مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

التلاعب بالعقول ومهزلة العقل البشري(10)بقلم علوي القاضي

(10)التلاعب بالعقول ومهزلة العقل البشري(10)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... ويواصل الكاتب الساخر (علي الوردي) تحليله ل (مهزلة العقل الإنساني) فيذكر إسقاطا على حال الشعوب وحكامها فيقول ، فتح الحمار مذكرة يومياته وكتب فيها ، انا لا أعرف كـم مضى من الزمن على رحيل الأسـد ، ولكن وصلت في نهاية عمري إلى قناعة راسخة لكنها قاسية ومؤلمة ، مفادها أن ديكتاتورية (الأسد) أفضل من حرية (القردة والكلاب) ، فهو لم يكن يستعبدنا بل كان يحمينا من (قرود) تبيع نصف الغابة مقابل الموز ، و (كلاب) تبيع نصفها الآخر مقابل العظام
... ويؤكد الكاتب حقيقة هامة أنه ، كلّما إزداد الإنسان غباوة ، إزداد يقيناً بأنه أفضل من غيره في كل شيء 
... ويقول الكاتب أنه رأي ذات يوم رجلا من العامة يستمع إلى خطيب وهو معجب به أشد الإعجاب ، فسأله ، ماذا فهمت ؟! ، أجابه وهو حانق ، وهل أستطيع أن أفهم ما يقوله هذا العالِم العظيم ؟!
... ويذكر الكاتب ، أن من حكمة الله علينا أن خلق لنا الأضداد ، فالشيء لايمكن معرفته إلا بمعرفة نقيضه ، فالنور لا يعرف إلا بالظلام ، والوجود لا يعرف إلا بالعدم ، والخير لا يعرف إلا بالشر والصحة لا تعرف إلا بالمرض 
... ويحكى الكاتب ، أن قرويا ساذجا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته ، فمر بدكان لبيع الحلوى ، وقد إنذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا ! ، ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لايرى هذه اللذات المتراكمة حوله
ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى فإشتدت به الدهشة ! لأنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب الحلوى ولا يأكل منها ! ، وسبب ذلك أن هذه الحلوى نادرة في القرية التي جاء منها ، ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته وذلك في عرس إبن الشيخ حفظه الله ، ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها وقد دفعته سذاجته إلى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها ، ولافرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا ، ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ ، لايسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب 
... وماحدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات ، فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة تتغنج وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس إذا إقترن بها أو قبلها على أقل تقدير ، أنه يتوهم ذلك ، في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ النواة ، إن أحدنا ينظر إلى هذه الفتاة الجميلة بعين المنظار الذي نظر به ذلك القروي إلى دكان الحلوى ، لا يدري كيف سيكون حاله بعدما يقترن بتلك الفتاة ويراها بين يديه صباح ومساء ، حيث تصبح حينذاك كالبقلاوة التي يأكل منها القروي أكلاً شديدا متواليا يوما بعد يوم ، لهذا ليس في هذه الدنيا شئ يمكن أن يتلذذ به الإنسان تلذذا مستمرا ، فكل لذة مهما كانت عظيمة تتناقص تدريجيا عند تعاطيها ، وهذا ما يعرف في علم الإقتصاد الحديث بقانون (المنفعة المتناقصة) 
... ويحكي الكاتب ، كنت أزور ذات مرة معامل ديترويت ، ثم عرجت بعد ذلك على زيارة الحي العربي الذي كان قريبا منها ، وقد اندهشت حين وجدت نزاعا عنيفا ينشب بين المسلمين هناك حول علي وعمر ، وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة ، وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع ، فسألني الأمريكي عن علي وعمر ، هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومن وديوي عندنا ؟! فقلت له : أن عليا وعمر كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة ، وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة ! ، فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد يسلتقي على قفاه ، وضحكت معه ضحكا فيه معنى البكاء ، وشر البلية مايضحك !
... ويقول الكاتب ، الوعظ يجعل الناس شديدين في نقد غيرهم ، فالمقاييس الأخلاقية التي يسمعونها من أفواه الوعاظ عالية جداً ، وهم لا يستطيعون تطبيقها على أنفسهم ، فيلجأون إلى تطبيقها على غيرهم ، ولذا يكون نقدهم شديداً
... ويحكى الكاتب ، أن رجلاً وجد أعرابياً عند بئر ماء ، فلاحظ هذا الأخير أن حمل الأعرابي كبير ، فسأله عن محتواه ! ، رد الأعرابي إنه كيس يحتوي على المؤونة ، والكيس المقابل يحتوي تراباً ليستقيم الوزن في الجهتين !
فقال الرجل ، لم لا تستغن عن كيس التراب وتنصف كيس المؤونة في الجهتين ، فتكون قد خففت الحمل على البعير ! ، رد الأعرابي ، صدقت ، ففعل ذلك مسرعا ثم عاد يسأله ، هل أنت شيخ قبيلة أم شيخ دين ؟! فقال ، لا هذا ولا ذاك ، بل رجل من عامة الناس ! ، فقال الرجل ، قبحك الله ، لا هذا ولا ذاك ثم تشير علي بالحل ، فما كان منه إلا أن أعاد حمولة البعير كما كانت ! ، هكذا هم العامة من الناس ، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فصاروا ينتصرون للشخص عوض الحق ، الحقيقة في عرفهم تعرف بالرجال لا العكس ، لاتهمهم الأفكار وإن كانت صائبة بقدر ماتهمهم الألقاب المصدرة لتلك الأفكار حتى وإن كانت خاطئة ، تقديس الأصنام البشرية والطاعة العمياء لكل أفكارهم وأعمالهم وأقوالهم هو سبب ضياع الأمة وتخلفها ، فالرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال ! وهذه تمام مهزلة العقل البشري ،،، إنتهى
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق