ، فالعديد منها تمكن من إجتياز مرحلة التحرر الوطني ، ولكن معظمها يتخبط أمام مهمات التغيير الإجتماعي الفعلي ، ويعاني من الفشل الذريع فيه ، مما يجعلنا نتابع الآن مشهداً بائساً على إمتداد العالم الثالث ، فقد إتّضح أن القدرة على التحرر الوطني لاتتضمن بالضرورة ، ولاتقود حتماً إلى عملية التغيير الإجتماعي المبتغاة ، وليس هناك من مجال للدهشة بهذا الخصوص ، فالسبب ، أو أحد الأسباب الأساسية في نظرنا ، إذا ماوضعنا مصالح الفئة الحاكمة الجديدة جانباً ، يكمن في تغلغل التماهي بلحاكم المتسلط المستبد بمختلف صوره ودرجاته ، في نفوس معظم القادة ، وغالبية المسؤولين ، والقطاع الأوسع من الجمهور 

... ويحتدم الصراع بين الرجل والمرأة ، وتتحول العلاقة بينهما إلى سوء فهم ، فيعتقد الرجل أنه يسيطر على المرأة ، وتعتقد هذه في دخيلة نفسها أنها هي التي تمتلك زمام السيطرة الفعلية على الرجل ، وأن سيطرته الظاهرية ، ليست سوى وسيلة توهمه بقوّته كي لاينتبه إلى ماتفرضه عليه المرأة من سيطرة ، هذا في الحالات العادية ، أما في حالات الصراع ، فإن الأمر يتخذ طابع حرب سيطرة حقيقية

... لايجد الإنسان المقهور من مكانة له في علاقة التسلط العنفي هذه سوى الرضوخ والتبعية ، والوقوع في الدونية كقدر مفروض ، ومن هنا يبرز شيوع تصرفات التزلف والإستزلام المبالغة في تعظيم السيد إتقاء لشره أوطمعاُ في رضاه

... وإلى لقاء في الجزء الثالث إن شاء الله إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتى ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق