/// قراءة في قصيدة :
(( هَمَسَاتُ الرَّحيل )) ..
للشاعر والأديب السوري :
مصطفى الحاج حسين .
بقلم : الناقد والشاعر والأديب
المغربي ( محمد الطّايع ) ..
———————————————————
## معا وفي ظل هذه القصيدة الرائعة – همسات الرحيل – نستمتع باكتشاف آفاق جمالية بلاحدود ، مع لغة تحتفي بمفرداتها ، ودلالاتها الشديدة الإيحائية ، تهيب بنا أن نصغي لدندنة متواصلة غير منقطعة النفس ، لحالة الفقد بعد وهم الفوز بمفاتن معشوقة عاتية مستبدة من آياتها أن تترك عاشقها فريسة لأحزان الرحيل ، تتخذ القصيدة من الهمس لغة لها ، همس قاسي يشبه الريح السموم تنفخه في قلب المحب المغلوب على أمره ، محاصرا بين الماء والنار غايتها أن تذيب شجاعته أن تثنيه عن خوض غمار العشق ، متخذة من لغةالترهيب وسيلة لكبح جماحه ، محذرة إياه من مغبة مابعد الغياب ، وكأنها الحتمية بكل معناها تجلت في شخص هذه المعشوقةالأسطورية
، شبيهة ـ.ميدوسا ـ الغولة التي سافر إليها ـ بيجاجيسيوس ـ طلبا لرأسها ، فلا استسلام ولا أمان ، نظرة واحدة إلى عينيها كفيلة بمسخه حجرا ، لذلك لم يجد البطل بدا من النظر إليها عبر الدرع المرآة ، تفاديا لقواها السحرية ، وهنا يطيب لي أن أشبه قصيدة شاعرنا مصطفى بالدرع المرآة أو المرآة الدرع ، فهنيئا لشاعر عرف كيف يستخدم الفن وسيلة لتفادي القول المباشر ، الخبري الذي لايستقيم له طرب الإبداع صورا ومعنى ، فلقد أجاد استلهام الصور البلاغية ذات الرمزية الدلالات المتعددة ، مما مكنه من استظهار نماذج سابقة ، أغراها اقتفاء الأثر ، نماذج من البشر والطبيعة سحرهم جمال.الأنثى الخارقة ، فكان مصيرهم الحزن المؤبد ، هذا الحزن الذي وجب الحذر والتحذير منه ، فإلى أي مدى ينبغي الانصياع لهذا المنحى ، موافقة وإصغاءا ، وهل ثمة مايمكن قوله اعتراضا على ما تذهب إليه قصيدتنا ، ربما نعم وربما لا ، سأسأل عن الخطاب عن الرسالة الموجهة من هذا الذي تبناها ، ومن المقصود بها ، هلا حاولنا تحديد هوية المرسل إليه ، الأمر أشبه بمتاهة ، لكن مع القليل من الصبر والتمعن يمكننا رسم ملامح خطانا ، والخروج بخلاصة ، ثمة متكلم ضمني اسمه الرحيل ، ومتكلم.به هو القصيدة ، ومتكلم له هو المتلقي ، ومتكلم أصلي هو الشاعر الذي يشكل الفارق العجيب في النص ، لأنه ذو وجهين لأننا حين نبحث شخص المقصود بالخطاب نجد الشاعر يقف في المقدمة فهو المعني الأول بنص الترهيب ، شأنه شأن الخطيب الذي يقول ، أوصيكم ونفسي أولا ، وإذن الشاعر هنا يخاطب نفسه ، ثم يأتي القاريء من بعده ، لكن القاريء متعدد ومتنوع ، وليس كل قاريء ينطبق عليه هذا التحذير ، فثمة أناس كثر لن يهتموا لهذه الكلمات المفزعة ، لكونهم عشاق أصلا ويعيشون تجربة الحب بسلام آمنين ، لكن وحتى يتحقق للشاعر استدراج الجميع إلى ربوع مغامرته وجب الإمعان في النص بنظرة أشد عمقا وشمولية ، لنعرف بعد القراءة الثانية فقط ، أن هذه المعشوقة ليست سوى الحياة نفسها ، فهي بهذا المعنى تغدو موجهة لسائر القراء دون استثناء ، ولأن شاعرنا من الأصوات المجددة فهو حتما غير ملزم بتكرار تجربة سابقيه ، ولن يتنازل أمام غباء ولا بلاذة ولا استسهال ، لن يخبر أحدا مباشرة أن الحبيبة هي الدنيا ، فهو قد أعلن منذ البداية أن القول سيكون همسا ، وأن الخطاب لن يتخذ صفة المباشرة وإلا مافائدة هذا التراكم الشعري إن لم يحرك فينا رغبة التقصي والسؤال ، من أجل الإبحار في أشد الأمواج تلاطما من أجل الفوز بالمعنى ، حسنا الرحيل محتوم ، إنه موت يحبنا مثل أطفاله الموت الرحيل او الرحيل الموت ، يصادفنا هنا وهناك ، يحذرنا من نفسه ، ومن عشق هذه الدنيا الفانية ، الفاتنة الغادرة ، القاسية ، الخائنة ، لكن ومع ذلك من منا يملك حرية الاختيار ، سنعشقها لامحالة ، سنستلذ غمزها وابتساماتها الساحرة الماكرة ، ولولا هذا العشق ماكان يليق بنا اسم أحياء ، نعم شاعرنا من الواضح جدا ألا مهرب لك ، لنا ، للجبال ، للبحار والنجوم ، المغامرة مفروضة ، والحب ضروري ، تماما كضرورة قول الشعر ، وضرورة التحذير المتمثلة في كل ما نسمعه منذ لحظاتنا الأولى ألا نعتقد بأننا خالدون ، وأن نحلم بوهم لاأساس له ، وأن نستعد للرحيل ربما بعد فهمنا لفلسفة الوجود ، ان نتلقاه بابتسامة .
وفي الختام إن لم يوافقني الرأي قاريء ، سيجد نفسه أمام دوامة لامخرج منها ، إن هو حاول تبسيط المعنى فذهب في تأويله أن الحبيبة هي أنثى لاغير ، بماذا سيجيب فضولي ، حين أسأله ،كيف عرف الصوت المهيمن الشاعر،الرحيل الهامس القصيدة ، أن نهاية هذا الحب ويلات ، هل اطلع على الغيب ، أم يريد تكريس فكرة يائسة عن الحب، ألا نحب، هذا إن كانت المعشوقة صورة عن جميع النساء ، أما إن زلت به القدم ليدعي أنها واحدة بعينها ، فإنه غارق في هوة سحيقة ، حين يجد نفسه مطالبا بالرد على سؤالنا ، كيف عاد الصوت من الفناء إلى الحياة مرة أخرى ، كيف لمن جرب الهلاك أن يعود حكيما يعظنا أم أنها فانتازيا لاغير ؟ .
راقتني جدا هذه القصيدة ، لغة وبناءا ومعنى ، كما أنها تمنح ماتمنحه القصائد الأسطورية من متعة ، من أجلها نغوص في دواوين شعراء لغتنا المحبوبة ،بارك الله فيك شاعرنا مصطفى الحاج حسين ، شكرا .
محمد الطايع .
المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق