الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

الوثنية مصلحة وليست دين بقلم إبراهيم بن عبدالعزيز بن رشيد الزعبي

 بسم الله الرحمن الرحيم

مقال بعنوان ( الوثنية مصلحة وليست دين )

لابد لمن أراد أن يجري دراسة علمية منظمة لظواهر الوثنية خصوصا أو الشرك عموما في مجتمع ما أنه سيجد ان الوثنية التي تؤدي بطبيعتها إلى الشرك ماهي بالأساس إلا عبارة عن فكرة تولدت في هذا المجتمع نتيجة عدد من المورثات والعوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تضافرت فيما بينها من خلال التأثر والتأثير على الحالة الفكرية والعقلية والعاطفية والحسية  الخاصة بهذا المجتمع لتشكل بدورها حزمة من التصورات والإجراءات التبريرية لصياغة معتقداتها التي تدعم المظاهر التي تشكل الأرضية الاولية لدى المجتمعات لبناء قواعدها العقدية 

فالشرك بالأصل نتيجة وليس هدف بحد ذاته وفي حال توهم البعض بأن الشرك هو هدف فليعلم أنما هو هدف مرحلي يطمح مجتمع ما من خلال إقامته إلى أن يحافظ على نظامه السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي وبمجرد وجود مثل هذا المبرر يجعلنا نؤكد أن الشرك نتيجة وليس هدف إذ لولا وجود الضرورة التي نتجت عن المعطيات المؤسسة لوجود هذه الضرورة لما وجدت الحاجة لهذا الهدف أبدا وفي حال تحقق الوصول للهدف ستنقلب الأولويات ويصبح الهدف خادما للمعطيات محافظا على بقائها واستمراريتها متكاملا مع مسيرتها ومصيرها وهكذا يصبح الشرك ليس غاية أو هدف بحد ذاته بل هو نتيجة حتمية لتلك الظروف السابق ذكرها 

وعليه فإن وجود هذه الظروف والمعطيات هو البيئة الخصبة لوجود هذا الهدف ( الشرك ) وهذه الاسباب في جملتها هي اسباب نظرية تتعلق بشكل نموذج المعرفة في المجتمعات الإنسانية 

وفي قريش نلاحظ وجود نظام اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي فاقد لشرعيته ومصداقيته ووجوده الحضاري بالمقارنة مع محيطه من المجتمعات الإنسانية التي لم يستطع أن يقدم لها أدنى مستويات المساهمة في البناء الحضاري آنذاك مع العلم أن المجتمع القرشي كان يتربع على البقعة الجغرافية الاقدس في قلوب العرب وهذا ما جعله قبلة اجتماعية وتجارية وسياسية بكل ما تستدعي الكلمة من معنى وفي اقصى مدى تصل اليه في مستويات ابعادها آنذاك 

رغم هذه الأهمية للموقع الجغرافي والحالة الاجتماعية المؤهلة للنهوض الحضاري لم يكترث المجتمع القرشي بلقامة إي مظهر من مظاهر التحضر المنطلق من الذات ولم يتكلف عناء البحث عن الكمال القيمي والأخلاقي والعلمي لاقامة هذه الحضارة وذلك لأنه قد اشبع ذاتيا بالتعالي والافتخار الناجم عن اعتقاد أفراده باستحواذهم على كمال الاخلاق وأفضلية العرق واستحقاق السيادة وهذا بالتأكيد ما ادى الى التكاسل عن حالة البحث نحو الكمال الذي يعتبر الدين من مناهلها المهمة

وهذا بلا شك أدى الى وجود أزمة تراكمت مع الزمن وأحدثت خلالا كبيرا أدى إلى الحاجة الماسة لملئ البعد العقدي الخاص بقريش وجغرافيتها بعيدا عن التأثر باليهودية والنصرانية المجاورة لها فكان لابد لقريش من إيجاد النظام العقدي المستقل للحفاظ على مكانتها المتعلقة بالأمور السياسية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تشكلت ونتجت بالأساس عن مجموعة المناسك والشعائر المتعلقة بالحج والتي كانت لا تستظل بمظلة عقائدية دينية البتة !!!!! 

ثم لا بد من الإشارة هنا الى الشعور بالخلل والنقص بعد حادثة ابرهة الحبشي وتلك المقارنة التي جرت ما بين البيت في مكة والكنيسة التي أقيمت في اليمن ودعوة العرب إلى ترك الكعبة والحج إلي الكنيسة وبدء مناقشة قدسية هذا الاعتقاد الديني ومقارنته بحالة الفراغ والتشوه العقدي في الأوساط القرشية  

بالإضافة الى عدة عوامل محيطة بالمجتمع القرشي وجغرافيته والتي كانت تشوش عليه كالسلب والنهب والبطش وقطع الطرق أمام قوافل الحجاج وايضا جور المعاملات داخل المجتمع المكي والظلم الذي يتعرض له الحجاج في كثير من الأحيان بشكل مباشر بالإضافة إلى الرغبة الحثيثة لإيجاد حالة من الخضوع للقوانين والاهواء التي تخدم مصالح القرشيين كل ذلك كان يمثل رغبة ملحة لدى قريش بان تظهران ما بخارج مكة من حالة الفلتان والانحلال وعدم الانضباط مختلفة تماما عن ما بداخلها وأن داخلها المتمثل بعادات وتقاليد وصور مجتمعية ( قد تبدو مستهجنة للمراقب أحيانا ) متعلق بعقيدة مقدسة متسايرة ومتلازمة مع قدسية الكعبة والمسجد فيها

وهذه العوامل بالإضافة إلى أخرى سلطت الضوء على الهوة التي كادت تصيب المجتمع القرشي في مقتل لذا أرادت مرجعيات قريش وزعمائها أن تضفي شيئا من الخصوصية العقدية على المجتمع المكي آن ذاك بطريقة محسوسة امام الحجاج العرب خاصة ثم أمام المحيط الحضاري المتمثل بفارس والحبشة وروما عامة ( والمحيط العام طبعا كان لا يعني قريش كثيرا بالمقارنة مع وضعها مع محيطها الخاص المرتبط بالكعبة والحجيج كما أن هذا المحيط لم يكترث يوما بالمجتمع المكي) 

وايضا الحاجة الماسة لإقامة شيء مشابه لهيآت ومجالس الافتاء او التشريع التي تصدر عنها تعاليم متعلقة بالدين تدعم من خلالها الموقف السياسي والاجتماعي والاقتصادي مع حاجتها لوجود دين يكون سببا في تقوية العصبية القبلية واللحمة السياسية الاجتماعية على شكل المجتمع القرشي آنذاك ( وهذا سبب عداء رئيسي لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام حيث أن دعوته جاءت مفككة لهذه المنظومة الشركية وكل ما يتعلق بها من مكتسبات )

فكان لا بد لها من إيجاد غطاءا شرعيا في شكله ( ولو كان مخالفا في مضمونه ) ليغطي هذا العور ويسد هذا الخلل وهذا ما أدى بطبيعة الحال الى صياغة مشروع تظهر فيه قريش ان لها ضوابط فكرية تقوم من خلالها باظهار شكل ما من اشكال المعتقد التي تقوم عليه تعاليمهم الدينية وكان خيار اتخاذ الاصنام وما تمثله من الحاله الشركية هو أسرع الخيارات واقلها تكلفة وعبئا وأكثرها اتاحة أمام أساطين المجتمع المكي ( الذين تدرعوا الجهل جلبابا ولم يكلفوا انفسهم عناء المضي في مشروع حضاري مهما كانت هويته فضلا عن أن يكون مشروعا حضاريا منبثقا عن الحالة القيمية القرشية ذاتها ) فمن أين سيأتي هؤلاء بمفكرين وفلاسفة وعلماء أو كتب سماوية مستقلة تبني لهم هويتهم مع الحفاظ على البعد السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي الخاص بهم وبمصالحهم ؟ 

فكانت فكرة الدين المرتبط بالاصنام هي السبيل الوحيد لعدم التبعية للحضارات المجاورة وهو السد المنيع أمام الأديان المتعلقة بالكتب السماوية المتمثلة آن ذاك باليهودية والنصرانية كما أنه هو المشروع الوحيد الذي لن يتنازل أي مشروع حضاري أو ديني آخر لمنافستهم به أو لمقاسمتهم شيء من مكتسباته مع ميزة خلوه من المرجعية الفكرية والعلمية التي ستكون سببا للنقد والمحاسبة أدى كل ذلك لسد الفراغ وتغطية العور وتسخير الحالة العقدية الجديدة في قريش لحماية مكتسبات ساداتها والحفاظ على مصالحهم وكياناتهم تحت شعار ( هذه الهتكم وهي بحمايتنا ورعايتنا وما حمايتنا ورعايتنا لها إلا سببا لحمايتها ورعايتها لنا ولكم ) وفعلا تم لقريش ما تريد فالآلهة هنا تحت سيطرتها وفي خدمة مصالحها وتضفي شرعية غير مسبوقة على كل تصرفاتها وبمعرفتهم 

لذلك لا يوجد ادبيات عند القرشيين تدعم نظريتهم الدينية وتؤصل لافكارهم ومعتقداتهم ولا وجود لمؤلفات قرشية آنذاك تحدد شكل وملامح المجتمع القرشي التي تقوم على اسس عقائدية بل كل ما هنالك أنهم قاموا باجراء اسعافي لسد هذه الثغرة ومن ثم استأنفوا حياتهم الاجتماعية بناءا على عاداتهم وتقاليدهم المعمول قبل ظهور الاصنام في الجزيرة العربية مع بعض التعديلات البسيطة 

                                                                                                                                                 كتبه 

                                                                                                                                           راجي عفو ربه 

                                                                                                                             إبراهيم بن عبد العزيز بن رشيد الزعبي 

                                                                                                                                            مكة المكرمة

25/04/1443



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

أحيانا تمر بنا لحظات بقلم إغراء أحمد بدور

أحيانا تمر بنا لحظات  نود أن ننفصل عن العالم أن نعيش في صمت كامل فنبتعد دون نقاش أوعتاب نبتعد لأننا اكتفينا من التعب  تعبٌ أحال فصول حياتنا ...