الجزء الثاني عشر
عنوان الحلقة: لقاء الأحبة
تابعت سحر تقول: بعدما سمح لي الطبيب مغادرة المشفى عدت مع أهلي إلى البيت، وفعلاً ارتاحت أحوالي بعد الفضفضة مع أبونا ميشيل التي أقنعتني بأن لويس لم يخطئ معي...وكم طلبت من الله أن يسامحني على تسرعي.
فوجئت بسؤال أبي: من هو لويس عبود الذي قلت عنه مجرم خائن وكان هو سبب غيابك عن الوعي؟
فكرت بطريقة أتهرب فيها من الإجابة، لكن قلت أسلم الطرق هو الطريق المستقيم، ومن هم أهلي حتى أخفي عنهم قصتي، ومن يحبني في الكون أكثر من أبي وأمي؟ وسردت لهم الحكاية كاملة وبالتفصيل...
تبادل والدي مع والدتي النظرات وطال صمتهما، ثم قال والدي: ليس هناك قصة يبنى عليها، لويس لم يفاتحك بمشاعر تجعلك تفكرين في الارتباط به، حتى لم يسمعك بأنه يريدك شريكة حياته، وعندما يفاتحك بالأمر، سيكون لكل حادث حديث...
اليوم التالي كانت رحلة طائرتي إلى قبرص ذهابا وإيابا، لاحظ زميلاتي: طلبات الكابتن سليم كثيرة، وكان يطلبني أنا تحديدا لغرض ما. لذلك عندما كان جرس الكابتن في غرفة المضيفات كن جميعهن ينظرن إليّ، حتى أقوم أنا بالخدمة المطلوبة...
في الحقيقة أنا لم أكن معهن اطلاقاً، غالباً شاردة الذهن، أسترجع كل لحظة من لحظاتي مع لويس هذا الذي ملأ قلبي حباً وحزناً ومسؤولية رضيت أن أتحملها رغم مشاقها وصعوبتها...وكنت أعاتب ذاتي بالتسرع بأحكامي على حبيبي.
زميلاتي كن يشجعنني أن أتجاوب مع سليم، كونه عريسا لقطة، يقنعنني بأنه عريس مناسب بالعمر، والثقافة، ومن ذات البيئة الاجتماعية، وهو شاب شهم، وذو أخلاق عالية، ويملك سكنا خاصا في حارتك ووضعه المالي جيد، والأهم من هذا وذاك ستكونان معاً دائما، فوق السحاب، وعلى الأرض المسكونة...
كلام زميلاتي حقيقي، لكن الذي لا يعرفنه، هو مكنون قلبي المتعلق بذاك الحب الذي آمنت بأنه قدري ورضيت قبول تلك المسؤولية التي ألقيتها بذاتي على عاتقي، وأنا سعيدة بها.
حطت الطائرة في مطار نيقوسيا، عاصمة قبرص، قال الكابتن: سنعود بعد أربع ساعات، ما رأيكم نتجول في شوارع نيقوسيا أو نجلس في مقهى ونمرر الوقت الطويل....
نظام السير في قبرص مختلف، لا تزال السيارات تسير على يسار الطريق. رغم إنني أعتبر ذاتي سائقة ماهرة، كنت أخاف من نظام السير اليساري المعكوس...
الطبيعة ممتعة في قبرص، لكن شعور المرء إنه في جزيرة وسط المياه تشعر الإنسان كأنه في سجن كبير...
الشيء الملفت في قبرص هو: الأعلام الثلاثة المرفوعة على السواري، العلم الإنكليزي، والعلم اليوناني، والعلم التركي...
وليس فقط الأعلام، إنما الأحياء بحد ذاتها ترشد السائح إلى جنسية الحي، المرء يدرك تلقائياً هوية ذاك الحي أكان إنكليزياً أو يونانياً أو تركياً...
دخلت زميلاتي مع الكابتن سليم ومساعده في احدى (الكافتريات) أنا استأذنت وذهبت إلى السوق أبحث عن ثياب سوداء مناسبة لي ولأختي حتى نذهب لتعزية الغالي لويس...
أثناء العودة، كان المحرج بالنسبة لي هو الكابتن سليم، الذي يلاحقني باهتماماته وملاطفته، رغم إنني أعامله كقائد طائرة ليس إلا...
عندما عدت مساء إلى البيت، فوجئت بضيفة غريبة عندنا، عرفوني عليها بأنها أم الكابتن سليم... وأفهموني غاية الزيارة.
وقلت: لو كنت أنوي الزواج، لن أجد أفضل من الكابتن سليم، لكنني أنا لا أريد أن أتزوج...
اعتذرت منها، وطلبت من هدى أن تذهب معي نقوم بالواجب
قالت هدى: يا أختي هذا الذي تفكرين به، صعب بل هذا هو المستحيل بذاته، هؤلاء أربعة أطفال أكبرهم في السادسة أو السابعة من العمر، كيف ستدبرين أمرك...أطفاله بحاجة إلى مربية مقيمة، حتى بالكاد تقوم بهذا الحمل، وأنت تحبين عملك، لا أظنك تقدرين على الاستقالة، والمكوث في المنزل مربية لأولاد غيرك...
قلت: أنا مستعدة أن أخوض المعركة، هذه معركتي أنا... والأولاد سيكونون أولادي أنا...
خرجنا وعرفنا من أوراق النعوات المعلقة على جدران الكنائس مكان العزاء.
تفاجأ لويس بحضورنا، لكن ابتسامة محبة كبيرة ارتسمت على ثغره، اختلطت بدموعه السائلة على خديه. أنا بصورة عفوية تلقائية احتضنته وقبلته ودموعي سالت على وجنتيّ، وأجهشت بالبكاء. وصادف وجود أبونا ميشيل جالسا بجانب لويس... سلمنا عليه وجلسنا مع المعزين.
أنا في الحقيقة اقتنعت تماما بما نصحاني به أبونا وأهلي بوجوب الانتظار حتى أسمع من لويس ولو تلميحات يصدقها فكري وقلبي، حينها لا يمنعني غير الموت عن الارتباط به...
مضت شهور دون أن أعرف شيئاً عن لويس الغائب...
الذي حدث: قلب الموازين كلها، كنت واقفة عند مدخل الطائرة المغادرة إلى بكين، أستقبل الركاب، وأدقق اوراقهم، وإذ بي وجهاً لوجه أمام لويس...
قال: صباح الخير سحر، لماذا تختفي ملكات جمال عن الأنظار؟
الكاتب: عبده داود
إلى اللقاء في الحلقة الثالثة عشر
على الرابط
hمجموعة أحلام أنثى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق