مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأحد، 27 فبراير 2022

الياسمين والريحان بقلم عبد الكريم ضمد الشايع

الياسمين والريحان)
 قصة قصيرة
 كادت غزارة الأمطار أن تُغرِق حديقة الدار، لولا الساقية التي حَفَرَتْها ياسمين بتجاه الباب الرئيسي، ومن ثم إلى الشارع الذي صار نهراً بسبب الغزارة.
 كان ينظر من نافذةِ حجرتهِ نحو زوجته والتي قامت بمهمة صرف المياه عن حديقة المنزل. دلفت وهي تهمهم:
 = لا أعتقد سنقوم هذا الأسبوع بأجراء العمليتين.
 أجابها بصوتٍ خافتٍ يعتصره الألم.
 = أتعتقدين هذه الأمطار ستستمر أسبوعا آخر.
 نفضت مَلحَفها السميك الذي تبلل من جراء مياه الأمطار.
 = بعد غدٍ سنجري العمليتين وسوف تتكللا بالنجاح
    إن شاء الله. 
 عشرة أعوام وهم يتبادلان الحب دون كلل أو ملل، لا روميو
 وجوليت، ولا قيس وليلى مثلهما، لم يتخاصما، أبداً ولم يتشاجرا يوماً ما، كانت حياتهم عبارة عن حب في حب، ذات يوم رن جرس هاتف الزوجة، أخبرها المتحدث، أن زوجها قد غُمِيَ عليه، ونقل إلى مستشفى المدينة، هرعت الزوجة مباشرة إلى المستشفى، وهناك رأت زوجها بين عدد من الأجهزة الطبية، وكادر طبي يحيط بسريره. سألها الطبيب:
 = من أنت؟ 
 = زوجة المريض 
 = هناك شك في توقف الكليتين، ولكن سنعرف في الساعات القادمة القليلة وما يظهره التقرير الطبي. 
 صرخت الزوجة بصوت عالٍ، مما اضطر الطبيب إخراجها من غرفة الطوارئ.
 في اليوم التالي وضعت رأسها بالقرب من رأس زوجها، وحلقت تطير مع فراشات الربيع وطيور الحب التي تقفز من مكان إلى آخر داخل قفص كبير ملون بألوان القوس قزح في وسط حديقة الحيوانات. أمسكتْ بيدهِ و امْسَكَ هو إلآخر بيدها شعرت بسعادة كبيرة وهو يشتري لها من بائع الزهور زهرة الياسمين الجميلة. قال لها
 = أُحبكِ بقدر جميع أزهار الياسمين.
 قالت:
 = أُحِبّك بقدر جميع عطور الأزهار، وألوان الفراشات الملونة.

 فتح عينيه تَدْرِيجِيًّا قال لها:
 = حبيبتي ياسمين.
 تبسمت وهي تمسح دموعها بمنديل ورقي
 = حبيبي ريحان... الحمد الله على سلامتك. 
 = أين أنا... يا زوجتي العزيزة
 = أنت في المستشفى يا سويداء قلبي.
 = أخبريني..... لا أتذكر شيء.
 = لقد غُمِيَ عليك وانت في العملِ، وقد حملكَ بعض
 زملائك إلى هنا.
 = وماذا قال لك الطبيب.
 = إن شاء الله خير... سيظهر التقرير في هذا اليوم، أخبرني الطبيب بذلك.
 غادر هو الآخر إلى حديقة المدينة، حيث أصوات البلابل على شجرة الصنوبر، وإلى أوراق شجرة اللبلاب وهي تتدلى على بحيرة الأسماك الصغيرة الملونة، انحنت على صدره تحمل زهرة الياسمين فراح يدنن بأغنية لأم كلثوم (ومشينا في طريق مقمر وعدونا فسبقنا ظلنا).
 أخبرها الطبيب، أن التقرير يحمل في طياته أنه يعاني من فشل كلوي في واحدة، والأخرى ضعيفة جدا. سألت الطبيب وهل من باب يعيد لها زوجها سالما.
 أخبرها إلا في حالة زرع كلية ورفع كليته الفاشلة، فأخبرته
 بأنها مستعدة بأن تتبرع له بكليتها حتى يقوم زوجها سالما غانما لها.
 أخبرها الأخير عليها إتمام الفحوص الطبية الكاملة للطرفين.
 وبعد الأمطار الغزيرة تم إجراء العمليتين لهما وكان النجاح حليفهما. فرحت الزوجة بعودة الزوج الحبيب إلى بيتهما،ومن ثم مزاولة عمله في مصرف المدينة.
 سنة واحدة مضت على إجراء العمليتين، بدأت الزوجة تظهر عليها أعراض جانبية فبدأ الوهن يصيب بدنها، فلجأت إلى الرقود على فراش المرض، بدأ الزوج يتذمر من حالت زوجته التي باتت تتدهور تدريجيا، وبدأ هو من يقوم بأعمال البيت.
 ذات ليلة رن جرس هاتفها الجوال أخبرها المتكلم أن زوجها ومنذ ثلاثة أشهرتزوج بامرأة أخرى وعنوانهما في........ وأُغلِق الهاتف.
 حاولت الزوجة أن تنهض من فراشها، فقط تريد أن تتحرك داخل حجرتها، لقد تحركت ذكرياتها وتألمت مشاعرها على الرغم من أنها لم تصدق ما سمعته
 خلال هذه المكالمة السريعة وبعدها بقليلٍ شعرت هناك خطب ما قد حدث، دنت من نافذة حجرتها تنتظر قدوم زوجها، أفكار شيطانية أقنعتها بانه خان العشرة، بعد أن كان ميتا فأحيته بقطعة منها ، وهي كذلك، فَتَحَ زوجها الباب الرئيسي، ومن ثم دخل إلى حجرة الاستقبال، وبعد ذلك إلى حجرة نومهما. وجدها واقفة، تَبَسَمَ بخبثٍ حينما رأها تقبض بكفها على مقدمة سريرهما. قال لها:
 = الحمد الله....... أراك واقفة. 
 = أوقفتني مكالمة هاتفية... لا أعتقد ان أخبارها تسرك
 = ومن المتكلم.
 = لا أعلم... ولكن الصوت صوت امرأة
 توقف عن اللعب بمفتاح سيارته، ووضع يده على جبهته ثم مررها رويدا رويدا حتى وصلت إلى نهاية ذقنه
 = وماذا قالتْ لكِ تلك المرأة.
 = أنك متزوج منذ ثلاثة أشهر
 تغيرت ملامح وجهه وبدأت تتلعثم الكلمات والعبارات
 في فمه، خرجت أول كلمة بعد سكوت طويل.
 = نعم
 = نعم ماذا
 = تزوجت.
 ترقرقت دموعها.. نزلت دمعة ساخنة جرفت نعومة
 خدها الناعم، واحرقت راحت يدها وهي تمسحها. قالت
 = من أين أبدا معك يا حبيبي، من الحب الذي عبدتك فيه بعد الله، من لذة الأطفال التي حرمت نفسي منها لأنك لا تستطيع الإنجاب، ورضيت بك حبيباً جميلا رائعا في قلبي، من القطعة التي انتزعتها لأجلك حتى تعيش ونكمل الدرب معا. لله درك يا ريحان تخليت عني في أول قفزة نهر، تخليت وأنا أقترب من الموت.
 وقف الزوج كوقفة أبي الهول في وسط الصحراء قال لها:
 = رأيت نفسي خادما في هذا البيت وعملتُ ما عَمِلتُه ربت البيت في بيتها، ففكرتُ بشخص ما يعينني ويهتم بشؤوني.
 قالت:
 = ويوم كنت أنت هنا وعلى هذا الفراش... من كان يخدمك، من كان يحميك، من كان يقبلك قبلة الحياة حتى تعيش يوما آخر. باستطاعتي أن أجلب لك خادم أو خادمة
 ولكنني رفضت ذلك لأنني أنا من كنت راغبة بخدمتك وتهتم بطلباتك.... وباستطاعتك اليوم أن تاتي بخادمة وتقوم بخدمتنا، والاهتمام بشؤوننا ونحن ممن أكرم الله عليهم بالمال، ومنع عنهم العيال. ولكن للأسف شهوتك شيطان مارد، دفعتك أن تخون من أحببتك ووقفت بجانبك في السراء والضراء بكل ما هو جميل ورائع في الحياة.. اسمع أيها المراهق... ارغب بإعادة الجزء الذي هو مع أحشاءك.
 فتح فاه، وتسعت عيناه من هول الصدمة التي تفوهت بها زوجته.
 = تريدين موتي
 = لأُعيد حياتي.

 وفي الأسبوع التالي وقفت الزوجة أمام القاضي بعد أن رفض الزوج التخلي عن كلية زوجته. 
. قال القاضي:
 = ما هو السبب الذي جعلك تريدين استعادة ذلك الجزء
 قالت:
 = أولاً.. يا سيادة القاضي... هي الخيانة الزوجية، والتضحية المأسوف عليها.
 ثانيا... انا على وشك الموت بسبب فقدي جزء مهم من
  جسمي واتمنى استعادته حتى اعيش.
 امرت المحكمة بأعادة الجزء الى الزوجة وباسرع وقت
 ممكن.
 وبعد اجراء العمليتين باسبوع واحد، وقفت الزوجة بالقرب من سرير زوجها ، ولكن هذه المرة لم تغادر الى حديقة الحيوانات تداعب فراشات الربيع وطيور الحب، بل اصطحبت معها الزوجة الثانية، وأيقضت الزوج المنهك والقريب من حافة الموت.
 = جئتك بمن تُريد ان تتبرع لك بالعافية.
 الزوجة الثانية:
 = انا غير مستعدة ان اكون مع زوج الموت اقرب له من الحياة وكذلك انا جديدة العهد معه ولا أزال أتمتع في عز شبابي . (خرجت)
 الزوجة = سأبقى معك مخلصة ولكن دون ان افقد أي جزء من جسدي.
 نزلت دمعة، تلتها اخرى، وتوالت الدموع حتى غرقت
 وسادته مثلما غرقت حديقة منزله جراء الامطار الغزيرة، ظلَ صامتاً لَمْ يَنْبَسْ بِبِنْت شَفَة.

 القاص والمسرحي عبدالكريم ضمد الشايع /العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق