أحلام أنثى
عنوان الحلقة: لأجل أليزا
الجزء 8
قالت سحر: لا أريد أن أحدثكم أصدقائي عن ضخامة الفندق، هو ليس فندقا، هو متاهة حقيقية في حجمه الخرافي، وعدد غرفه، من الصعب أن يكتشفه المرء بسهولة، والملفت أيضا هو جمال المفروشات الفخمة بداخله...
أنا كنت في حالة مزرية، تعبة، مرهقة، معاتبة ذاتي، بل حاقدة على من خطف كياني، دون أن يحاسبه ضميره عما فعله بي...
دخلت غرفتي، جلست على طرف السرير، وكنت ألوم حالي كيف أضعت فرصة قد لا تعوض ثانية، شاب صادفته على حين غرة، وفتح لي قلبي الموصد من سنين. كيف أتركه يغادر...
قلت: ربما هذا نتيجة كبت وحرمان سنوات، قد انفجر هذا اليوم...
بصراحة: أنا أحسست بانجذاب شديد إلى تلك العيون التي خطفت قلبي. وتمنيت ذاك الانخطاف يدوم العمر...
وصلنا، حطت الطائرة على المدرج، وغادر الركاب، وانتهت رحلة الحب، وضاع الحلم في أكبر دول العالم بعدد سكانه، ورابع دول العالم في مساحته...وتساءلت كيف أجد هذا الإنسان في هذه البلاد مترامية الحدود... هذا هو المستحيل.
قصة حب بدأت في الفضاء، والآن انتهت على أرض الواقع.
هاتفت أهلي وتكلمت طويلاً، وأخبرت أختي هدى عن قصة الشاب الأستاذ (رغيف الخبز) ولم أنم تلك الليلة كما يجب، تقلبت كثيرا، وأبت عيوني النوم، وأنا أسترجع أحداث ذلك النهار التي خربطت كياني، وشلت تفكيري، من المحال أن أنساها مهما مد بي العمر...
بدأ نور النهار يلوح في المشرق قلت: يكفيك أحلام مريضة يا سحر، وسرقني النوم...
استيقظت على رنين الهاتف، كانت متقدمة المضيفات تخبرني بأن رحلة العودة إلى دمشق تم الغاؤها ، قسم الصيانة في مطار بكين، لم يسمحوا للطائرة بالإقلاع، لأنها بحاجة إلى فحص صيانة شامل، أمنت الشركة السورية ركابها على طائرة ثانية، ونحن ننتظر في الفندق يوما أو يومين، لحين تسمح لنا لجنة الصيانة في الإقلاع والمغادرة.
وأضافت تعالي جميعنا نحتسي القهوة سوية ونتناول الإفطار ، في مطعم الفندق...
نزلت إلى المطعم، كانت زميلاتي يضحكن ودلع تقص الحكايات، وجميعهن غارقات في القهقهة...
الذي لفت نظري في المطعم وجود بيانو ضخم رائع المنظر، طلبت الأذن بالعزف عليه...
آلة من الفخامة بمكان، تدهش كل من له خبرة في هذا المجال...
تذكرت مقطوعة بيتهوفن لأجل أليزا، التي تحكي قصة حب من طرف واحد...
وأخذت بالعزف وتناسيت كل ما يدور حولي، غرقت في اللحن، اندمجت مع مشاعر الحب التي ألفها ذاك الموسيقار العظيم الذي خلد اسمه التاريخ...
وتقمصت أنا شخصية الحبيب الموجع، وكانت أصابعي تداعب تلك المفاتيح البيضاء والسوداء، وتخرج ألحانًا تحكي قصة حبي الضائع...
عندما أنهيت المقطوعة التي دامت بحدود الساعة، تفاجأت بالتصفيق الحاد الذي ملأ القاعة، تلفت حولي كان الناس يصفقون بشدة، وهم وقوفا، ويطلبون المزيد...انحيت لهم احتراما، وعدت إلى زميلاتي، قالت إحداهن ما أروعك يا سحر، أجدت وأبهرت الناس...
قالت دلع: أنا لا أحب الكلاسيك، أنا من جماعة عبد الحليم حافظ... لكن منظر التصفيق الحاد الذي شاهدته الآن، جعلني أدرك كم أنت موهوبة...والله لو سمع الكابتن سليم هذا العزف، ربما كان يذهب اليوم يطلب يدك...
ضحكت...
جاء مدير الفندق وتشكرني كثيرا، وكان خلفه عربة كبيرة تدفعها عاملة في الفندق، عليها قالب حلوى كبير مع عصائر من مختلف الأنواع، وقال: هدية متواضعة لعازفة مدهشة.
في تلك الأثناء، حدث الذي لم أفكر فيه، أو حتى أحلم بأنه سيحدث...لقد دخل (الأستاذ رغيف) مع عدد من الرجال الصينيين إلى المطعم...أنا تجمدت، كنت أراقب الذي لم أكن أحلم أن أراه يوما في بلاد المشرق البعيدة...
وتحيرت ماذا أفعل، هل أذهب إليه وأقبله مرحبة، أم أتجاهله؟ لكنني شددت قوة من ضعف، وقلت أنا سحر القوية، لن أظهر ضعفي للذي سرق قلبي، أوهمت ذاتي بأنني تناسيته، كنت أتظاهر بأنني مع زميلاتي، والحقيقة كنت في عالم آخر، أبحث عن وسيلة للاحتكاك بسارق قلبي...
المفاجئ هو جاء إلينا وقال: أسعدتم صباحا بنات بلدي، أنا لويس عبود من سورية، حضرت معكن برحلة أمس...
وأضاف: زملائي الصينيين معهم كتالوجات باللغة الفرنسية، وجميعنا لا نحسن تلك اللغة، أرجوكم أنتم أهل بلدي ساعدوني بالترجمة. ولن أنسى فضلكم.
جميع زميلاتي أشاروا عليّ، وقالوا: سحر تجيد اللغة الفرنسية تماما، بإمكانها أن تساعدكم.
أخذ قلبي يخفق بشدة، وتظاهرت بعدم الاكتراث، وأنا أشتعل رغبة في تنفيذ طلب هذا الغريب سارق قلبي، وتظاهرت بثقل طلبه، وعدم رغبتي وقلت أنا مجهدة قليلاً. قال أرجوك ساعديني، أرجوك.
نهضت وقلت تكرم أستاذ...
وطلبت من نادل بأن يأخذ جزء من قالب الحلوى لطاولة لويس.
مؤلف القصة: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق