الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

صُوَرٌ بقلم دعد عبد الخالق

صُوَرٌ...

صُوَرٌ... صُوَرٌ... صُوَرٌ متناثرةٌ هنا وهناك، تتحكّم بنا وتَجعلنا في ثوانٍ معدودات نَسبحُ في عالم الذكريات.
كنتُ دومًا أتساءل: كيف تَمتلكُ صورةٌ القدرةَ، ليس فقط على تجسيدِ اللّحظةِ في مُخيلتي، بل أبعدَ من ذلكَ بكثير؟ فهي تجعلني أتحسّسُ تفاصيلَها بحواسي الخمس: عِطرُ أُمّي، ملمسُ يدِ طفلي، أُغنيةُ فيروز، وجوهُ أصدقائي، ومذاقُ كعكاتِ جدّتي.
هي صورٌ ليست إلّا، ولكنّها تُخلّدُ لحظاتِنا، وتحملنا على أجنحتِها مُرفرفةً بنا في سماءِ الذكريات. ومع كلِّ صورةٍ نستحضرُ قِصّةً، وتعلو في رؤوسنا أصواتُ المُتحدّثين يومذاك.

وكم تمنّيتُ أثناءَ تقليبي صُورَ طفولتِي لو امتلكتُ قدرةً خارقةً تجعلني أَدْلُفُ داخلَها وأعيشُها مُجدّدًا، مُحاطةً بأحبّاءٍ فقدتُهم، جالسةً في حِضنِ أُمّي للمرّةِ الأخيرة، أو محمولةً على كتفي أبي وقَلبي يَرقصُ فرحًا، أو حتى سارحةً مع رفيقاتِ الطفولةِ في جنائنِ ضيعتي، نَقطفُ زهورَ الربيعِ ونصنعُ منها عُقودًا تُزيّنُ أعناقَنا.

ويا حبذا لو استطعتُ مرةً أخيرةً طرقَ بابِ صَفِّي لأدخلَ وأجلسَ بين رفاقي، ندرسُ ونُشاغبُ ونستمتعُ بِدفءِ صفِّنا وشرحِ أساتذتِنا. ثم ننتظرُ تحقّقَ حلمِنا الكبير، وهو سماعُ صوتِ الجَرَس الذي يسمحُ لنا بالخروجِ إلى عالمٍ استعجلنا التعرّفَ على تفاصيلِه، فخابَ أملُنا، وتمنّينا لو عُدنا صغارًا.

خبّئوا صورَكم جيّدًا واحفظوها من التّلف، ففيها تسكنُ أحلى لحظاتِ العمر، ورُبّما ستكونُ يومًا ما مَلاذَكم الوحيدَ لِتحمّلِ رحيلِ الأحبّاء واستعادةِ الذكريات.

دعد عبد الخالق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...