رؤيتي : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق فإن هناك ثمة علاقة بين (العقل) ، (الخرافة) عند (العلماء والفلاسفة والباحثين الموضوعيين) ، وفسروها ببساطة أنها كل ما لايمكن إثباته علمياً أو البرهنة عليه منطقياً ، أما تفسير هذه العلاقة عند (السلفيين الأصوليين متشددي الرأي) ، هي ما لايوجد في النصوص المقدسة والأحاديث (الصحيحة المُدَرّسة) ، لأن الحديث الصحيح (في رأيهم) حُجة دامغة ودين كامل ويقين مطلق ، حتى لو ظاهريا (صادم أوليات العقل ، وناقض المنطق ، أو عارض أبجديات العلم وتجاربه ، ونفى حقائق الواقع)
... ولأن (علم النفس) يهتم بدراسة (العقل) و (الفلسفة) تهتم بدراسة (الوجود والمعرفة والقيم) ، إذا فهناك علاقة تكاملية بين الفلسفة وعلم النفس ، وتعد علاقة الفلسفة بعلم النفس من المواضيع المثيرة للإهتمام ، والتي تثير الكثير من الجدل بين علماء النفس والفلاسفة ، لأن (الفلسفة) تهتم بدراسة الأسئلة الأساسية حول الوجود والمعرفة والقيم ، بينما يهتم (علم النفس) بدراسة العقل والسلوك البشري ، ويتساءل الكثيرون عن العلاقة بين هاذين العلمين ومدى تأثير الفلسفة على علم النفس والعكس
... ف (العلاقة) بين الفلسفة وعلم النفس وتطورها على مر العصور سواء في العصور القديمة ، أو الوسطى ، أو الحديثة ، وكذلك (تحليل) الأفكار والمفاهيم الفلسفية التي أثرت في علم النفس ، والتي ساهمت في تطوره ، مثل الفلسفة اليونانية والحديثة والإيمانية والمعاصرة والنقدية ، علاوة على (تحليل) تأثير علم النفس على الفلسفة وكيف تطورت الأفكار الفلسفية نتيجة لإكتشافات ونظريات علم النفس ، و (تحليل) تأثير علم النفس على الفلسفة يتطلب (دراسة) تطور الأفكار الفلسفية وتأثيرها على علم النفس ، وكذلك تأثير إكتشافات ونظريات علم النفس على الفلسفة ، ومنها تأثير علم النفس على فلسفة الوعي ، وعلى فلسفة العقل ، وعلى فلسفة السلوك ، وعلى فلسفة الأخلاق ، وعلى فلسفة الذات ، وتوصلت الدراسة إلى أن هناك علاقة وثيقة بين الفلسفة وعلم النفس ، حيث تأثر كل منهما بالآخر وساهم في تطوره
... ومما لاشك فيه أن للإضطرابات والقلاقل والثورات والحروب تأثير مدمر للعقل والإنسان ، قديما لم يفهموا العلاقة بين الحروب والتخلف العلمي ، وظنوا أنها تغيير للأفضل بسلطات أفضل ، وهذا لم يكن صحيحا ، لأن السلطة الجديدة التي جاءت بالقوة ، لو فشلت لن ترحل سوى بالقوة ، وهذا يتطلب منها قهر العلماء والفلاسفة الذين يكشفون عيوبها للناس ، مما أدى لتدمير آلاف العقول المميزة قديما حتى تخلف الإنسان ، ولأن عصور العقل لم تنهض بسلطات سياسية في الحقيقة بل بتضحيات شعبية لاحظها المثقفون وقالوا بضمان عدم تكرارها في حال إيمان المجتمع بالفلسفة ، حتى انتشر المنادين بتحكيم العقل ودراسة التاريخ ، وهنا أصبحت الثورة على السلطات واجبة لتخلفها ، وصل الإنسان لإكتشاف هذه العلاقة بين الحرب والتخلف بعد الحروب العالمية ، وذلك بعد السؤال الشهير الذي شغل بال الفلاسفة وقتها ، كيف بعدما ثرنا على الكنائس وإقرارنا للديمقراطية مدة 200 عام لم نتقدم ؟! ولا زلنا نحارب بعضنا على التوافه في حال نهمل ملفات مهمة كوضع المرأة والأقليات والآخرين
... لذلك نلاحظ أن كافة تشريعات حقوق الإنسان الدولية والسماح للمرأة بالتصويت بدأ منذ الحرب العالمية الأولى ، ثم إكتمل بتحرير الشعوب من الإستعمار وعقد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، الآن فقط أصبحت كل دعوى للحرب هي دعوى للتخلف في الحقيقة ، وبرغم إنجازات تلك الحروب العالمية لكن الإنسان يتناولها بعقلية همجية قرووسطية تؤدي لتدمير هذا الإنجاز أواستعماله خطأ ضد البيئة
... وجود العقل يؤدى للمعرفه وعكسها الجهل ، والجهل على مر التاريخ ، حتى إعتقد كل جيل أنه يمتلك معرفة أعمق من التي سبقته ، فلقد أطلق العرب على الفترة التي سبقت ظهور الإسلام عصر الجهل ، وأطلق الإنسانيون على العصور الوسطى العصور المظلمة ، وفي عصر التنوير ، كان الجهل يُنظر إليه على أنه أساس الإستبداد والتعصب والخرافات ، والتي كان الناس (العقلانيون) يأملون أن يتم القضاء عليها من خلال عصر العقل والمعرفة ، اليوم تسعى الدول الحديثة إلى القضاء على (وحش) الجهل ، في عالم يعج بالمعلومات ومرتبط إرتباطًا وثيقًا بآفاقه المتغيرة باستمرار
... وهناك سؤال يطرح نفسه ، ماذا عن المعرفة التي ضاعت بمرور الوقت ؟! ، هل نحن حقًا أقل جهلًا اليوم من أسلافنا ؟! ، هناك أجد تاريخًا لظاهرة الجهل التي رافقت البشرية في مجالات مختلفة مثل العلم والسياسة والحروب والأعمال والكوارث الطبيعية ، وهناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تلقي الضوء على أنواع الجهل المختلفة ، سواء كان عمديًا أو غير عمد ، واعيًا أو غير واعٍ ، مما يؤدي إلى بحث متعمق في المعرفة الإنسانية عبر العصور
... من مقولات الفيلسوف الألماني (شوبنهاور) ، الإرادة الحقيقية ، هي المحرك الأساسي ل (العقل) فهي من تجعله يفكر والمقولة لها تفسير ، قوة (الإرادة) هي الرجل القوي الأعمى وهو شيئ ضروري ومكمل ل (العقل) المشار إليه بالرجل الكسيح أي المشلل الذي يستطيع أن يرى ، لطالما إتفق العلماء والفلاسفة جميعا بغير إستثناء على أن جوهر العقل هو الفكر والإدراك ، والإنسان بالنسبة إليهم حيوان عاقل ، بيد أن (شوبنهاور) عزم على نبذ هذا التصور وطرحه جانبا ، لأن (الإدراك) في آخر المطاف مجرد قشرة سطحية لعقولنا ، ونحن لا نعي شيئا عما في داخل هذه القشرة السطحية ، لأنه تحت هذا العقل الواعي إرادة واعية أو لاواعية ، وهي قوة حيوية مكافحة ملحة وفاعلية تلقائية ، إرادة ذات رغبة حقيقية ، وبهذا المنطق فسلطة العقل على الإرادة لايبقى لها أي وجود ، بل يصبح العقل خادما يقوده سيده ، وبالتالي فالإرادة هي الرجل الأعمى القوي الذي يحمل العقل على كتفيه باعتباره رجلا أعرجا ومبصرا ، فنحن لا نريد شيئا لأننا وجدنا أسبابا له ، ولكن نجد أسبابا له لأننا نريده ، هو تفسير فلسفي والجمهور الذي يستطيع أن يصل لهذه المرحلة من الإدراك ويفكر بهذه الطريقة يستحق أن يمتلك فريقا ذات إرادة حقيقية
... وإلى لقاء فى الجزء الثالث إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق