مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الاثنين، 9 سبتمبر 2024

الرحيل بقلم وفاء داري

 الرحيل


سأرحل كرحيل الشمس حين المغيب

كرحيل الطيور المهاجرة إلى وطنٍ بعيد

كرحيل القمر من صفحة الليل البهيم

كرياحٍ تسير في متاهات الزمن

كأسطورةٍ على ألسنة الناس منذ زمنٍ

أسير من زمنٍ إلى زمن

من جرحٍ نازفٍ إلى جرح

من وجعٍ إلى وجع

من موتٍ إلى موتٍ

أرحل في الزمن اللامحدود

في المكان اللامحدود 

ألملم أغراضي وأتدثر في ثنايا الزمن

رحيلٌ بلا زادٍ ولا ماء

ها هي راحلتي تسير بي الهوينا

تمشي متعثرة الخطى والأنفاس

لم يبق لي سوى الرحيل إلى الرحيل

أسافر إلى وطنٍ على خارطة اللا وطن

تسير أشرعتي في البر والبحر إلى زمنٍ غابر 

دون ماضٍ ولا مستقبلٍ أو حاضر 

يسرقني الزمن إلى لحظاتٍ في المنفى البعيد

أحتفظ في تقاسيم وجهي آثاره وزواياه

حملت معي رائحة أزهاري من حديقة بيتي

يمزقني الرحيل والغربة والضياع

تغرق أحداقي في دمعٍ يتوقد فتيله

أداريه أخبئ دمعةً حرى في ليلي 

ما عادت الكلمات تراقصني بسحرها

كوابيس أفكاري تحاورني ليل نهار

أتذكر دفاتري وأقلامي المتناثرة

مزقتها يدٌ في ظلمة الليل همجية

هذه الجروح المؤقتة ستلتئم

وصمتي وحنيني وشوقي ستأتي ثائرة

سأعود أثيرًا على سحابةٍ تقلني

أعود ليلًا ونهارًا على أشرعتي وأوردتي

أعود مسكًا يفوح أريجه

أصنع بيدي لأطفالي عقدًا من الزهر

من الشجر 

من الحجر

من غصن الزيتون

أعود حاملًا ذرات ترابٍ اكتنزتها من وطني

سأعود شمسًا تشرق

وثمرًا يورق

نجمًا يتلألأ

نسائم عطرٍ تفوح

أردد كلماتٍ بتهاليل السماء

وأحارب مدن الهمجية والمستحيل

سأحطم الظلام بألم الرحيل

ألوح بوشاحٍ أبيض كورد الياسمين

أغني لرائحة الزعتر

لأحلامي المشردة

للطفولة الحالمة

لسنديان بلادي 

للندى في الفجر يعانق الزنبق

أكتب شعرًا للوطن الحاضر فينا

أبعثه من فيض خاطري

من عيونٍ تاقت للفرح

يتضاءل أمام حريتي

الشعراء

والبلغاء

والأمراء

والسفراء

من وجع الصغار في وضح النهار

قيد اليدين من الأغلال قد انهار

سآتيكم عاصفةً تهز الأعماق

 من لجة البحر

وفيضان النهر

من المتاهات والمطارات

من البحر وعلى ظهر الناقلات

ساحر الجبهة وضاح الجبين

فرحًا بأحبتي وأنا سيد العاشقين

قادمًا من المنفى إلى وطن الخالدين

سآتي رغم الجرح وصوت الثكالى والأنين

أحمل أشواقي إلى طابون أمي يقتلني الحنين

أيها الناس جهزوا لمحبوبتي الطرحة والفستان

فحبيبتي تنتظر عودتي منذ غابر الأزمان

لا تنسوا المناديل المطرزة بيد أمي

ما زالت معلقةً على رفرفٍ رغم بعدي

املأوا الأرض والسماء بعضًا من الزغاريد

املأوا الجو أريجًا وشذًا وعبقً وأغاريد

لأكحل عينيَّ بضياء شمس بلادي

بها غرد الشحرور والطير الشادي

لأكون قمرًا ساطعًا رغم كيد الأعادي

من شوقٍ بعيدٍ بها نسمات وطني  تنادي

لأكون وهجًا نورًا يتوهج ضياء 

في وطني الذي له في قلبي أجمل الوفاء

وفاء داري /فلسطين

ويبقى الأثر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق