مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الجمعة، 10 يناير 2025

تحت الشمس بقلم محمود عبد الفضيل

قصة قصيرة 
تحت الشمس 
للكاتب المصري م محمود عبد الفضيل 

في التسعينات و في مرحله المراهقه وبدايات الجامعه 
كان أكثر حاجة استفزتني هو الثنائيات اللي يشوفها بين الطلبه و الطالبات و كل مرة احاول التقرب لبنت تحصل مشكله ام بمشاجرة كبيرة أو شكوي لإدارة الكليه مع التهديد بالفصل في حاله التعرض للبنت مره أخري 
و بالفعل قررت تغيير اسلوبي في التعرف علي البنات مع استمرار الاستراتيجيه في الحصول علي علاقة بأي شكل 
وبالفعل بدأت في تجميع ارقام بعض البنات و الاتصال العشوائى بهن خاصه أن الاسره في الخليج و أقيم بمفردي في شقتنا القديمه ،و مع كل اتصل انتحل اسم مستعار و كل مرة يكون نصيبي من المكالمه هو السب و تلقي سيل من الشتائم وكأن الفتاه تنتظر المكالمه لتفريغ جم غضبها علي المتصل 
في ظل هذا العبث و مع محاولاتي اليائسة اتي صوتها يتكلم بكل رقه وترحب بتعارف علي غير العاده وانا أتعجب من هذا التجاوب الغير معتاد من فتاه يظهر من صوتها أنها في العشرينات و لكن مع بدايه المكالمه أخبرتني أنها مصابه بشلل و تتحرك علي كرسي متحرك و تعيش مع والدتها بعد وفاه الأب و تسكن في أحدي الاحياء المتوسطه 
لم اهتم بذلك الوصف ربما كان اختيار لها علي جديتي في التواصل أو أنها تحاول أن تفلت من التعارف بهذه الطريقه الساذجه فكيف لشاب أن يتحدث مع فتاه قعيده فهي لن تخرج معه ز بن يفكر في الارتباط بها و لكن. الأغرب أن مع توالي المكالمات بدأت أشعر بألفه غريبه و احساس لم اعهده من قبل فهي تتحدث عن الرضي و الايمان و رغم توقفها عن التعليم الا أنها تقرأ الجرائد و المجلات و ملمع بالكثير من الموضوعات حتي انتي كنت استشيرها في بعض الأمور و وجدت منعا رحله العقل و النضج المبكر 
وفي أحد المكالمات الليليه التي اعتدت عليها حيث أصبح لنا وقت ثابت نلتقي فيه و تصحبني إلي عالمها و همومها و إيمانها بالحب أخبرتني أن والدتها تريد أن تلتقي بي في البيت مع دعوه علي الغداء و كن تعجبت من معرفه والداتها بالأمر و لكنها أخبرتني أنها للتخفيف علي أمها اي موضوع و أن أمها علي علم بعلاقتنا من اول يوم 
قررت أن البي الدعوه حتي اتاكد من أنها قعيده وحتي اراها علي الحقيقه و الواقع بعد أن رسمت في خيالي صورة لها من خلال صوتها الناعم و رقتها و الموضوعات التي تتبعها 
حملت علبه شيكولاته من النوع الفاخر و اتأنقت و كأنني ذاهب إلي خطب أو عرس . الشارع في قمه الهدوء ومظلم و العمارة التي تسكن بها قديمه نوعا ما ويغلب عليها الشكل التراثي صعدت درجات السلم برشاقة و فتحت أمها الباب
ورحبت بي و جلست في الصالون حتي أتت أمامي و هي تجر الكرسي المتحرك برشاقة و هي في كامل زينتها هي بالفعل ذات وجه ملائكي مثل صوتها ذات بشرة ناصعه البيضاء و عينان ملونه بدرجات مختلفه من ألوان السماء تختلف حسب اتجاه اضاءه المصباح المثبت في اعلي الغرفه 
دار حديث طويل بيننا في شتي المجالات و مرت الساعات وكأنها لحظات وطابت منها في اخر اللقاء أن ادعوها غدا مع والدتها للتنزه في المدينه و الذهاب إلي الحدي الحدائق العامه لقضاء اليوم 
كم كانت سعيده بتلك الدعوه فهي لم تخرج منذ سن أن بعد أن يئست من الشفاء وقررت التوقف عن العلاج 
و في اليوم التالي خرجت معها بصحبه أمها و كم كان الجميع من المارة و رواد الحديقه في غايه اللطف معها تبتسم للجميع و تتلقي الورود و التحيات و الابتسامه وهي سعيده و ضاحكه 
و في نهايه اليوم ودعتها بعد أمام باب الشقه علي وعد باتصال في اليوم التالي 
في صباح اليوم التالي رن التليفون الارضي ربما والدي يتصل من الخليج ا و والدتي تستغل ذهاب والدي إلي العمل للتحدث معي و لكن هذا ليس اتصال خارجي الرنه واضحه قمت من سريري متكاسلا وبمجرد أن رفعت السماعه تلقيت خبر وفاه فتاتي العقيده من والدتها التي أصابها الانهيار 
توجهت إلي منزلها بسرعه و شاركت في مراسم تشييع الجثمان و كتبت علي الباب بقلم اسود تاريخ وفاتها
وظل هذا اليوم عالقا في ذهني أكثر من يوم ميلادي 

بعد عشرون سنه بعدما عدت من الخليج و أصبحت من كبار رجال الأعمال أعلن عن ماراثون الكراسي المتحركه بقلم كل عام بحضور كبار الشخصيات و الجمعيات الخيريه 
علي أن تقام التفاعليه يوم ٢٠ مارس من كل عام 
التاريخ المكتوب بالقلم الاسود علي باب المقبرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق