ما لي أراها بعدُ جَنينًا ،بدتْ كنقطةٍ اختبأتْ بين وريقاتٍ كأنّها تطلبُ الدفءَ والاحتماء !
رفيقاتُها الجاراتُ رحنْ يقلّدْنَها، فتراهنّ جميعُهنّ يتهيّاْن للولادةِ، ويتوثّبنَ للنُهوضِ والاكتمال.
ما أن تشرقُ الشّمسُ وينتشرُ الضّوءُ حتّى تستفيقَ، فتمرُّ عليها أنتَ لترى لمعتَها وتُحسَّ بانتعاشِها. وما أن يأتي الظّلامُ حتّى تراها تغفو بسلامٍ وأمانٍ ، وإلى يومٍ جديدٍ وانتعاشٍ آتٍ .
ويا تشرينُ يا شهرَ العطاءْ
أما آنَ النّدى خيرًا وماءْ؟
فيا صباحاتِ الخيرِ، ها هي جارتُك قدِ انتفختْ واستدارتْ واستطالتْ. ويا لهُ من تكاثفٍ أنيقٍ متساوٍ بعجَبٍ من خلقِ الله!.
قناديلٌ وصُوَرٌ .. فيها من الأشكالِ والألوان ما يجعلُك تُسَرُّوتحمدُ الله .
أمّا الحمدُ فالخيرُ كثيرٌ، وربُّ العرشِ معطاءٌ كريمٌ. وأمّا ما يُسِرُّك فهو ما يُريحُ منكَ العينَ ،ويُفرحُ فيكَ القلبَ . ألوانٌ تنوّعتْ!.. فيها الأخضرُ، وفيهاالأخضرُالمشوبُ بحمرةٍ ،ومنها ما صفا بلونٍ خمريٍ لمّاعٍ يستهويكَ ،ويثيرُ فيك الإحساسَ بالرّضا، ويبعثُ على كثيرٍ من الإعجاب.
ترمي عليها السّلامَ والتّحيّة ،وعليك تردُّ بأحسنَ منهما. تعالَ واملأِ السّلالَ والخوابي.
وما أنت فاعلٌ يا متقاعدُ ،وأيدي العملِ يحبُّها الله ؟
ها أنتَ ترتدي ثيابَ العملِ، وإلى تلكَ الشّجرةِ الواسعةِ والقائمةِ بثباتٍ منذ أعوامٍ تنطلقُ . عيناك هما السّبّاقتان إليْها، يدفعانِ بك، لتدورَ حولَها وتعرفَ من أين تبدأ ؟
وتمدُّ يدَكَ وليس يُغنيك عن قطفها شيءٌ ، حبةٌ وراءَ حبّةٍ، ولكَ أن تمرِّرَ يدَيْك الإثنتيْن لتغرفَ من غصينٍ امتلأ حبّاتٍ وحبّاتٍ ، فتراها بعدَ سُويْعاتٍ قد تراكمتْ، لتمتلئَ السّلالُ ، وتشعرَ أنت بغبطةٍ وانشراحٍ لذيذَيْن .
وكرَّةً أخرى ترى نفسَك متسلّقًا لتصبحَ في عبِّ هذه الخيّرة المعطاءِ . غُصينٌ وراءَ غُصينٍ . تُشَلِّحُهُ ما عليهِ فلا يبقى إلّا وريقاتٌ أبتِ اليباسَ لتبعثَ في أجسادِ حاملِيها الحياةَ . وتلكمُ هي الشّجرةُ المباركةُ التي وإنْ آذتْها الرّيحُ والثّلوجُ والعواصفُ فهي تأبى إلا أن تكونَ، وصامدةً .
ما يُسلّيكَ وأنتَ فوقُ ، أنّكَ تتّكئُ على غصنٍ ،وقد شعرْتَ بشيءِ من التّعبِ . ولا بأس وقد أخذك العمرُ وأضْنتْك الأيامُ أن ترتاحَ قليلًا، وتروحَ لتُسلّي نفسَكَ وجسدَك بغمغماتٍ هادئةٍ ،شبهِ صامتة تتذكّرُ فيها أيامَ الصِبا فتُغنّي (هيهات يامّ الزّلُف عيني يا صبيَة ، لا تكسري بخاطري ، وبتزعلي عليّا . ) لوديع الصّافي ، أو تُدندنُ ب(يمّا القمرْ عالباب نوّر قناديلو، يمّا أردّ الباب، ولّا أناديلو ) للسّيدة فايزة أحمد ، وب(أهل الهوى، يا ليل، فاتوا مضاجعْهم ) لسيّدة الطّرب أمّ كلثوم.
هو تصابٍ, مضحكٍ ومؤذٍ في آنٍ ، يرافقُه التفكيرُ بقيمةِ هذه الشّجرةِ ، وقد ذكرَها ربُّ العالمينَ بقوله سبحانَه والتّينِ والزّيتون ..
فيا حبّةَ الخير يا ابْنَةَ (المونةِ)، ويا زائرةَ المعاصر . كلّ عامٍ وأنتِ الخيرُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق