السبت، 19 أكتوبر 2024

لا راحة في الدنيا 2 بقلم علوي القاضي

لا راحة في الدنيا 2

تأملات وخواطر : د/ علوي القاضي

... وصلا بما سبق فقد كان لعلماء النفس والإجتماع والإقتصاد والسلوك الإنساني ٱراء في (راحة الدنيا) تعريفا ومنهجا وتحقيقا

... ف (الراحة) من وجهة نظر (علماء النفس) ، هي حالة من السلام الداخلي والطمأنينة ، يشعر فيها الشخص بالإرتياح والتوازن النفسي ، وقد تشمل هذه الحالة الإبتعاد عن القلق والتوتر والضغوطات النفسية ، وإصلاح العلاقة مع الله ، ومن الضروري أن تكون مرتبطة بوجود توازن بين الحياة العملية والشخصية ، والإهتمام بالصحة النفسية ، من خلال ممارسة الأنشطة التي تجلب السعادة والراحة ، مثل التأمل ، والتمارين الرياضية ، وقضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة ، وتحقيق بعض أو كل الأهداف الشخصية ، فما أجمل أن تعيش في مكان يلهمك الهدوء ‏والطمانينة والراحة النفسية ، بعيدا عن صخب الحياة ، وضجيج الأفكار المتزاحمة ، وعند تحقيق الهدوء والسَكينة والسلام النَفسي سيكون ‏أغلى وأجمل شعور يشعر به الإنسان ، ‏وبذلك‏ ستصل لمرحلة من حياتك ‏تشعر فيها بالراحة لأنك لم تعد بحاجة لشيء سوى الهدوء وراحة البال ، واعلم أخي الحبيب أن جزء كبير من راحتك النفسية تجدها في المصالحة مع نفسك ، وفي أن تتقبّل وضعكَ أياً كان ، وأن تتعامل مع ظروفك بواقعية ، وأن تؤمن أنّ الدنيا ليست جنة ، وفي نفس الوقت ليست جحيماً ، فلا تجلد ذاتك ، ولاتمضي عمرك في البحث عن الراحة والسعادة ، ولكن حاول إسعاد نفسك وكل من حولك ، عندها فقط ستجد الراحة والسعادة والطمأنينة ، ولا تقسو على نفسك وتصالح معها صلحا ممزوجا بالرضا العميق والطمأنينة الدائمة وقوة التوكل بالله وعلى الله وجميل البشارات الآتية منك 

... ومن أسباب الراحة في الدنيا أن تؤمن بأن (من يظن أن الفقر هو فقر الجيوب) مخطئ ، وإنما (الفقر هو فقر القلوب) ، فالجيوب الخاوية قد تمتلىء بالمال ذات يوم ، أما القلوب الخاوية فمن الصعب أن تمتلىء بالمشاعر والأحاسيس ، فقيرة تلك القلوب التي تجافي ولاتسامح ، لأنها خلت من الألفة والطمأنينة والمؤانسة ، وماهي إلا حديقة تساقطت أوراق أشجارها ، وذبلت ورودها على أغصانها وغادرت شذاها ، فأصبحت خاوية على عروشها ، فالقلوب التي لاتزود الآخرين بالحب ولا تتزود به هي قلوب ميتة حتى وإن كانت تنبض بالحياة

... ولعلماء (الإجتماع والإقتصاد) رأي في تحقيق الراحة الدنيوية ، فلتحقيق الراحة يعمد الإنسان إلى تحقيق رغباته وطموحاته على أمل أن يحظى بالراحة وهذه الطموحات قد لخصها (هرم ماسلو) ويسمى (هرم الإحتياجات الإنسانية للفيلسوف إبراهام ماسلو) ، وفيه يرى إستنادًا إلى (هرم الاحتياجات الإنسانية) أن الفرد لايسعى إلى إشباع الحاجات العليا من الهرم إلا إذا أشبع الحاجات الدنيا منه ، وهذا يعني أن حاجات (الأمن والأمان) لا تعتبر محفزات للفرد ما لم يتم إشباع الحاجات (الفسيولوجية) ، وإن الحاجات (الإجتماعية) أو الحاجة إلى (التقدير) لاتعتبر عاملًا محفزًا للفرد إلا إذا تم إشباع حاجات الأمان لديه ، وهنا ينبغي على (المنظمة) التعرف على الإحتياجات الإنسانية للفرد العامل فيها وتحليلها ودراستها جيدًا ، بغرض التوصل إلى الحاجات غير المشبعة بالنسبة له ، لكي تستعملها كمحفزات يمكن عن طريقها زيادة رضاه وبالتالي زيادة إنتاجيته ، فمن غير المنطقي أن تسعى إدارة المنظمة إلى توثيق الصلة بين الزملاء في العمل لزيادة إنتاجيتهم ، وهم يفتقرون إلى أبسط وسائل الراحة والطمأنينة ، ففي هذه الحالة لا يُعد إشباع الحاجات الإجتماعية عاملًا محفزًا للعاملين ، وذلك لعدم تلبية إدارة المنظمة للحاجات الفسيولوجية لهم فلابد من إشباع العامل الإجتماعي والفسيولوجي

... وكذلك كان لعلماء (السلوك الإنساني) رأي ٱخر في تحقيق الراحة ، فهم يروا أنه من الطبيعي أن يكون للإنسان أكثر من شخصية يتعامل بها بحسب المواقف ، فهذا يدل على وعي عال ، ويعتبر صورة قوية من الصحة النفسية ، لأنه إذا كان الإنسان ذو شخصية واحدة يتعامل بها في كل الأمور ، فهذا يدل على مشاكل نفسية قد تظهر فيما بعد ، واعلم أن من سنن الكون أنه لا شيء في الكون ثابت إلا الله سبحانه وتعالى ، فكل الخلق في حالة أغيار ، فلو خالفت هذه الحقيقة خالفت السنن الكونية ، وظهرت المشاكل النفسية ، ولتحقيق الراحة إجعل لك شخصية في العمل ، وشخصية مع زوجتك ، وشخصية مع أولادك ، وشخصية مع والديك ، بل شخصية مع والدك ، وشخصية مع والدتك ، وشخصية خاصة بك لايراها إلا المقربون فقط ، وشخصية مع ربك ، وشخصية مع الرجال ، وشخصية مع النساء ، وشخصية مع الأطفال ، وشخصية مع الأذكياء ، وشخصية مع ضعاف العقول ، عندها ستشعر بقمة الراحة والطمأنينة ، وتذكر دائما حديث النبي صل الله عليه وسلم (خاطبوا الناس على قدر عقولهم) ، وفي عمق فهم هذا الحديث إشارة رائعة لتنوع الشخصية بتنوع من تتعامل معه حسب قدراته وإمكاناته وثقافته ، فعندما تعامل الجميع بنفس الشخصية ظنا منك أنك على صواب ، وأن التنوع كما يدعي بعض الناس (نفاقا) فهذا خطأ فادح ، وعندها ستبدأ المشاكل والصعوبات في التسلل إلى حياتك ، ولن تنعم بالهدوء والراحة النفسية حتى تتغير وتغير وتنوع شخصيتك بحسب من تتعامل معه

... ومع تنوع الشخصية حسب الموقف والشخص الذي تتعامل معه ولتحقيق الراحة أيضا ، يجب أن تراعي أن (لا) تجادل أشخاصٍا لن يستطيعوا فهمك أبداً ! ، و(لا) تصدّق أيّ شخصٍ يدّعى خلوَّ حياتِهِ من المشكلات ! و(لا) تتخيّل وجود قَدرٍ ما من المال ، أو النجاح ، أو الشهرة بإمكانه أن يحميكَ من الألم ، ويقول الله تعالى (وڪيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) ، فليس من السهلً أن تصبر على البلاء وأنت ترى أن الأمور تحدث بطريقة غير مفهومة ، لذلك كانت منزلة الصابرين عظيمة ، لو فقدت مافقدت ، لو كسر الحرمان أضلاعك ، ستجتاز هذه المصاعب يومًا ما ، فلا يوجد أيُ سبب مُقنعٍ بأنّ تيأسَ مِنَ الحياة إنْ كانَ حُزناً فكن مِنَ الصابرين ، وإنْ كانَ فُراقاً فكلُنا راحلِون ، وكُل ذلكَ هو إبتلاء قد كتبهُ الله عليكَ ! ، ولراحة ضميرك ونفسك التي بين جنبيك ، هناك ثلاثُ مسلَّماتٍ لابدَّ أن تستقرَّ في ذهنِك وقلبك ، (لانَجاةَ من الموت ، ولاراحةَ في الدُّنيا ، ولاسلامةَ من كلامِ النّاس)

... وإلى لقاء في الجزء الثالث إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتى ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

أوراق قديمة بقلم محمد بليق حميدو

أوراق قديمة ٠•••••••••••• أوراق قديمة وجدتها بين دفاتري  ذكرتني بماضي ذهب بعيدا بعيدا كانت صورة لامرأة أحببتها وهبتها قلبي فكرت فيها كثيرا ك...