مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

ذاكرة للنسيان بقلم علوي بن محمود

ذاكرة للنسيان .
رواية قصيرة
عدد الفصول ٨
علوي بن محمود
الفصل الأول :

قبالة شط البحر انتصبت ثلاث عماير من عشرة طوابق اُخراهم دار ضيافة آل الجلييدي وهي كفندق حسن الخدمات خصصه ملحف الجلييدي لكل من نزل من ريف بلدته قاصدا العلاج او قضاء حوائج في عاصمة البلد 

بينما استقرت أمه في الطابق الثاني من العمارة الأولى
بينما خصص الطابق الأول كصالون استقبال للدار وتوزع بعض اخوته و اخواته في الطوابق العليا     

كان ملحف هو ثالث الأخوة يسبقه اخوين وكان له ثلاثة اخوان واختين أُخريين من ابيه من زوجة ثانية سكنوا في العمارة المجاورة

اما ملحف فقد استقر في الطابق الأول تحت الارض (البدروم ) متشاركا السكنى مع مخازن الدار التي استودع فيها مؤونة الدار من طعام وشراب وخصص الطابق الثاني تحت الأرض كجراج يحوي سيارات الأسرة من ضمنها ثلاث لاستخدامه الشخصي 

يتناهى صوت صراخ وزعيق يرن في المناور التي ينتهي احدها الى حجرة ملحف يفتح عينيه رويدا رويدا شاعرا بصداع خفيف اثر سمرة الليلة الماضيه ويتنهد في صبر ويقول ( يا باسط ابسط لنا الرزق وكف عنا البلاء )

ويجر خطواته صاعدا الدرجات الى شقة امه في الطابق الثاني ويزداد صخب الصراخ 

يدخل الصالة حيث بسط طعام الفطور واذا زوجات اخوته واحدى اخواته في نزاع عقيم ينقل بصرة بين المتخاصمين وينظر الى امه التي ابتسمت كمن يقول ( ماشي باليد حيلة )

يرمق اخته بنظرة صامتة فتكف عن الجدل فيتوجه بالحديث الى زوجات اخوته فيقول. :
 * ( يا خير بكم و بترحابكم ١ مالي اسبوع من يوم جيت من الغربة وانتم لكم خمس ايام تصبحون من الصبح في شرح وعناء كاه ٢ صبرو عدكم سبوعين وانا قدنا بنقلع لاريف البلاد ومعد بكمل الشهر )
 ترد عليه اخت زوجة اخيه الأكبر التي تسكن معهم ايضا هي وزوجها واولادهم فتقول ( واه ٣ ياملحف بغيت بتفر البلاد وتخل ٤ نحنا في عصيد حلها وبعدين طر ٥ حيث ما بغيت )
 تتجرأ عليه أكثر زوجة اخية البكر وتصرخ شف ٦ يابن الدريك ٧ شفنا لغبنا ٨ من خدمة الدار وانته تحنبص ٩ علينا هاتلك ١٠ شغالين يخدمون داركم 
وتضيف بحنق وماهو من مالك ياالدنو ١١ يالمسهوك ١٢ من مال ابوك ذي تتلفه في سمراتك ياذا الدعله ١٣

تأزارها اختها من صدق انك خام ورام ١٤ وعيفه ١٥ خميت ١٦ ورث اخوتك وخليتهم في ضيق 

يبتلع ملحف سيل الاهانات اللاذعة ويرد على زوجة اخيه الاكبر ( اوه ١٧ يا كنه كني ١٨ غير انه يشتط على اختها وانتي( يا العفوا ١٩ خشي ورمي ٢٠ )

وينظر الى امه برجاء ويقول ( ايش تشوفين ٢١ يامه صح انا كلت حق خوتي ) فتهز رأسها نفيا بأن لا لانهم قد اخذو ميراثهم كاملا وما هم فيه من سعة وخير هو شقاء ٢٢ ملحف من سنوات غربته لإحدى وثلاثين سنة متدرجا في العمل الفندقي حتى اصبح مديرا لفندق كبير وجمع رأس مال لا بأس به استثمره في اقامة عدة فنادق في عاصمة وطنه مخصصا باقي ثروته في اعمال تجارية صغيرة ومتوسطة من محلات البقالة وسوبر ماركتات وافران الخبز وما شابه ذلك 

تهدأ الجلبة في شقة الوالدة ولم يكد ملحف يجلس متناولا حبتي تمر ومع اول رشفة من فنجان قهوته الا ويصعد اخيه البكر ( منتصر ) ويقول ياملحف هذا سواق جاك من طرف حمد المجلجل ويقول خفله ٢٣ في العجل هو بغاك ٢٤ في امر هام 

يتلقف زوج اخت زوجة اخيه الأكبر الأسم ويتلاكع ٢٥ متهكما ايوى ايوى قدك عند المجلجل وهات يا بقش ٢٦ هلي كأنك الا ناقص بقش طيب خل لنا من الطيب شمه 

يصم ملحف اذنيه عن صهر اخيه على مضض ويكرع مابقي في فنجانه ويهب ناهضا متوجها الى اخيه الأكبر بأحترام قائلا : ( والله يا منتصر ال المجلجل ماقد عرفتهم الا انهم من هل ٢٧ بلادنا قدر الله بنروح لحمد هذا وبنشوف ايش شفه ٢٨ )

ويمضي نازلا الدرج غير ناسيا الغمز واللمز الذي تلقاه منذ قليل وفي شروده حائرا ركب مع السائق سارحا كيف يحل خصومات الدار بين الحق والمحقوق وبين ما نشئ عليه من عادات وتقاليد سالف الأولين ٢٩ وبين ما يقتضيه حاضر الوقت وما يمكن ان يطلقه من سعة من ماله الخاص فاخوته لم ينالوا حظه من الرزق والبركة ومهارته في التجارة وهو على كلن ليس واسع الثراء انما من اواسط الناس بعد ان يخصم مصروفات دار الضيافة وما يقدمه من عون وما ينفقه في شهري سياحته ورحلاته في اقاصي بوادي ريف البلاد 

وها انه في مصعد برج المجلجل وكانت هذه اسرة تجارية عريقة امتهنت صناعة عصير الجِلجِل ٣٠ ومشتقاته من حلاوة طحينية و طحينه في بداياتها الأولى لتصبح علامة تجارية عملاقة متنوعة الشركات الصناعية محليا والأستيرادية خارجيا

يمد ( حمد ) يده من خلف مكتبه العريض الى ملحف ويقول يا مرحبا مرحبا بسعادة السفير الجلييدي

صافحه ملحف وهو يقييم نوع الترحيب فما بين ما بدتله غطرسة او غرور ومابين نبرت الصدق التي تحسسها في صوت مضيفه 

فيرد عليه حيابكم جيناكم على عجل عسى نسعفكم في المقصود والجود الا من الموجود 

يرد حمد على راسي وعيني ووالله انني كنت باجيك عاني ٣١ الا انني بالعين مرصود عسى الله 
لا يخيب ٣٢ ظنك وظني 

ثم يعقب في ود ايش رايك نبسط ٣٣ سوى على المقسوم 

يشكره ملحف قائلا قد سبقانكم لكن بسطوا انتم وانا هاتولي قلاص شاهي حمر ثقيل بصم راسي بطير سمرة البارح 

يقهقه حمد ويقول قد بسطنا كماكم ٣٤ هيي ... ٣٥ ياعيال هاتولنا شاهي ثقيل

ويكمل حمد صدق قالوا انك محب للسمر يا سفيرنا 

يرد ملحف ايه والله تعودناه من سنين بحكم العمل الفندقي قبل الخارجيه ايش نسوي قضاء ومكتوب والعيشه بغت صبر 

يخاطبه حمد والله ياملحف و اسمحلي خاطبك حاف

يجيبه ملحف تفضل انا وانته ربينا من طين واحد ٣٦

يكمل حمد والنعم بك سمعنا عنك كل خير انته في الخارجيه لك تسع سنين وكل اهل البلد يشكرو فيك ذيهم ٣٧ متغربين عندك الا انني بغيت باسمع منك كيف خلوك تترك ادارة الفندق مع كل صلاتك وعلاقاتك الطيبه مع الزباين والعملاء وتنتقل للسفارة 

يضحك ملحف ويجيب كانت لطمة في اذن صقعاء ٣٨ كنت اخدم الجايين من بلادنا ونسهل حوائجهم عند السفارة والسفير كان من عملاء الفندق ويوم مرض وتعب قام يقول لمن بغاه روحوا عند القنصل وكعفني ٣٩ بشغله وبعد رشحني احل مكانه وراح تقاعد في سكون وخلاني في بلبلة بال تسع شهور في السنة ما صدق مته تجي اجازتي وانزل للبلاد

يعلق حمد اهوو هووه ٤٠ ياملحف تقول كعفني وبلبلني وانته تحب الناس ولكن كأنك ما تحبهم الا من كلف ٤١ كل ما بغينا نتعرف عليك نحصلك عادك الا جيت نقول خله يشوف اهله ويتابع عمله ذي هنا وما يعبر شهر الا و تفر لاريف و صحاري البلاد و تنقطع شهرين وبعدها ترجع لغربتك

يرد ملحف غربونا اجدادنا غربة بعد أخرى لكن نقول الحمد لله نأدي ذي علينا ونملي عيوننا من ريف بلادنا والمزاج عالي والسمر حالي ٤٢

ينزل الشاهي ويرتشفانه في صمت لدقيقتين يستأنف بعدها حمد الحوار ويقول متنهدا يا خوي ياملحف ما بخفيك سر وانت اهله شف جماعه من المسؤولين شادين علينا ذي الايام ويضيقوا على اعمالنا على غير العادة وتشابكت الخيوط كلها لقداك ٤٣

يستفسره ملحف وانا ويش قداي ٤٤ انا في الخارجية وما شي حولي ذولاك طوول

يوضح له حمد لا ياملحف ما نته ٤٥ متهوم ٤٦ بشي الا الأمر عند واحد من صحابك ذي تجلس معهم وخفض صوته اذ ينطق اسم ( جنفل المعد ) ليصمت بعدها حمد من هيبة جنفل اذ كان له صولات وصيت رهيب ولا احد يعرف مركزة في الدولة فلا مسمى وظيفي له في ديوان خدمة البلد مما اضفى عليه هالة من غموض مخيف

يصمت ملحف لبرهة من الوقت يتأمل خلالها وجه صاحبة و يقرأ في ملامحه مصيبة كبرى ربما تناله شخصيا في عواقبها

ثم يجيب حمد اسمع وبا قولك ٤٧ جنفل ( قفقفي صميم ) ٤٨ وكل ما يجي قداه ٤٩ خطير ولا مأمن من عواقبه وما قد كلمته في شغله ابدا رغم انه في بيننا شغلات جم ٥٠ ولا بيطيعني ان جيته من باب الود يباله توداد ووده مزاجه ومزاجه عسر ولعله يرضى و يغفل و يبصرنا ٥١ في غوط ٥٢ المسألة

و يردف ملحف وانته ياحمد عليك شرطين:

اولهما تكتم السر لان فيها راسك قبل راسي فقد تشفعلي الجلسات و الصحبة اما انته فقد يصير بك حاصب ٥٣ فوق ذي حزك ٥٤

يجيبه حمد السر مكتوم قول يا لجلييدي ايش الثاني

يرد ملحف الثاني تصبر على المكتوب وان كان مُر ولا الربوع الغبر ٥٥ بيحط عقرنك ٥٦ عساك من السالمين 

يجيبه حمد بأضطراب المضطر يركب الصعب 

يتناول ملحف ورقه وقلم ويكتب موجها نظره الى حمد ويقول انته بتضطرنا الى كريهه وانا مضطر اكشفلك شيئ من خصوصيات جنفل لذا كن حريصا و لا توصي بها الا في صندوق خشب مايعرف ايش داخله حتى الي بيجيبه ٥٧ وما يكون الا ثقة من قداك 

ويكتب على الورقة قارورتي ويسكي معتق لثلاثين سنة ويناولها لحمد الذي يقرأها بلهفة ويجيب بخيبة ظن صدقت يوم قلت انها كريهه لكننا في اشد الاضطرار 

يسترجع ملحف الورقه من حمد ويخرج ولاعة سجائره ليحرق الورقة ويرمي رمادها في المنفضة

ويقول لحمد صاحبنا ماله مواعيد خل ٥٨ من بيجيب ٥٩ الحاجه يجي لنقسمت الليلة انهو ٦٠جاء نزلها له وان ماشي خلها السبوع الجاي وبأجل سفري لين نشوف العاكي ٦١ منين يجي 

يتحمس حمد المجلجل ويدعك كفيه في فرح وتلهف ويهتف بملحف ابشر ابشر ياملحف وكل ما تطلبه بكومه يحن ٦٢ ويرن قدامك 

ينتصب ملحف فجأة واقفا على قدميه وقد انقلبت سحنته وملامح وجهه تحمر من الغضب ويصرخ في انفعال انا جيتك لعندك وفي حاجتك وقدمت لك اننا ربينا من طين بلده واحده وانته قمت تهينني و تجرحني وانا في مكانك من ذي قالك ٦٣ انني في يوم شليت ٦٤حاجه من حد خدمته انما يرد الجميل اهل الجماله ٦٥ ومن جحد نكر نفسه ٦٦

يذهل حمد في صدمة مفاجئة من سورة غضب ملحف الذي يكمل شف ٦٧ يابن الناس كلمتي ما ترجع ادي ذي عليك وذي علي عندي واهانتك لي بردها ٦٨ قفى ظهري عسى ظنك السوء تكذبه الأيام فخذ وقتك ويخرج ملحف من مكتب حمد المجلجل ساخطا قافلا الى داره و بعصبية ركب تاكسي رافضا ان يوصله سواق المجلجل. 

علوي بن محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق