مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأربعاء، 28 أغسطس 2024

التخلف و الاستبداد و القهر 4 بقلم علوي القاضي

 «(4)»التخلف والإستبداد والقهر«(4)»

دراسة وتعليق د / علوي القاضي.

... تابعنا في الجزء الأول والثانى والثالث من كتاب ( التخلف الإجتماعى ) تأليف الدكتور مصطفى حجازي ، سيكلوجية الشخص المستبد والشخص المقهور ، وتحليل لشخصية الشخص المتخلف ، وتأثير سيطرة الأوهام والخوف على سلوكه ، وصراع التحكم والتسلط الخفى بين المرأة والرجل ، ومظاهر التسلط فى العملية التعليمية وتأثيرها على مستوى التعليم والمتعلم ، كذلك تأثير القهر والتسلط على المرأة وفقدانها الثقة بنفسها ، ونستكمل

... إن الإنسان بصفة عامة يخشى سوء العاقبة مادامت لم تحدث بعد ، أما وقد حدثت ، فإنه يطمئن إلى أنه لن يتعرض لما هو أسوأ منها 

... ويؤكد علم النفس أن لب الشعور الإضطهادي هو التفتيش عن مخطئ يحمل وزر العدوانية المتراكمة داخلياً ، فالإنسان الإضطهادي بهذا المعنى ، لايستطيع أن يكتفي بإدانة ذاته ، إنه بحاجة لإدانة الآخرين كذلك ، ووضع اللوم عليهم ، فالإنسان الإضطهادي يصاب بذعر لايمكنه إحتماله إزاء إمكانية شعوره بالذنب 

... ويؤكد علم النفس أيضا أن الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي ، لأنه متحيز بشكل تلقائي ، نظرا لتدخل العوامل الإنفعالية والعاطفية في ٱلية التفكير ، وهو قطعي في تحيزه ، فإما أن يكون مع أو ضد أمر ما ، ويبدو قصور الفكر النقدي بالتالي من خلال العجز عن الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة لمسألة ما ، بين المميزات والعيوب ، فقط هذا الجمع يسمح بتلطيف الأحكام ، وزيادة قدرتها التمييزية ، وبالتالي زيادة فعاليتها من خلال التقدير الفعلي لوزن ومدى الأوجه المختلفة للظاهرة

... والمثل الأوضح على ذلك ، هو المرأة التي يقع عليها عادة الغرم الأكبر ، ويفرض على كيانها القسط الأوفر من الإستلاب من خلال ماتتعرض له من تسلط ، ومايفرض عليها من رضوخ وتبعية وإنكار لوجودها وإنسانيتها ، وهذه المرأة المستلبة إقتصادياً وجنسياً في البلدان النامية ، تعاني من إستلاب أخطر بكثير وهو ( الإستلاب العقائدي ) ، ويقصد بهِ تبني المرأة لقيم سلوكية ، ونظرة على الوجود تتمشى مع القهر الذي فرض عليها ، وتبرره جاعلة منه جزءاً من طبيعة المرأة ، وبذلك هي تقاوم تحررها ، وترسخ البنية التسلطية المتخلفة التي فرضت عليها ، والأكثر من هذا ، تعميمها على الآخرين من خلال نقلها إلى أولادها ونقلها إلى البنات منهم ، حين تفرض عليهن عملية تشريط من أجل الرضوخ للرجل ( الأب والأخ والزوج ) وتفرضها على الصبيان من خلال غرس النظرة الرضوخيه للسلطة ، والتبعية لسيادة القلة ذات الحظوة

... والمشكلة الكبرى تكمن في ، أن الإنسان المتخلف المقهور يؤمن أشد الإيمان بمايتناقض مع مصلحته وحاجته إلى الإنطلاق ، ويؤمن بالتربية والحظوظ الدنيوية وتفاوتها ، فالناس درجات ومقامات وليس لمغبون أن يرفض أو يعترض على مايلحق به من حيف ، أو يتطاول كي يأمل في مساواته مع الفئة المحظوظة ، فعليه أن يتقبل وضعية الإستغلال الذي يلحق به ، وأن يعترف بسيادة المتسلط المستبد ، ليس له أن يطالب بمساواة ، بل كل مايمكن أن يطمح إليه هو الأمل في فضل يتفضل به عليه المستبدون ذوو الحظوظ ، كل ذالك يعطي المتسلط مشروعية تصل حد التقديس ، يحرص عليها هذا الأخير ، ويعززها بجميع الوسائل ، وينمي بها الأنا العليا 

... ولذلك نجد الإنسان المقهور يستخدم أسلوب السيد المتسلط نفسه ، ويخاطبه بلغته نفسها مثل ( الكذب والخداع والتضليل ) فهي قوام اللغة التي يخاطب بها المتسلط الجماهير المقهورة ، إن خطابه هو أبداً كذب ونفاق عندما لايكون تهديداً صريحا ، وكذلك خطابهُ وعود معسولة وتضليل تحت شعار الغايات النبيلة ( الوعود الإصلاحية ، والخطط الإنمائية ، والأخلاق ، والرقي ، والتقدم ، والمستقبل الأفضل ) ، كلها هراء إعتادت عليها الجماهير ، وهي بدورها تخادع وتضلل المستبدين حين تدعي الولاء لهم وتتظاهر بالتبعية

... ودائما الإنسان المقهور يجد وقد يوجد  المبررات لمظاهر قهره يقول مثلا : إذا أصابني سوء أو فشل أو تعثر فليس بسبب قلة حيلة أوتدبير أوجهد ، بل لنتيجة حسد الآخرين الذي يتربصون بي ويريدون تحطيمي أوبقائي في موقع الفشل والمعاناة دون المساس بالمستبد

... ويتميز أفراد العالم المتخلف ، بالسرعة الواضحة في تدهور الأداء العقلي والحوار المنطقي بين الناس ، فالنقاش الذي يبدأ موضوعياً واقعياً ، لايلبث أن يفجر إنفعالات تؤدي إلى إضطرابه وتحول الأمر من الحوار الهادئ ، ومن المنطق الذي يجابه الحجة بالحجة إلى صراخ ومهاترات ، كي ينزلق بسرعة إلى حوار الطرشان ، عند أول عقبة مادية أومقاومة يبديها الشخص الآخر 

... ولاننسى أو نغفل أن الميل إلى الكسل والخمول الذي يشيع في أوساط الفئات المقهورة والأكثر بؤساً وتأخراً في المجتمع المتخلف ، يشكل عقبة أداء أمام مشاريع التنمية والتطوير الذاتي ، فهذه الفئات المقهورة عندها قناعة راسخة بأنه لاجدوى من أي جهد لايمكن أن يعود خيره عليها ، كما علمتها تجاربها خلال تاريخها الطويل من الإستغلال من قبل المستبدين

... ومن سنة الحياة وأحداث التاريخ ، نشأت قناعة أن كل شئ لايستمر على حاله ، وأن السلطة لاتدوم ، لأنها لو دامت لغيرنا ماوصلت إلينا ، فحين تغيب السلطة أويهزل وجودها يتحول المجتمع عندها إلى غابة وساحة قتال وصراع على النهب ، ماأمكن وبأكبر كمية متاحة ويسود الهرج والمرج وتسود الفوضى ، وهذا السلوك نتيجة تراكمات سلوكية للإنسان المقهور ، لأن فشل تحقيق الذات ، وفشل الوصول إلى قيمة ذاتية تعطي للوجود معناه يولد أشد مشاعر الذنب إيلاماً للنفس المقهورة ، وأقلها قابلية للكبت والإنكار ، هذه المشاعر تفجر بدورها عدوانية شديدة تزداد وطأتها وتتراكم تدريجياً ، وبمقدار تراكمها الداخلي وعندما تصل العدوانية إلى هذا الحد لابد لها من تصريف يتجاوز الإرتداد إلى الذات وتحطيمها كي يصل حد الإسقاط على الآخرين

... ولكي يدافع الإنسان المقهور عن ضعفه وفشله المجبور عليه من قبل المستبد فإنه يلجأ إلى الكثير من التصرفات الإستعراضية ، تلك التي تشيع في البلدان النامية ، وتهدف بالتحديد إلى التستر على عقدة العار خصوصًا الإستعراض الإستهلاكي ، الذي يأتي بعده كل أشكال الإدعاء والتبجّح وخداع الآخرين بجاه أو مال أو حظوة لاأساس لها من الواقع ، ولذلك فإن الإنسان المقهور في العالم المتخلف أسير المظاهر مهما كانت سطحية مادامت تخدم غرض التستر على عاره الذاتي

... وينعكس ذلك على العملية التعليمية فمن مشكلات التعلم الشائعة في المجتمعات النامية الإنفصام التام بين لغة العلم وبين لغة الحياة اليومية ، لأن الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي ، لأنه متحيز بشكل تلقائي نظراً لتدخل العوامل الإنفعالية والعاطفية في ٱلية التفكير ، وهو قطعي في تحيزه ، فإما أن يكون مع أو ضد أمر ما ، ويبدو قصور الفكر النقدي بالتالي من خلال العجز عن الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة لمسألة ما ، وبين المميزات والعيوب ، فقط هذا الجمع يسمح بتلطيف الأحكام ، وزيادة قدرتها التمييزية ، وبالتالي زيادة فعاليتها من خلال التقدير الفعلي لوزن ومدى الأوجه المختلفة للظاهرة

... ومن أساليب الدفاع عن النفس للرجل المقهور أنه يتهرب من مأزقه ، بصبه على المرأة ، من خلال تحميلها كل مظاهر النقص والمهانة التي يشكو منها في علاقته مع السلطوي المتسلط وقهره ، والطبيعة واعتباطها ، ولذلك يفرض على المرأة أكثر الوضعيات غبنًا في المجتمع المتخلف ، أنها محط كل إسقاطات الرجل السلبية والإيجابية على حد سواء ، وهي تُدفع نتيجة لذلك إلى أقصى حالات التخلف ، ولكنها من هوة تخلفها وقهرها ترسّخ تخلف البنية الإجتماعية من خلال ماتغرسه في نفوس أطفالها من خرافة وإنفعالية ورضوخ 

... ورغم أنه لايُمْكِنُ للرجل أن يتحرر إلا بتحرر المرأة ، ولايمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بتحرر وارتقاء أكثر فئاته غُبنًا ، فالإرتقاء إما أن يكون جماعيًا عاماً ، أو هو مجرد مظاهر وأوهام فالمتسلط يمنع ذلك 

... وتشتد الكراهية والعدوانية ضد المجتمع السلطوي المتسلط ، لأن الإنسان المقهور في المجتمع المتخلف يشعر بالغربة في بلده ، ويشعر بأنه لايملك شيئًا ، حتى المرافق العامة يشعر أنها ملك للسلطة ، وليست مسألة تسهيلات حياتية له هو ، ذلك أن الهوة كبيرة جدا بينه وبينها وأن مايستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له ( إذا قدمت ) كمنّة أو فضل ، لاكواجب مستحق له ، لذلك عند حدوث الثورات ، وعندما يخرب المرافق العامة فهو يعبر عن عدوانيته تجاه المتسلط فى إعتقاده 

... تحياتى ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق