مِنْ مُضَيِّقِ الخِنَاقِ نَسْلُكُ دُهْلِيزَ الزُّجَاجِ، حَيْثُ الْوَطَنُ قَفَصٌ أَضْيَقُ مِنْ شَهْقَةٍ، وَأَرْحَبُ مِنْ حُزْنِ الْأَزَلِ. الْخَطْوُ يُوقِظُ تَحْتَنَا تَثَاؤُبَ الْأَرْضِ مِنْ تَكْرَارِ الْمَوْتِ، وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ عَلَيْنَا صَدَأَ الرَّصَاصِ بِلَا مَوَاسِمَ. إِلَى مَتَى يَظَلُّ الْوَجَعُ يَرْتَدِينَا، وَنَحْنُ لَسْنَا سِوَى غِلَالَةٍ ضَعِيفَةٍ عَلَى جَسَدِ الرِّيحِ؟ يَا أَيُّهَا الْحَاصِدُ الْغَاشِمُ، جَفَّتْ مَحَابِرُ الْعَدِّ، وَتَآكَلَتْ أَوْزَانُ قُبُورِ الْغِيَابِ. كَفَانَا هَذَا اللَّيْلُ الَّذِي يُسَيِّجُ صُدُورَنَا بِظِلِّهِ، حَتَّى نَغْدُوَ شَوَاهِدَ فِي مُتَاحِفِ الْفَزَعِ. نُرِيدُ شَرْخًا فِي الْجِدَارِ، نَافِذَةً تُصَالِحُنَا مَعَ وَمِيضِ نَجْمَةٍ، وَحِوَارًا لَا يُدَثِّرُهُ صَلِيلُ الْبَنَادِقِ. قَبْلَ أَنْ نَصِيرَ نَحْنُ الْحُطَامَ، سَنَصْرُخُ بِوَجْهِ هَذَا الْمَدِّ الْأَسْوَدِ، بِصَوْتٍ يَرْفُضُ التَّكَسُّرَ: كَفَى! فَاللَّهُ مَا أَوْدَعَ الْقَلْبَ فِي الصَّدْرِ لِيَكُونَ صَخْرًا يُتْعِبُهُ النَّحْتُ، وَلَا الرُّوحَ لَتَغْدُوَ بُخَارًا فِي عَتَمَةِ الْبِئْرِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق