تحية الامل والفكر ولإرادة
الشيفرة الكونية
5 التفكير الحدسي المنطقي
شكلت قضية مفهوم الحدس في التفكير إشكالية فلسفية عميقة في فهم الفكر الإنساني, فهناك الكثير من المفاهيم المتناقضة حيناً و المتشابهة آخر قد على غبار صراعاتها عبر تاريخ الفلسفة القديمة و الحديثة , و الحساسية هذه الإشكالية سنفرد لها مساحة خاصة كافية لإيضاحها.
و سنبدأ بتعريف مفهوم الحدس و ماذا يعني هذا المصطلح من الناحية اللغوية و الفلسفية و في المعجم الجامع وجدنا حول هذا الاصطلاح ما يلي
حدس, فعل
0 حدس, إدراك الشيء إدراكاً مباشراً من غير الاعتماد على خبرة سابقة.
0 الحدس, إدراك الشيء إدراكاً مباشراً.
0 الحدس, الفراسة و الذكاء.
و هناك الكثير من التراكيب و الاستعمالات اللغوية لهذه الكلمة و لكنها تدور حول نفس المعنى في الغالب و هناك الكثير تختلف في المعنى و الاستعمال و لكن لا يوجد ما يناقض هذه المعاني المذكورة و التعابير.
و منذ القديم شغل هذا الأمر الفلاسفة, من الفراعنة إلى السومريين إلى الهنود الأمريكيين و الأسيويين و بلاد فارس و اليونان و ما تلاهم من ثقافات لاحقة كالثقافة العربية ولإسلامية و غيرها, و كل من سبق ذكرهم و غيرهم قد بحثوا في موضوع الحدس و اختلفوا حوله من سقراط الذي رأى أن المعرفة و الحكمة تصدر عن وحي و حدس داخلي ذاتي و حالة يعيشها الإنسان, و بذلك كانت رؤيته للحدس رؤية مثالية كاملة في النهاية على خلاف أرسطو, المادي الذي اعتبر المعرفة و الفكر نتاج للمادة و العالم الخارجي, و من أهم إنجازات أرسطو صاحب نظرية العناصر الخمسة المعروفة حتى يومنا هذا ( الماء الهواء و التراب و النار) اختلاطها و تفاعلها نشأت و تكونت جميع الأشياء.
و يعتبر أرسطو أن أساس المعرفة هو الإحساس المباشر, أي أن التجربة الحسية هي أساس المعرفة, و ينتقل الإنسان من المحسوس إلى المجرد و يعتبر أن المحسوس ضن, بينما المجرد هو يقين, أي بعد أن حصلت التجربة ذات الضن وصلنا إلى اليقين, و اليقين هذا سيقودنا إلى اليقين مرة أخرى بحيث أن مجموعة من اليقينيات تقودنا إلى يقين نظري جديد و حصيلة القول أن أرسطو لا يؤمن بوجود أفكار سابقة على التجربة, و بذلك فالحدس الذي يراه في النهاية رغم كل التباساته هو حدساً مادياً نتج عن تجربة ما, و ليس عن وعي ذاتي غير مدرك كما عند أفلاطون المثالي المتميز.
أما أفلاطون فقد اعتبر أن المعرفة الحقيقة لا يمكن للحواس إدراكها, و ما الحواس سوى صورة خيالية بل جزئية للواقع و اعتبر أن معرفة الحقيقة تدرك مثالياً ذاتياً من خلال النفاذ إلى جوهر الأشياء مباشرة, أي عبر الوعي و لا حاجة إلى الحواس الخادعة لعمليّة كشف الحقيقة.
إن الحدس لدى أفلاطون عملية مثالية ذاتية بحتة (ما وراء الطبيعة) تحكمها و لا يمكن أن يحققها أي إنسان بل هي من خواص النخب و الموهوبين الذين تمنحهم الآلهة هذه الخواص و الميزات الذهنية الخاصة, لقد تقاطعت و اختلفت الرؤية الفلسفية لهذا الأمر الشائك منذ فجر الفكر و الفلسفة.
و الفكر الديني على العموم يعتبر أن الحدس المعرفي هو مسألة خارجة عن الطبيعة و ما زالت هذه الفكرة سائدة حتى يومنا هذا في الكثير من الأديان , و في الفلسفة الحديثة و المعاصرة ما زال الجدل و الانقسام على أوجه رغم كل ما وصل إليه العلم من مكتشفات و حقائق عن وعي الإنسان و معارفه حول هذه المسألة, و لعدم الإطالة يمكن العودة إلى كافة المراجع المتعلقة بهذا الشأن المختلفة و الاطلاع عليها لمن يرغب في التوسع.
و نود هنا الإشارة إلى قضية هامة قبل الدخول في فهم الشيفرة الكونية لهذه القضية, إن للماركسية فهماً غريباً و ملتبساً لهذه القضية, ففي كتاب (يخوت) مثلا يوجد نصاً في سياق مفهوم المعرفة و الحدس يقول ( كتب لينين يقول من الحدس إلى الفكر المجرد و منه إلى الممارسة ذلك هو الطريق الجدلي لمعرفة الحقيقة, لمعرفة الواقع الموضوعي) انتهى الاقتباس يوضح لنا هذا النص بلا أي التباس.
إن الحدس له علاقة بالإحساس مباشرة و له مفهوماً مختلفاً كلياً عن مفهوم الحدس الذي نتكلم عنه فالحواس الأولية هي أصل جميع الأفكار هذا صحيح و لكنها ليس الحدس ذاته, فالحدس شيء مختلفاً عن ما هو وارد في هذا النص, فالحدس يأتي قبل الفكر المجرد على حد قول لينين في النص المذكور, و هذا معناه أنه إحساس مباشر سابق للفكرة , و هذا يعني أن الحدس هو عبارة عن انعكاس مباشر لأشياء العالم في حواسنا, أي أنه مرحلة بدائية المعرفة أو الفكرة و سابقاً لها, في الوقت الذي نرى في الفلسفة المثالية أن الحدس هو مرحلة متطورة من مراحل المعرفة بل هي من اهم أشكال المعرفة و الكشف عن الحقائق.
إن هذا المفهوم المسطح و المبسط للحدس الذي يفترضه لينين و الماركسية من بعده يجعل من مفهوم الحدس شيء مسطح لا معنى له, و لا وجود أصلاً, فلا فارق بينه و بين الحواس و الإدراك الحسي الأولي, و بهذا يكون هو من أبسط مراحل المعرفة, و الطرف الأخر المثالي فهو يرى أن الحدس هو أرقى أشكال المعرفة و ارقاها فما هي الحقيقة إذاً.
إن الشيفرة الكونية ترى الحدس على النحو التالي
الحدس هو ذلك الشعور الذي يسيطر على الإنسان أثناء تتبعه لحقيقة ما و محاولة اكتشافها و هو ليس مفاجئ على الإطلاق, أي أنه تراكمي و لا يمكن وقوع الحدس دون وجود مقومات مادية لوقوعه, إن الحدس هي تلك اللحظة التي نشعر بها أن أمراً ما هو حقيقة يقينية و هذه الحقيقة اليقينية لا يمكن أن ندركها بدون أي معرفة سابقة مهما كانت بسيطة.
و للإنصاف علينا تقسيم مفهوم الحدس حسب وجوده الحقيقي و هو على النحو التالي
1 الحدس الغريزي الإدراكي.
2 الحدس المعرفي التجريدي.
3 الحدس العلمي و ألابتكاري.
4 الحدس الاحتمالي الخيالي.
5 الحدس المستقبلي قريب و بعيد .
6 الحدس الوهمي الغير واقعي.
رماز الاعرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق