كُلَّما طالَ الغِيابْ..
نَبَتَتْ في مَمَرَّاتِ ذاكِرَتي جُمَلٌ مُؤَجَّلَة
وَصَارَ الوَقتُ مَحضَ عِبْءٍ
كَخُطواتِ غريبٍ تَعثَّرَ في مَتاهَة.
تَحوَّلَتِ المَقاعدُ الخَاويةُ إلى مَحاراتٍ تَحبِسُ صَدى حكاياتٍ قديمة،
ونظرتُ إلى ظِلِّي.. فلمْ أَجِد فيهِ أثراً لِضحكتِنا،
تِلكَ التي كانتْ تُسقِطُ عَن كاهِلِ الروحِ إرثَ التَّعب.
كُلَّما طالَ الغِيابْ..
أيقنتُ أنَّ المَسافةَ ليستْ فَرَاسِخَ وأَميالاً،
بل هيَ كلماتٌ وُئِدَتْ في حَناجِرِ الصَّمت،
وهيَ "حضورٌ مُضاد"..
يأكلُ من حوافِّ أرواحنا ليقتاتَ عليهِ الانتظار.
أيقنتُ أنَّ الحنينَ لا يَغزِلُ من خُيوطِ الصَّبرِ شِباكاً لِلصيد،
بل يَغزلُ كَفناً لِلوقتِ الذي لا يَمضي بِنا.. ولا يَمضي عَنَّا.
رُغمَ تَصَحُّرِ المَدى.. أرى في جَفْنِ الفجرِ وَجهَكَ المُرتقَبْ،
وأسمعُ في تَجاعيدِ العُمرِ.. إيقاعَ خُطواتِكَ وهيَ تَطحَنُ آخِرَ ذَرَّاتِ البُعد.
سَنلتقي..
لا لِنُعيدَ لِلصَّمتِ صوابَهُ فَحسب،
بل لِنُعلّمَ التاريخَ كيفَ يُطوى في كفِّ عائِد،
ونَجبرَ كَسرَ الحَكايا.. ونَزرعَ في ثُقوبِ المَسافةِ بذورَ الذُّهول.
سَنلتقي..
لِنخلقَ وقتاً لا يشبهُ الوقت،
فما زالَ في القلبِ مُتَّسعٌ لِعِناقٍ يَختَزِلُ الأبديَّة،
يَمحو مَرارةَ الوُقوفِ على حافَّةِ الانتظار،
ويكونُ.. آخِرَ طلقةٍ في صَدرِ العَدَم.
#بقلم ناصر إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق