مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

المشاهير و وهم الشهرة 2 بقلم علوي القاضي

المشاهير ووهم الشهرة 2

دراسة وتحليل : د/ علوي القاضي

... لم يسلم المشاهير من الفلاسفة من الإنتقاد لتصرفات بعضهم المشينة ، التى لاتتفق بل وتتناقض مع أفكارهم وفلسفتهم في الحياة ومايريدون تثقيفه لمجتمعاتهم ، مثلا (موسى بن ميمون) كان جاسوسا ، (باروخ سبينوزا) مستتر ويغلب على سلوكه النفاق والتظاهر بالإختلاف مع زملاءه ، (فرويد) كان يهدف بأفكاره إفساد شبابنا وبالأخص البنات ، (سارتر) لم يكن صادقا فيما يرويه وكان متأثرا بتربية وأفكار حاخامات يهود ، (آينشتين) كان في ٱراءه دائما يعتمد على أفكار سبينوزا الشاذة والغريبة ، والرأس الكبيرة (كارل ماركس) رفض التوراة وإدعى الإلحاد وهو في قرارة نفسه كان مؤمنا بها

... وكذلك مرض وهم الشهرة أصاب الشعراء والفنانين ، فكانت سلوكياتهم تخلتف تماما عن مثالياتهم ، فقصيدة (سلوا كئوس الطلا) لسيدة الغناء العربي (أم كلثوم) ، وتأليف أمير الشعراء (أحمد شوقي) ، كان لها قصة ، أم كلثوم كانت مدعوة في منزل الشاعر أحمد شوقي ، وحينما قدمت التحية (كؤوس الخمر) للمدعوين ، رفضت أم كلثوم أن تشرب الخمر ، فقال لها الشاعر أحمد شوقي ، لاتشربي لكن فقط أتركي أصابعك تلمس الكأس ، وفعلت أم كلثوم ذلك

فرفعت الكأس ولم تشرب وأعادتة مكانه ، في اليوم التالي جاء الشاعر أحمد شوقي لمنزل أم كلثوم وأعطاها مظروف ، وحين فتحته وجدت بداخله قصيدة (سلو كؤوس الطلا) ، إنها حقا أم كلثوم بنت طماي الزهايرة بنت الريف حيث الأصل الطيب والأخلاق فكانت تحفظ القرٱن ، والقصيدة يصف شوقي بها كوكب الشرق ويعلي قيمتها فنيا وإنسانيا كإمرأة عربية أصيلة رفضت الخمر رغم أنه كان يحتسيها

... حتى بعض المشاهير من الممثلين كانت لهم سقطات في حياتهم الخاصة ، تروي (إلين برلين) التي كانت وكيلة أعمال لمشاهير كثر ، أنها ذات مرة كشفت عن تفاصيل حول السلوك العدواني للنجم العالمي (توم كروز) بعيدا عن الكاميرا ، فقد عملت (برلين) مع (كروز) كمديرة أعماله ، والرواية كانت تحكى عن سلوكه العدائي نحو زملائه في مواقع تصوير أفلامه ، وتسجيل كروز الغاضب تجاه زملائه ، كما أن كروز كان يعاني من مشكلة عدم التحكم في نفسه عند الغضب 

... ومرض وهم الشهرة يظهر جليا في مواقع (التواصل الإجتماعي) من خلال سلوك البعض ، نلاحظ أن البعض عندما يتم نشر منشور خاص بهم ، لايهتمون بالرد إلا على المشاهير ورجال السلطة وأصحاب النفوذ والمال ، وعلى الفنانين والفنانات ، ويغفلون الباقين ظنا منهم أن ذلك إرتقاء بمستواهم الإجتماعي ، وينتقون ألفاظا كلها نفاق ، (أهلا سيادة اللواء ، العميد ، الرائد ) ، (أهلا معالي الوزير) ، (أهلا فناننا العظيم) ، ولايهتم بما عداهم من البسطاء ، أقول لهؤلاء أن المناصب لاتدوم ، إهتموا بالبسطاء ، فالغرور مرض مميت 

... ومرض وهم الشهرة يجعلنا نتعجب من سلوك بعض البشر ، لماذا يتهافت هؤلاء ويلهثون وراء المشاهير لإلتقاط الصور معهم أو مصافحتهم أولمسهم كأنهم كائنات فضائية أوعائدون من الجنة ؟! ، هل هذا سلوك طبيعي ، أم أنه كلبنة للذات وسخرية من الفطرة وإهدار للقيمة البشرية وإذلال وعدم إحترام للنفس وإحساس بالنقص ؟!

... مؤخرا لفت نظري أبليكيشن (clubhouse) بالنسبةلي كان مفاجأة ، وكان فعلا تطبيق مميز ، لأنه كشف أناس كثيرون ، فقد تميز بسقف حرية مفتوح ، من يريد أن يتكلم بحرية يتكلم ، ومن يريد الإنحراف فالطريق متاح ، ومن يريد الإلتزام فالطريق متاح ، تسمع في هذا التطبيق طريقة كلام بعض المشاهير والنخبة وطريقة تفكيرهم تتعجب من فصام الشخصية ، فهم في الغرف مختلفون تماما عن حياتهم مع الناس ، وعلي العكس نجد أناس عاديين تتمنى أن تصبح مشهورة وتوظف طريقة أدائها ، وأناس تلهث وراء المشاهير وأصحاب الرأي ووجهات النظر ، في التطبيق كل حاجة موجودة ، إتصدمت في أناس كثيرين بالإيجاب وأحيانا بالسلب ، مثلا أحدهم كنت أتوقع تافهته ظهر لي أنه صاحب وجهة نظر وأعجبتني طريقة تفكيره ، وأحدهم كنت أظن أنه مفكر وصاحب وجهة نظر وكنت أحترمه جدا إكتشفت إنه تافه وسطحي ، أيضا إكتشفت إن الأبليكيشن عبقري ، لأنه ليس بوستات مكتوبة زي الفيس ، لا ، بل أسمع أصحابها وأتناقش معهم وأتعرف على طريقة تفكيرهم ، وبالإهتمام والمتابعة نلاقي (رومات) مختلفة في إهتماماتها ومناقشاتها ، فبعضها تدور عن السياسة والبيزنس والسياحة والسفر وخبرات إجتماعية وكلها موجودة ، التطبيق ده (منتدى كبير) والكل يدخل اللي يعجبه 

... ويؤكد علماء النفس أن دراسات التحليل النفسي لمرض وهم الشهرة أثبتت أن تشخيصه (إضطراب ثنائي القطب) ، وأعراضه عديدة ، وهي سريعة الظهور على المريض ، ومابين إرتفاع أعراض المرض وإنخفاضه ، يمر المريض بفترات طبيعية وإعتيادية وربما تستمر إلى أسابيع أو أشهر ، والأعراض تتلخص بالٱتي ( الإكتئاب ، التقلبات النفسية ، عدم الإستقرار ، التهيج ، إرتفاع المزاجية مثل زيادة الفرح ، التكلم بسرعة كبيرة جدا مع تغيير المواضيع ، فقدان أو زيادة كبيرة في الطاقة ،  تغيرات الشهية ويتبعها تغيرات في الوزن ، إهمال العناية الشخصية ، الإكتئاب ، الإحساس بالذنب ، فقدان الأمل بالحياة ، الإحساس بالتدني وعدم القيمة أو تضخم أو نفخ قيمة الشخص أو قابليته (الأنا العليا) ، البارانويا ، السلوك المتهور ، والمبالغة في صرف الأموال فوق العادة ، الإنحراف الجنسي ، ومع تطور المرض ينتاب المريض أفكار وإعتقادات نفسية مضطربة وغير إعتيادية مثل (سيطرة أفكار الموت ومحاولات الإنتحار)

... ومرض وهم الشهرة حينما يسيطر علي صاحبه فإنه يشكل سلوكه ويتحكم في أفكاره سواء كانت (إيجابية) وتتماشى مع قيم المجتمع أم (سلبية) ومنافية لموروث المجتمع الأخلاقي والفكري وأقرب مثال لذلك ، فيديو الطالبة (حنين) بما فيه من مخالفات لاتتفق وقيمنا المجتمعية والدينية ، وكان يجب عليها كصانعة للمحتوى أن تلتزم بإرشادات الموقع (تيك توك) وقواعده ، لأن المنصة تضع سلامة وأمن مستخدميها كأولوية أساسية لديها ، وتلتزم بتوفير بيئة آمنة وإيجابية لمستخدمي التطبيق ، وتحدد قواعد السلوك والمحتوى المقبول وغير المقبول ، وتطور وتعزز أدوات المراقبة وتقييم المحتوى ، لضمان تحديد إستخدام الجميع من المشاهير أو غير المشاهير على حد سواء ، وحث المستخدمين على المساهمة في خلق بيئة أفضل من خلال الإلتزام بالإرشادات والإمتناع عن نشر أو تأييد أي محتوى سلبي ومسحه من التطبيق على الفور بسبب إنتهاك إرشادات المجتمع ، ولذلك فإن المسؤولين عن موقع (تيك توك) يقومون بتثقيف المستخدمين وإمدادهم بالمعلومات اللازمة حول الرفاهية الرقمية ، وتشجيعهم على تحمل المسؤولية والإستخدام المسؤول للإنترنت

... وإلى لقاء في الجزء الثالث إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتى ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق