فيروز
نبيل عماري
في كل يوم جديد تسرقني من عز النوم بصوتها المُعتق الملائكي فأتجة صوب المذياع لأرفعه قليلاً، الله ما أجمل صوتك يا أم زياد في هذا الصباح الندي المعطر بزهر البيلسان الزاحف نحو طريق النحل القادم من تراث الرحابنة وجبران وسعيد عقل المزنر بالحبق والمنثور الباعث الأشواق مع حجل صنين الصاعد على أدراج بعلبك الماشي في شوارع القدس العتيقة، النقي كثلج حرمون الجميل مثل لبنان الأخضر ومثل هوا بيروت
يدخل وجدانك الحنين للوطن والزهر والضيعة والنبعة والبحر والقمر والمختار وحتى حنا السكران يغفو على جسر اللوزية فيطيب له النوم ويحلم أنه والقمر جيران فيجلب لحبيبته القمر مهما كان بعيداً عربون للمحبة والإلتزام هذه فيروز التي تجعلك باتصال مباشر مع الكون وأسراره وفي لقاء مع الخالق في صلاة وأبتهال ولعل السر في صوت فيروز أنها حملت الوطن العربي ،إلى أقاصي الدنيا وغنت له فمن أمريكا تغني بحبك يا لبنان وتغني تثلج الدنى وبتشمس الدنى يا لبنان بحبك ت تخلص الدنى خليك بعيني وبئلك غنية ثلجك المحبة وشمسك الحرية فيأخذها الحنين إليه رغم مآسي الحرب. وعندما تصله تغني لقلبي سلام لبيروت فتركب البوسطة لتذهب لتنورين وفي الطريق تغرف كمشة من تراب عنطورة لتأخذه لبعلبك مدينة الشمس والحياة مروراً بجارة الوادي زحلة عسى أن ترى عند مغيب الشمس قمر مشغرة الجميل وليالي بعلبك وفخر الدين , وجبال الصوان , وكرم العلالي, وتتذكر عاصي, ومنصور, وفليمون وهبي, (سبع) ونصري شمس الدين وتصيح عليه صيحتها المشهورة (نصري) والشعراء طلال حيدر, وميشال طراد وقمره المتكي على سفح صنين, وجوزيف حرب الذي يذكرنا بأسامينا وسعيد عقل الذي ينقلنا إلى جدائل يارا والى الشام برائعتة (سائليني يا شأم) ومهرجان دمشق الدولي والى الياسمين الدمشقي ونزار قباني ورائعته لا تسألوني ما أسمه حبيبي ،حتى يحين أواخر الصيف أنا الكرم يعتصُر فيأتي الشتاء بخيره العميم: شتي يا دنيا تا يزيد موسمنا ويحلى.
فيحلو الموسم القادم بمهرجان جرش ومسرحية بترا فتأخذ عمان لتضعها بالقلب وتقول للأردن على لسان سعيد عقل أردن أرض العزم إلى أن تصل حجم بعض الورد إلا أنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصبا ومن بغداد الحزينة فتضعها في مقام السيف والشعراء والظفر ومن عمان تسافر ألى ارض الكنانة (مصر) سيد درويش, محمد عبد الوهاب, أم كلثوم، وتغني (خايف أقول أللي بقلبي) (والبنت دي) (وسهار بعد سهار) وتذهب إلى شط الهوى (شط الأسكندرية)، فتركب البحر عائدة إلى لبنان وفي طريقها تتذكر فلسطين وتقول لها :أنا لا أنساكي فلسطين، وعندما تصل لبنان تغني :هيلا يا واسع مركبك راجع وبشموخ تغني بيقولو زغير بلدي بالغضب مصور بلدي
هذه هي فيروز الذي يلازمك صوتها مع كل أشراقة شمس وسطوع للقمر تعرفه من حفيف الأغصان. وأنسياب المياه تعرفه وأنت تشكر الله هي فيروز غنت فما بخلت أعطت ومستمره في العطاء في هذا الزمن الرديء زمن الأغاني الهابطة في الكلمة واللحن والصوت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق