مجلة ضفاف القلوب الثقافية

السبت، 2 نوفمبر 2024

الفلسفة وفلسفة ديوجين الكلبي«(1)» بقلم علوي القاضي

«(1)»الفلسفة وفلسفة ديوجين الكلبي«(1)»
بقلمي : د/علوي القاضي..
... الفلسفة لها مفاهيم مختلفة وعديدة ، والكثير من العلماء والمفكّرين جعلوا لهذه المفاهيم معنى ، نظرا لأنّ لكل (فرد) فلسفة خاصة به وكذلك لكلّ (دين) أو (مؤسسة) فلسفة يتبناها
... والفلسفة كلمة مشتقة من مصطلح يوناني وهو (فيلوسوفيا) ، (فيلو) تعني الحب و (سوفيا) تعني الحكمة ، أي حب الحكمة ، وكلمة (فيلسوف) مشتقة من مصطلح (فيلوسوفوس) أي مؤثّر الحكمة
... (أفلاطون) عرّف الفيلسوف بأنه الشخص الذي يسعى للوصول إلى معرفة الأمور الأزلية وحقائق الأشياء ، فالفلسفة قادرة على إقتراح إمكانات عديدة ، وتوسّع من آفاق فكرنا وتحرّر أفكارنا من سلطان العادة الطاغي ، وبقدر ما تقلل من شعورنا باليقين فيما يتعلق بحقيقة الأشياء فإنها تزيد كثيراً من معرفتنا بما تكون عليه الأشياء وتزيل التزمّت المتعالي الموجود عند أولئك الذين لم يسافروا في منطقة الشك المُحرر ، وتنعش إحساسنا بالعجب والدهشة ، وذلك بإظهارها الأمور المألوفة بمظهر غير مألوف
... أما (جيل دلوز) عرفت الفلسفة بأنها إبداع المفاهيم 
... أما (الفارابي) قال بأن الفلسفة هي العلم بالموجودات   
... أما (الكندي) عرف الفلسفة بأنها علم الأشياء بحقائقها  
... بالرغم من كل هذه التعاريف المختلفة التي طرحت ، إلّا أنه يمكن القول بأن الفلسفة هي الطريق الرئيسي للمعرفة واكتسابها وتحصيلها 
... وفي القرون الوسطى عرفت الفلسفة أنها الرغبة الطبيعية في طلب المعرفة لذاتها ، ومنها أطلق إسم الفلسفة على كل علم يصل إليه العقل عن طريق النظر الفكري ، بعكس العلم الإلٱهي الذي يصل إليه الإنسان عن طريق الوحي والرسل ، ومنها صار معنى أن الفلسفة هي العلم العقلي المنّظم
... والفلسفة توصف بأنَّها أم العلوم ، أي إنبثقت منها كافة العلوم  
... وذهب البعض إلى أنَّ الفلسفة لم يعد لها أيّ فائدة أو أهمية في العصر الحديث ، لأنَّ كلّ علم قد إستقل بذاته وبنى نظريات خاصة به يفسِّر من خلالها الظواهر المتعددة ، ولكن مايجب أن يُعلم أنَّ هذا الإعتقاد خاطئ وقاصر تمامًا ، خاطئ نتيجة الجهل بماهية الفلسفة ، وقاصر بسبب عدم فهم الفلسفة على حقيقتها 
... ومن خلال الفلسفة تتوسَّع مدارك عقولنا ، وتنمو لدينا مهارة البحث والتأمل وإثارة التساؤل ، وبها نعرف الحقائق ونُميَّز ونقارن وننقد ونخطئ ونصيب ، ونحمي عقولنا ونُمسك بزمامها ، فلا يتمكَّن أيّ أحد أن يضع فيها مايريد ويوجهنا وفق هواه ، ونسبح من خلالها في التأملات والآراء والإتجاهات بمختلف مشاربها
... ويمكن القول أنَّ عدم إدراك قيمة الفلسفة في مجتمعنا يقف خلفه عدم إدراك لأهمية علم النفس تحديدًا والعلوم الإنسانية ، ونتيجةً لهذا الضعف لدينا في تطوير العلوم الإنسانية والإرتقاء بها نتج عنه إقصاء كلي للفلسفة
... وتبرز أهمية الفلسفة من خلال الموضوعات التي تبحث فيها وتهتم بها ، مثل (الوجود والإنسان والحياة والمعرفة والحقيقة) وغيرها من الموضوعات والمسائل ، بالإضافة إلى كونها تجعل الفرد في طريق لا نهاية له من البحث عن حقائق الأمور ، وتلك الميزة تكفي لإبراز دور الفلسفة في حياة الإنسان
... ويعرف (كريستيان وولف) الفلسفة أنها العلم بالممكن من حيث ما يمكن تحققه بالفعل ، أما (كانت) ، يقول أنها المعرفة النظرية المستمدة من التصورات ، أما (فيخته) يقول أنها علم المعرفة ، ويختلف عنهم (هيغل) أنها البحث في المطلق ، أما (أوبرفج) يؤكد أنها العلم بالمبادئ ، وهذا التعريف يوافق عليه الكثير من فلاسفة العصر الحديث ، حيثُ يرون أنَّ مبحثي المعرفة والمنطق يجب أن تقتصر عليهما 
... ومن خلال الفلسفة تتحدد المعايير الأخلاقية كما يرى (لوك) لأنه في أيّ مجتمع تُحارب فيه الفلسفة ، يصبح بيئةً خصبةً لنمو الأيديولوجيا ، وإن كانت الفلسفة تهدف إلى إعادة الإنسان إلى إنسانيته كما يرى (ريكور) ، فإنَّ من يحاربها فهو يحارب الإنسانية ، كما أن الفلسفة تحرِّر العقل ، وعندما يتحرَّر العقل تجد هذا الإنسان يخرج من القطيع ، حيثُ أنَّ غياب الفلسفة يؤدي إلى كثرة القطعان التي تنقاد إلى قائدها الذي يرعاها وينظِّم سيرها ويوجِّهها كيفما يشاء ، مستخدمًا عصا الأيديولوجيا ليهش بها على قطيعه ، وكذلك تجعل الإنسان في طريق مستمر من البحث ، لأنَّها تولِّد لديه الشغف نحو البحث والمعرفة ، كما أنها تجعل الإنسان يدرك الأمور وينظر إليها نظرةً شموليةً
... وإلى لقاء في الجزء الثاني مع الفيلسوف المتمرد (ديوجين الكلبي) إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق