لا راحة في الدنيا 5
تأملات وخواطر : د/ علوي القاضي
... وصلا بماسبق فإن العاقل من لم تلهه زخارف الدنيا وراحتها الكاذبة وإستعد للراحة الأبدية ، العاقل من يعي أن هناك ثلاث حقائق لامفر منها ، (لا راحة في الدنيا ، ولا نجاة من الموت ، ولا سلامة من لسان الخلق)
... لا (راحة) في الدنيا لأي إنسان مهما كان وضعه صحيحا أو مريضا ، صغيرا أو كبيرا ، رجلا أو مرأة ، غنيا أو فقيرا ، حاكما أو محكوما ، حرا طليقا أو مسجونا الكل غير مرتاح مهما بحثوا عنها
... ولا (نجاة) من الموت ولامفر منه ، مهما طال العمر ، فالموت قدر الله في خلقه وهو سيف على رقاب العباد وهو يلاحق الجميع مهما إختلفت أساليبه وأسبابه ، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز لحبيبه (صل الله عليه وسلم) مامعناه (إنك ميت وإنهم ميتون)
... ولا (سلامة) من لسان الخلق ، حيث دائما يكون الإنسان على رأس ألسنة الناس إما (ذم) ونميمة ، أو (مدح) وثناء ، لذلك على الإنسان أن يتقي شر الناس ويعاملهم دائما بإحسان ويترك ماتقوله ألسنتهم لله إما إثم أو أجر على مايقولونه ، فكيف ينشد الراحة فى الدنيا وتحيطه كل هذه الحقائق بتبعاتها
... هذه هي الحياة الدنيا ، ليس هناك مفر ، لا راحة فيها ، ولاراد لقضاء الله ، ولانجاة من الموت ، ولاشفاعة فيه ، ولاحيلة في الرزق أيا كان نوعه ومصدره كلها مقادير الله ولاخيار لنا ، ولاسلامة من الناس ولامن ألسنتهم ، فلن تكبر دون أن تتألم ، ولن تتعلم دون أن تخطئ ، ولن تنجح دون أن تفشل ، كل حياتنا الدنيا كبد ومعاناة ، ف (أوَّل) درجاتِ الحكمة والراحة أن تُنْزِل نَفْسَك مَنْزِلتها ، و (أوسطها) أن تُنْزِل الناسَ مَنازِلَهم ، و (أعلاها) أن تُنْزِل مِن حساباتك فِكرةَ إرضائهم
... يقول الحكماء في راحة البال : ما دنيانا ، إلّا عطش بلا إرتواء ، وجوع بلاشبع ، وتعب بلا راحة ، وحطب يأكل نفسه ، وهي بدون الإيمان تعتبر خواء وخراب وظلمة وتيه ، فالإيمان هو الذي يمنحنا القوة الروحية لتحمل كل تلك الصعاب
... أحبابي ، لاشيء جديد عندنا سوى أن أعمارنا تتآكل يوما بعد يوم ، وأن ٱجالنا تقترب رويدا رويدا ، ولا زلنا في حق ربنا مقصرين ، فيارب أسألك توبة نقية زكية لامعصية بعدها قولوا ٱمين
... وعندما أنشد (الراحة) وأبحث عنها ، تعلمت من الحياة أن أجعل من نفسي رجلا عماده المحبة والتسامح والعفو ، وأن أتخذ من الأمل مصباحا ينير طريقي في كل إتجاه ، وعلمتني الحياة أيضا أنني حين أصل لمرحلة (غريبة) من البرود ، لدرجة اللامبالاة ، وأن الأمور التي كانت تستفزني وترهقني باتت أمرا عاديا لاتثير الكثير من الإهتمام عندها علمت أنني تجاوزت مرحلة مهمة ، وفهمت جزءا كبيرا من قيم الحياة وحقيقتها
... وعلمتني الحياة أيضا ، أن علاقتي مع الناس تدوم وتستمر ب (التغاضي) ، وتزداد ب (الإنسجام والتراضي) ، لكنها تمرض ب (التدقيق) ، وتموت وتنتهي ب (التحقيق)
... وعلمتني الحياة أيضا أن ب (الإبتسامة) أتجاوز الحزن ، وب (الصبر) أتجاوز الهموم ، وب (الصمت) أتجاوز الحماقات ، وب (الكلمة الطيبة) أتجاوز الكراهية ، وإذا رأيت إنسانا سريع الغضب أتأكد عندها أن شيئا ما أتعب قلبه دون رحمة فعكر مزاجه ، فأراعيه ولا أتحامل عليه
... إعلم ياأخي أنك شئت أم أبيت فهناك من يكرهك ويكره أسلوبك ، أوصفاتك في الحياة ، حتى فرحك وضحكك ، يكره حتى محبة الناس لك ، فرضاء الناس غاية لا تدرك ، ورضاء الله غاية لاتترك ، فلاتترك مالايترك ، إبتغاء مالا يدرك فتخسر الإثنين
... علمتني الحياة أنها متقلبة وليست على وتيرة واحدة ، فلاتحزن عند الأزمات فلولاها لبقينا مخدوعين لمدة طويلة ، نعم هي قاسية ، لكنها صادقة ، تعيدنا إلى واقع الدنيا
... أيها الناس إن الدنيا مكتظة بالإبتلاءات والمبتلين ، فلماذا تحسدوننا على مانحن فيه ، فورب العباد لو تعلمون ماذا يوجد بداخلنا لأشفقتم علينا ، ولدعوتم لنا في كل صلاة ، ولبكيتم على حالنا بالدمعات
... علمتني الدنيا أنك عندما تتوكل على الله حق توكله وتكون نقيا من الداخل ، سيتولاك الله ويمنحك نورا من حيث لا تعلم ، وبأمر من الله يحبك الناس من حيث لا تعلم ، ويأتيك ما تريد من حيث لا تعلم ، اللهم ارزقنا قلبا نقيا تقيا
... إذا أردت الراحة ، فاحفظ كرامتك ، ولا تكن ثقيلا على أحد فمن يريدك عزيزا يأتيك حتى في الزحام ومن لايريدك ، لايراك حتى وإن كنت أمامه ، وإذا انتشرت الفتن فكن حلسا من أحلاس بيتك ، فالإنسحاب الذي يحفظ لك كرامتك هو إنتصار لك في حد ذاته
... إهتم بثمان أمور تحقق لك الراحة النفسية :
★ (العمل) فالفراغ من أسباب كثرة التفكير فيما لاينفع ، ويترتب على ذلك تضخم المشاعر السلبية كالحزن والقلق
★ لا تبالغ في (الرفاهية) ، فكثرة التنعم تجعل النفسية هشة لا تتحمل الضغوط ، فيشعر بالضيق لأدنى شيء
★ لا تسوف (مهامك) ، فتأجيل الأعمال يؤدي لتراكمها ، وتنامي مشاعر القلق والتوتر والشعور بالفشل والإحباط
★ لاتتطلع إلى ما (ليس في يدك) ، فالقناعة هي سر الراحة والسعادة ، والمتطلع لايشعر بالشبع مهما كان ، فارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، واترك المثالية التي هي أصل كثير من الإضطرابات النفسية والمزاجية
★ تعلق بالله ولا تعلق (قلبك) بالمخلوقين مهما كانوا ، ولكن عاملهم إبتغاء وجه الله تعالى ، ولا تنتظر منهم جزاءا ولاشكورا (حتى لو كانوا أقرب الناس إليك) ، وهذا هو الإخلاص الذي يعين على هضم النفس وتواضعها ، (فكن مع الله الحق بغير خَلْق ، ومع الخَلْقِ بغير نفس)
★ تجنب (مشتتات) القلب التي تدخل عليه الهم ، وهي (فضول الكلام والنظر والطعام والنوم والمخالطة)
★ إبتعد عن (الخصومات) الشخصية قدر الإمكان واجعل غضبك لله
★ تعود (الشكوى) إلى الله تعالى بدلا من الشكوى للناس ، رزقني الله وإياكم الراحة والسكينة والطمأنينة
... القرٱن كتاب الله ، من حكم به عدل ، ومن حلف به صدق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو يعلو ولا يعلى عليه ، علمتني الحياة أنه ، إذا ضاقت في وجهي الدنيا قرأت صفحات من القرآن ، وماهي إلا أيام ويفتح الله لي من حيث لا أحتسب رزقاً وعلماً وفهماً ، فعندما نتأمل بداية سورة طه في قوله تعالى (طه ، ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى) ، نعرف أن القرآن سبب للراحة والسعادة والبعد عن الشقاء ، ولو تأملنا نهاية نفس السورة عند قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) ، نعرف أن من أهم أسباب الضنك والضيق والكآبة ، هو البعد عن كتاب الله وذِكره (اللهم إجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أبصارنا وذهاب أحزاننا وهمومنا)
... أيها الأحباب ﻛﻮﻧﻮﺍ ﺩﻋﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺻﺎﻣﺘﻮﻥ ، ﻛﻴﻒ ﺫﻟﻚ ؟! ، ﺑﺄﺧﻼﻗﻜﻢ
... ﺭﻏﻢ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻟﻠﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ، ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻧﺎﻥ بإﻋﺘﺰﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ كلية ، ولكن ساعة وساعة
... ﻟﻦ ﺗﻌﺮﻑ ﻧﻔﺲ (ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ) ﻭﺍلإﻧﺴﺠﺎﻡ ، ﺇﻟّﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻭﺟﻬﻬﺎ لله سبحانه وتعالى ﻭﺭﺑﻄﺖ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ
... (ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ) ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺐ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﺃﻣﺎ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻓﻼ ﺗﺆﺩّﻱ ﺇﻟّﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ
... ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ (ﺣﺐ ، ﻭﺛﻘﺔ ، ﻭﺭﺍﺣﺔ ، ﻭﺗﻔﺎﻫﻢ) وﻻﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻤﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﺣﺪﻫﺎ ﻏﺎﺋﺐ
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق