طفلٌ يتربعُ على عرش الجحيم
لا يريد أن يكبر
طفلٌ يرنو بالكلام و بقسوة الكلام و يقاوم
الزمن ليحيا مصادفةً برقصة
الريح
فوحده يحلق فوق البنفسج غيماً
أبيضاً
يسافر نحو السماء كي
ينسى
و أنت تعد بأحلامك في المنام العصي
فلا تنكسر في الصباح
و إن تأخرت فلا تنتظرني بين رعشات
البرق بموسم
المطر
يقولُ طفلٌ و هو بفوهة الموت
لا تعودوا
إلى طفولتي لتسرقوني
طفلٌ يتحايل على الموت و يتناسى موعده
كأي غريب في مدينةٍ
مهجورة
فيمشي و يمشي و يمشي مع الريح حافياً
فوق ظله فرحاً بقلبه
المكسور
طفلٌ مليءٌ بالغموض و بالجراح فلا يجس
و لا يمس
طفلٌ كبير يمضي لحلمهِ المنشود في خياله
البعيد و لا يعود مع
الليل
طفلٌ يحرر طيور ظلامه من صدره المسكون
بالآه نحو المدى الطويل
يحاول أن يصطاد من ساحة الأوهام بقايا
حياته لكن قد خله
الأثر
فهل طلع على لياليه الخالية من السلام
الصباح ظلاماً
فتحجر مثلي هناك لكي يتماشى مع الزمن
المريض
أم إنه توحد مثلي بكآبته و كان هناك في الحكاية
وجعٌ آخر
كأنه مثلي لا يتحمل صورته بالولادة
و حظه السيء
فهو الغريب الذي لم ينتصر بعد على النسيان
ليعيش
و هو الغريب الذي قد تنحى عن صورة الحياة
جانباً و أخذ درب الهوامش قسراً
ليرتاح من العبث
فقد جاء كأحد الغرباء لماضيه العتيق
لكي
يوسع لنا بجرحه الواسع و يمضي في طريقه
نحو النفق
طفلٌ مازال يحمل صورة الإله المعظم بين يديه
و هو يغني له بالبكاء و
الأنين
من دربه على الركض نحو الأحزان قبل أن
يضحك ليومه الجميل
من تناثر للبعيد و رحل من حياته و تركه يشبع
من الزلات بألم الخذلان
فهو لم يأتي للحياة لينكسر مثلي أو ليموت
على قلبه الصغير
كالحجر
فهناك طفلٌ لا يريد أن يكبر ليتعذب و لا يريد
أن يموت في المساء قبل ظهور
القمر
و ربما أقول ربما فأظنه بأنه لا يريد أيضاً
أن يبكي
كما أبكي أنا على السنين التي تمضي بخيبتها
و لكنها لا تمضي
فلا تحملوا بصورته الحانية بمخيلتكم حتى
لا يتوه أكثر بين دورب
المنفى
فلما لم تموتوا كلكم قبل زمنه لينجو من سوء
المسير في المتاهات قبل وصولكم
لحياته البسيطة
فهل مات هو قبلي بدرب النسيان دون أن يدلني
على غيابي البعيد لأعانقه
معاتباً كسرته
أم مازال هناك شيءٌ ما يؤجل موته المستعجل
عني إلى وقت آخر أقل
وجعاً
فالطفلُ الغريب كانه يشبهني و ربما يكون
هو أنا
أو ربما أكون أنا هو
لا فرق بيننا فنحن فقد ولدنا معاً كالحجر
و كبرنا معاً منهزيمين بكل
العناوين
و ها نحن نبكي معاً بالحسرات و نموت معاً
بذات اللحظة بكل
الكلام
فهو الوحيد الذي دلني على وجعه القديم و بكى
على الذكريات
و انا الوحيد بدوري دليتهُ على وجعي القديم
و بكيت معه على
الذكريات
فهو الغريب الذي لم يحلم بالحياة يوماً ليعيش
مثل الآخرين
و مثلي هو يتألم دائماً بالحرمان و كلما طلع
الفجر بكى و ارتعش من الخوف
من الآتي
فكن كنجمٍ بعيد يسطو على كل الغياب يا سيدي
و انفجر حجراً كي لا تشعر
بالحنين
فأنا مثلك يا سيدي الصغير لقد تهت على دروب
الملح
و انكسرت مضرجاً خلف
السنين
طفلٌ هناك بقي بذاكرتي يرجع بذاته المكسور للوراء
و يتعثر دوماً بالصور
القديمة
طفلٌ لا يريد أن يكبر فلا أمان له معي مع طول
النهار
و ليس لديه بيت لكي يحتمي به من التعب و
ليس لي
فهو الوحيد الذي لا يعشق أي فتاةٍ و هي كاملة
النهدين
و مثلي هو لا يسعى ليعمل علاقةٍ مع إمرأة
متزوجة
فالخسارة ثم الخسارة ثم كآبة الوحدة الضاربة
هي ثوب طوقه الأبدي
في العدم
فهو يفترش بالأوجاع بخيبته و يعد بالإنكسارات
حتى صباحهِ البعيد
و كأنه هو حجرٌ لا يشيخ بالكلام المصتنع من
الأوجاع في القصيدة
لكنه في المساء دوماً تراه يبكي بدموعي بالكتابة
مع الضجر
فهو السريع البديع في البكاء و هو البطيء الوضيع
بالندم في البلاء
فهو الكئيبٌ الحزين يصارع ظله الطويل و لا يعرف
طريق الأزهار
فمثلي هو لا يحب الإنتظار على شرفات الوجع
طويلاً و مثلي هو بكل باب
منهار
فأنا لا أقرأ من قصائد الحب و الرومانسية بالعاطفة
و بالحنين
و مثلي هو لا يقرأ من قصائد الحب و الرومانسية
بالحنين
فكيف حملتني يا أيها المكسور لذاتك المعد بالهلاك
و أنت كعلة الأقدار في لعنتي
تستميت
فأعد بترتيب كل الأشياء في حياتك يا طفلي المشع
بالإستعارات
و ما تحمله لي من نكساتٍ و بشكل الهزائم المطل
علينا من نوافذ السماء
فعد بخيبتك للقصيدة سالماً مثلي يا أيها المسكين
و رتب بالكلام ما تشاء من
المحن
فتعال يا أيها الطفل المحنك بالغياب إلى عناق
آخر أقلُ وجعاً لننكث تحت
ظلال الأمس
تعال نتحد معاً كتوأمين على اطراف العمر الحزين
دون أن نبكي
فإقترب إليَ يا سيدي لنعتق الحنين القديم
بالحنين
فعلامك ترحل بموتك المشتهى
دوني
تعال لنرجع إلى ما فينا من كل أشياء التي تشبهنا
من هناك إلى هناك و نرسم لرحلة
أخرى
فهذا الوشاح الكحلي من عبثية الكلام لا يغطي
سماء أحلامنا كله
و لا يأخذنا لننضج أكثر بالأغاني السعيدة إن
نجونا معاً من الموت
الأخير
فقل لي يا أيها الطفل المسكين يا سيدي
كيف حملتني كالقرابين و كسرتني بالحرمان يا
أيها البعيد
فكن سيدي يا سيدي لتكون سيدي
فالحياة هناك كانت حياتي و الذكريات كانت
ذكرياتي
فلا تمضي بإنكساري
أكثر
فهل مللتني يا سيدي من وجعك الطويل فرميتني
في بحر الهلاك بسقوطنا
الأزلي
يا ليتك تركتني هناك لوحدي على باب الحكايات
دون وجعاً و مضيتَ لوحدك
دوني
طفلٌ صغير بقي هناك ورائي يداعب بصور
أيامه الأولى
طفلٌ يبكي على الذكريات فهو لا ينام ككل الناس
إن خلوا لجهة الأحلام و هم يفترشون
بسقف السماء
و هو مثلي لا يفكر بالوقت إن تنهد بالحسرة أمام
البيت على الغائبين القريبين
فيقول لكل العائدين بغبارهم من معركةٍ بعيدة
مع الحياة و هم منهلكين
و محبطين
ماذا كنتم تفعلون بظلام ليلي الطويل هناك يا أيها
العائدون من جرحي
الآخر
فهل ملكتم حياتي كلها هناك و حملتم بنعشي
من بين الركام كي أشعر بالحنين
لحياتي المسلوبة
أم تجاهلتم موتي و نعشي للنسيان و عبرتم
كل زمني إلى زمنكم
القاسي
قالوا .... و هم متوطئين الرأس
لم نكن لنحيا دون وجعك هناك و لم نمت كما
الآخرين ماتوا فرحين بموتك
الطويل
فالقد انكسرنا في الحلم لألف مرة هناك
دون أن ندركه
و مددنا بالسنوات وجعاً خلف السنوات و كأننا
حجرٌ
و لم نعلم كيف كان شكله ذاك الطفل الذي تنهد
و مات على الحلم الضائع
فلا نعرف كل التفاصيل التي دوت بالصدى
و لا كيف مات وحيداً قبل
الكلام
قد كتبنا عنه كل الشعارات الكاذبة للإنتفاضة
و مزقنا لحمه و كل حياته
لينكسر
فتمردنا عليه و تظاهرنا حفاةً و عورات على الوقت
و أحرقناه بالنار و بالأيام
و إرتزقنا لألف شبح و كلب و لم ننتصر عليه
بعد حتى ذاك الفجر
البعيد
و لم ننتصر على الذين من هددونا بالموت
مبكراً
إن قلنا كان يجب علينا أن نعيش بدونه لنكبر
بالحرام أكثر
و ماذا بعد يقول الطفل المسكين
لهم
لقد علقتا بأرواحنا المليئة بالعذاب على صورته
و على صدر الشيطان
كالصليب
و ماذا بعد ... ؟
و بدلنا كلاباً بالكلاب في حياتنا و بشكل أحلامنا
الكافرة
فخيبتنا الظنون و أهلكتنا كل فنون الهلاك
و أصبحنا كلاباً ككل
الكلاب
و مضينا نحو البعيد بلعنة الجنون نحو حرامنا
و نمنا خائبين كافرين
ثم دفنا ورائنا بين جدران بيوتنا المنهارة كل
ذكرى كانت
و عدنا إلى زمننا العاهر و نحن نروي بأرض الهزيمة
بخسارتنا منتصرين عليه و
خاسئين
وقف الطفل المسكين هنا بعد سماع هذا الكلام
المباح
و تنهد بالحسرات و قال ..... ؟
لما طعنتوني حتى القيامة هكذا و لماذا و أنتم كل
حياتنا قلت لهم
فهل بكت عليَ أمي عندما شاهدت جنازتي اليتيمة
و هي معلقة في الهواء
المر
قالوا نعم قد بكت كثيراً و كثيراً حتى ماتت
وحيدةً و هي تبكي على
الحجر
فإذا كان عليَ أن أعتذر منها و أحمل نعشي للبعيد
لجهةٍ أخرى
لكي أجس وجع الرحيل بوحدتي و بالفراغ
بعدها
و يجبُ أن أعتذر من نفسي أيضاً طويلاً
و طويلاً
طويلاً يا أيها الوجع لأنني قد خنت كل شيء
بداخلي
و انتظرت كل السراب
فالقد دربت قلبي عليك جيداً لأتعود معك قهراً
و على الألم
ف نسيته و نسيتك يا وجعي
ورائي
فأمضيت بحياتي الطويلة كلها عدماً بالخسارات
و بألف عمرٍ
زهقت بروحي المتعبة و أنا المكسور
بكامل نقصاني
و قد كانت كل إمنياتي هي مولدةٌ بموتها
قبل ولادتي
فلماذا يا سيدي كل الطرق مستكلبة عليَ وحدي
و هي تعيدني و تشدني لذات
الخيبة
فخذني إليك يا أيها المستحيل من سردية اللاوقت
من بئر العذاب
و قل لمن كسروك هناك و عذبوك على أبواب
الحنين للذكريات
لقد خنتم بقايا أرواحنا المدفونة بين أوجاع القيامة
و كسرتم خيرَ ما فينا
من حياة
فعودوا يا أيها الراحلون كما كنتم دائماً غرباء
و راحلون
عودوا كما كنتم في البداية قبل أن تكسرونا
قبل أن تعرفونا غرباء و غرباء
و غرباء
فلا تعبثوا بكل حينٍ بذاكرتنا وجعاً يا أيها البعدين
عن بيوتنا بصور الذكريات
فهناك طفلٌ لا يريد أن يكبر معي بكل
الأوجاع
و هناك طفلٌ بداخلي لا يريد أن يموت على حدود
النهايات مبكراً و هو يحمل برائة الملائكة و
طيب السماوات
فخذني إليك يا أيها المستحيل لعالم الأموت
البعيدين البعدين
و لا تمتحن بقايا حياتي بكل قصيدةٍ أكتبها و لا
صبري الطويل بالوجع مع الإنتظار
على أبواب الوحي
الثقيل
فأنا معزولٌ تماماً عن كل شيء في هذه الحياة
المليئة بالخراب
فهذا أنا طفلٌ لا يريد أن يكون الموت هو
لعبته الأخيرة
و لم أعد أحتمل بشرود الكلام في قصيدةُ العذاب
بكل العذاب
فمازلت أبكي على ذاتي المفقود و على أيامي
الشاحبة المستحيلة
و أدمى خاشعاً بالخضوع الراهن الهزيمِ
في الإنكسار ......
ابن حنيفة العفريني
مصطفى محمد كبار ٢٥/ ١١ / ٢٠٢٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق