الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

فلسفة الجمال بقلم رماز الأعرج

 صباح الجمال والفن والحكمة 

*فنجال*  فلسفة الفن والجمال

رماز الأعرج , 

حين نسلم أنفسنا بكل مشاعرنا الوجدانية للجمال والفن والقيم الجمالية العميقة نستطيع أن نحقق أكبر قدر من الشعور بالرضا والسعادة , وحين ننسجم مع الكل الكوني والروح العميقة للوجود نعيش حالة من النشوة الكونية السرمدية التي تعم الكائنات  كلها ولكن كل ومستوى تطوره البيولوجي و العصبي والوجداني 

2:نحن والتجميل والتزيّن:

التجميل والتزيّن عادة قديمة مارسها الإنسان عبر التاريخ ومنذ نشوء مفهوم الجمال والوعي الذاتي والجمالي بدأ الإنسان بتجميل مقتنياته وتزيِينها بإضافة النقوش والزخارف عليها، وقد كانت في البداية ذات طابع جمالي بحت، ولم تتضمّن أي معانٍ رمزية بقدر ما هي جمالية (بالإمكان العودة إلى كتاب الصورة والاطّلاع على نماذج وأمثلة مع شرح حول الفن الطبيعي والفن الرمزي الطوطمي  والميثولوجي لاحقاً) لقد زيّن الإنسان أدواته  ومن ثم ذاته وثم زيّن عالمه بكامله، وهكذا أصبحنا لاحقاً لا نجد شيئاً من صنع الإنسان إلّا ونجده مزيّناً ومجمّلاً مهما كانت حاجته الاستعمالية، ومن النظرة الأولى لأي شيء من حولنا مما ننتجه سنجده مجمّلاً ومزيّناً ولا نكاد نجد شيئاً يخلو من ذلك،

وقد زيّن الإنسان جسده ذاته بقصّ الشعر وتلوين الجسم وتعليق الحُلي والزينة على الجسد، وأقدم قطع أثرية للحلي عثرنا عليها حتى الآن، عثر عليها في المغرب، حيث اكتشف علماء الآثار حليّاً صدفية مصنوعة من محار البحر يرجع تاريخها بعد الفحص إلى 105 آلاف عام، طبعاً تاريخ الإنسان العاقل والمنتج للجمال، الواعي المدرك يرجع تاريخه إلى أكثر من ثلاث مليون عام وقد أشرنا في الفصل الأول إلى ذلك التمثال الطيني المتحجّر الذي يرجع تاريخه إلى هذا الزمن، وهو دليل على أن الإنسان قد عرف الجمال وإنتاجه كقيمة فنية من قبل ذلك بكثير.

لقد تطوّر مفهوم التجميل لدى الشعوب بحسب بيئتها ومحيطها ومعتقداتها، وعند السومريّين كانت النساء أكثر اهتماماً بالتجميل والزينة، فلم يستخدم الرجال الكثير من التجميل، استعملوا الكحل للعين مثلاً والأقراط وغيرها، ولكن بنسبة أقلّ من الفراعنة، لقد اشتهر الفراعنة بالتجميل والتزيّن واستخدموا المساحيق التجميلية وكانوا السبّاقين في تصنيعها وتطويرها، وقد استخدم الرجال والنساء المساحيق والمواد التجميلية على حدّ سواء واكتسب هذا الاستعمال طابعاً دينياً وعقائدياً أيضاً، ولو نظرنا إلى رمز عين حورس الموجودة على جدران معبد حورس، سنجدها هي ذاتها وبنفس الطريقة ترسم وتستعمل في التجميل، حيث ترسم حول العين وهي فقط من استخدام الملوك والكهنة فقط، أي أن هناك رموزاً تجميلية معينة تستخدم بشكل اختصاص وليس للعامة، لقد طور المصريّون القدامى مواد التجميل واستخدموها بكثرة وتطوّرت إلى الاستعمال الديني والمقدس، وهذا لم يقتصر على القدماء المصريّين بل ينسحب على كافّة الشعوب والأمم في استعمال الزينة والتجميل، ولكن الفراعنة امتازوا بتطوير مكتشفات كثيرة كانوا هم أول من استخدمها، بحسب مكتشفات علم الآثار .

لقد تطوّر التجميل والزينة عبر الزمن ولم يقتصر على الأدوات والجسد الإنساني بل انتشر ليشمل كل شيء بما في ذلك المسكن والمباني العامة، كالمعابد والقِلاع القصور، وقد زيّنت القصور بأفضل ما وجد في عصرها من تزيين وتجميل، وقد خصّصت للمعابد أنواعاً خاصة من الزينة وللقلاع كذلك وللقصور، ففي العصر الأمويّ مثلاً في أيام الدولة الإسلامية، حدّد شكل ما ونمط ما للفن والزخارف المقدسة حيث منعت من الاستعمال للزينة الصور الطبيعية للبشر أو الحيوانات واستبدلت بزخارف رمزية مجرّدة، ولكنها رائعة التصميم من الناحية الجمالية، وأمامنا مَثلين واضحين لنفس العصر والفترة وهي المسجد الأقصى وقصر هشام في فلسطين في أريحا، نجد في المسجد المقدّس أن الزخارف مرتكزة على اللغة والكلمات، بينما في قصر هشام اختلف الأمر تماماً، فنجد التماثيل الكاملة التي تجسّد شخصيات بعينها، من ضمنها مجسم للوليد ابن عبد الملك، والكثير من التماثيل لنساء عاريات الصدر وغيره من الزخارف والرسوم المتنوعة الرائعة والبالغة في الدقة، ومَن منا لا يعرف صورة (شجرة الحياة) الشهيرة التي تجسّد صراع الحياة في قطعة من الفسيفساء رائعة الإتقان والإنتاج في قصر هشام بمدينة أريحا في فلسطين.

 نلاحظ بوضوح في هذا المثل الفارق الكبير في الزينة والتجميل المستعمل بين الأماكن الدينية والقصور والأماكن العامة، وقد تطوّر هذا الشكل مع الزمن ليصل إلى الحالة الرمزية، حيث أصبح لكل نوع من المؤسّسات والأعمال والحرف له رموزه الخاصة به والمناسبة له، تستخدم في التزيين، سواء للأدوات أو المباني وحتى الثياب وغيرها من القضايا تصل إلى المظهر العام لصاحب للمهنة أو الاختصاص، فنعرف الطبيب من نوع زينته وثيابه والرموز المستعملة من حوله، والصيدلي كذلك، وغيرهم من المهن والاختصاصات. 

وفي عصرنا الحالي في الدول الصناعية تحديداً يمكننا أن نميّز بوضوح بين أفراد غالبية المهن من خلال ثيابهم وألوانها وشكلها، لقد اختلف مفهوم التزيين باختلاف العصر والمرحلة وثقافة الشعب ومعتقداته وظروف معيشته، وما زال الفارق في هذا المجال واضحاً بين الشعوب في التزين والجاليات، سواء الشخصية أو المتعلقة بالمقتنيات والأثاث والمباني، وما زالت حتى اليوم هناك أنواع من الزينة لا تستخدم إلا في أماكن خاصة بها ولا نجدها في غير أماكنها، أو ما ندر أن يحصل.

وفي النهاية إننا كبشر نزيّن ونجمل كل شيء متعلق بنا بما في ذلك شكلنا الخارجي ذاته، فهو مصنّع ومجمّل بطريقة وشكل نعتقد نحن أنه جميل ولكننا لا نعلم مدى صحّة ذلك ما دام موروثاً ولم نختَره، ولا نعلم على وجه الدّقّة ما هو المعيار الجمالي الذي تحدّد على أساسه هذا الجمال، ولدينا مثال التقليد أو (الأزياء) في عصرنا مثلاً، فما أن يظهر  شكل معيّن من الثياب حتى ينتشر على نطاق واسع كالنار في الهشيم دون أن يفكّر أحد به وبقيمته الجمالية بل نسلك سلوك القطيع في التقليد دون تفكير أو وعي في مدى قيمة الشيء أو معناه بل نقلّد وحسب، وهذه من أكبر كوارث البشرية المعاصرة، حيث يتحوّل الإنسان إلى العبودية المقنعة وانعدام الخيار والتفكير والخصوصية حتى في أبسط القضايا الخاصة الشخصية للفرد.

وفي النهاية بإمكاننا القول أننا كبشر غارقون في الجمال والزينة بشكل لا يصدّق حيث أن كل شيء في حياتنا مزيّن ومجمّل ولا من شيء يبقى على حاله، فكل شيء يخضع للتجميل والتصنيع قبل أن أدخله في نطاق استعمالنا، وهذا ينطبق على كل الأشياء حتى البالغة في الجمال حسب رؤيتنا، فحين نقطف الأزهار لا نقطفها عشوائياً بل ننتقي منها انتقاء بحثاً عن الأجمل، وثم نقوم بتنظيفها ونزع الأوراق الزائدة، ونرتّبها بطريقة ما ونضعها في منتجات جمالية أعدّت خصيصاً لهذا النوع من الاستعمال، وجمّلت ما أمكن من تجميل وتزيين، وبذلك نرى أن أجمل ما نجده في الطبيعة من جمال نقوم أيضاً بتجميله وترتيبه حسب أذواقنا، وما ندر أن نترك شيء على حالته الجمالية الأصلية حين إدخاله من ضمن ما نستعمله من أشياء. وهذا دليل على أن الإنسان هو كائن جمالي بامتياز واضح لا لبس فيه وإننا كبشر يشكّل الجمال مزيجاً أساساً وهاماً من وعينا وسلوكنا وأفكارنا ومعتقداتنا ويدخل في كل شيء في الحياة، وحتى الموت وطقوسها التقليدية، الاجتماعية والدينية.

سديم 

 الخردل من النباتات الطبية المعروفة والغذائية  والتجميلية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

أحيانا تمر بنا لحظات بقلم إغراء أحمد بدور

أحيانا تمر بنا لحظات  نود أن ننفصل عن العالم أن نعيش في صمت كامل فنبتعد دون نقاش أوعتاب نبتعد لأننا اكتفينا من التعب  تعبٌ أحال فصول حياتنا ...