مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الجمعة، 25 أكتوبر 2024

إلى أين نحن ذاهبون 1 بقلم علوي القاضي

 إلى أين نحن ذاهبون 1

رؤية : د/ علوي القاضي

... لاشك أن الإنحدار الأخلاقى فى مجتمعاتنا المعاصرة أصبح سمة متأصلة من سماتها ، وأصبحت المجتمعات المعاصرة تعانى الكثير من المشكلات والصعوبات الناتجة عن تحول القيم للأسوأ ، فهناك خللا مجتمعيا كبيرا أدى إلى وجود الإنحدار الأخلاقى لدى بعض الشباب والمراهقين وأنه فى تزايد مستمر 

... ومن مظاهر تضاؤل القيم الأخلاقية فى الجيل الناشىء ، عدم إحترام الٱخرين ، وبالذات الكبار ومنها عدم إحترام (المعلم) ، والتنكر لحقوق (الوالدين) ، واللامبالاة ب (العلم والنظم والقوانين) ، مما جعلهم أكثر سوءا فى طباعهم وأكثر إستخداما للغة والكلمات البذيئة ، وانحدار معايير السلوك لديهم ، وما يحدث فى المدارس إنحدارا أخلاقيا بكل المقاييس ، فأصبحنا نسمع عن حوادث التحرش والإغتصاب بين طلبة المدارس والتى تكررت كثيرا ، وذلك فى ظل غياب الرقابة والمتابعة من قبل المسئولين عن العملية التعليمية ، خلاف حوادث الإعتداء بالضرب على المعلمين من قبل الطلاب ، وحمل الطلاب للأسلحة البيضاء 

... وهناك أسباب قد تؤدى إلى إنهيار المستوى الأخلاقى لدى بعض المواطنين وخاصة الشباب والمراهقين ، مثل (الهجوم اللفظى والجسدى والتحرش والعنف وإلحاق الأذى بالٱخرين) ، وأهم طرق العلاج هى النظر فى أسباب الظاهرة لإختيار أفضل الحلول لها ، وكذلك هناك بعض الشباب تدفعه الحماسة دون تفكير ، لأنه يريد أن يثبت لنفسه ولمن حوله أنه أصبح رجلا ذو رأي وشخصية ، لكن الحماسة تدفعه للتصرف بشكل سيىء ، فهناك من تدفعه للتطاول على أساتذته أوعلى والديه 

... ومن الملاحظ أن الشباب المتدنية أخلاقهم فى تزايد مستمر ، بسبب (سوء التربية) بكافة الوسائل المشتركة فيها ، سواء كانت (الأسرة أو المجتمع أو المدرسة) ، وأن (الصحبة السيئة والغيرة والتنافس) بين الأصحاب تدفع الشباب والفتيات نحو التهور وسوء السلوك ، وأن (رفاق السوء) أيضا لهم أثر كبير فى تدنى الأخلاق ، فأحيانا يضطر الشاب إلى إرتكاب أخطاء بعد الضغط عليه من أصحابه أو مشاهدة صديقه يفعل ذلك ، كما أن إندثار دور (الأسرة) فى بناء القيم الأخلاقية ، و (غياب القدوة الطيبة) ، و (إنفصال الزوجين) ، و (كثرة الخلافات) لهم دور كبير ، وبالتالى يفعل الشباب مايريدون 

... إن الإنهيار الأخلاقى يقع في المقام الأول على عاتق (الأسرة والمدرسة) ، لأنهما يلعبان دورا كبيرا وتكامليا فى تشكيل وعى الطفل والمراهق 

... وأن (فساد المنظومة التعليمية) يعد سببا رئيسيا ، لأن دور المدرسة إقتصر على التلقين العلمى للطلاب فقط ، وغابت عملية (التربية) التى يجب أن تسبق التعليم ، فالمدارس هى مؤسسات تربوية في المقام الأول مكملة لدور الأسرة ، ولابد من تعليم الأسس التربوية الحميدة والتربية الأخلاقية ، التى تسعى إلى تزويد النشأ بالقيم الأخلاقية التى يريد المجتمع غرسها فى أبناءه 

... ولا نغفل دور (الإعلام) الذي تحول إلى خطر كبير على المجتمع ، فالشباب يتعلم منه كل ماهو سيىء كالغناء والرقص والتقليد الأعمى لبعض مايشاهدونه في وسائل الإعلام ، أو بعض وسائل الإعلام التي همشت القدوة العلمية والثقافية والدينية من عقل الشباب ، فبعد أن كان القدوة أكابر المفكرين تبدل الأمر وأصبح قدوة الشباب لاعب كرة ، أو أصحاب الأغانى الهابطة ، أو شخصيات أصحاب سلوك غير سوى ، من الأفلام التى أصبحت تعرض كثيرا ويحفظون أغانيها ، وأصبح القدوة (عبده موته) ، (إبراهيم الأبيض) ، وغيرهم الكثير ، فأجهزة الإعلام من الأجهزة بالغة الخطورة ، إذا إنصب هذا التأثير فى إتجاهات تتعارض مع تقدم الأسرة أو المدرسة من المفاهيم الأخلاقية ، إن الإعلام لابد أن يقوم بالتوعية الجيدة للأسرة ككل ، وللابناء بشكل خاص ، وأن يكون هناك رقابة جيدة لما يقدم لأبنائنا من الإعلام ، كما أن تهاون الأجهزة الأمنية مع مرتكبى الجرائم الأخلاقية له دور كبير في التردي الأخلاقي ، إذا إرتكب شخصا جريمة أخلاقية ولم يجد رادع سيكون مثالا سيئا ونموذجا للتسيب الغير أخلاقي

... (د . جوزيف رينارد) كان يعيش في قرية (ساو) المزدحمة بالسكان وقد أدرك أن أهل قريته يعانون من البلاهة والتفاهة فهم قليلي الإنتاج ، كثيري الكلام ، ينسجون قصصا كثيرة من الأحداث التافهة العادية ، ويحولون مشاكلهم الحقيقية إلى سخرية وفكاهة ليضحكون عليها ، بدلا من حلها ويكثرون الجدل في كل مناحي الحياة ، يقودهم ويحركهم التافه والجاهل ، ويهمشون المثقف والحكيم وصاحب الرأي ، واذا حاول أحد المفكرين من أهل القرية دعوتهم إلى العمل الجاد وترك ترهات الأمور وسفاسفها ، إتهموه بجل التهم المنقصة ولاينجو من السنتهم السليطة وعوائهم القذر

... حاول (جوزيف) كثيرا أن يعدل في سلوكيات أهل قريته ، من خلال وسائل التربية القديمة والحديثة ، فلم يستطيع ، وكان الحل أمامه ، أن يهاجر ويترك تلك القرية الفاسدة المفسدة ، ولكن (جوزيف) لم يستسلم ، فقام بفحص جينات كثير من أهل قريته الذين يراجعون عيادته فوجد أن جيناتهم تحمل كروموسوم التفاهة ك (جين سائد) وليس (متنحي) ، ظل جوزيف لمدة عشر سنوات يفكر كيف يغير في تركيبة الشفرة الوراثية لأهل قريته ليتخلص من كروموسومات التفاهة ويزرع محلها كروموسومات الجدية والإنضباط والتعقل

... كان الأمر محاط بالسرية البالغة ، وقد أوشكت تجارب د جوزيف على النجاح ، وعندما إنتهى وعلم أهل قريته بالأمر قتلوه وأحرقوا معمله الذي كان يقوم فيه بتجاربه ، وجعلوا يوم مقتله عيدا يحتفلون به كل عام

... وإلى لقاء في الجزء الثاني إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق