بقلمي : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، في الجزء الأول وجدنا أن الدراما إهتمت بنقل صورة واقعية من السجون للظلم والقهر والقمع والتعذيب لأصحاب العلم والرأى والفكر من خلال فيلم (البرئ)
... وكذلك في الجزء الثاني وجدنا إهتمام الكتاب والأدباء وأصحاب الفكر في تناول هذه القضية بكل أبعادها في أعمالهم الأدبية ، مثل الكاتب السوري (ممدوح عدوان) وماعرضه في كتابه (حيونة الإنسان) الذي كان أيقونة من أيقونات الثورة السورية
... وأهتم الفنانون المبدعون في الرسم فتناولوا نفس القضية بأسلوبهم المميز ولوحاتهم الخالدة
... وأقرب مثال على ذلك لوحة (سجين في زنزانته) 1878، للفنان الروسي (نيكولاي ياروشينكو) ، وفيها يلق الفنان بحجر ثقيل في مياه الإنسانية الراكدة ، فيرسم بصمته على زمنه ، ويترك النافذة مفتوحة لأسئلة تتجاوز حدود اللوحة وجدران الزنزانة
... وهنا نجد في اللوحة ، حيث الجدران الحجرية تتهامس ببقايا أصوات من عاشوا قبل هذا الرجل ، وحيث الصمت الصارخ يُقرع كطبول الحرب ، نرى سجينًا يجلس متكئًا على ظله ، لاعلى جدران زنزانته ، لحظة معلقة بين زمنين ، (ماضٍ) كان فيه حُرًا و (مستقبل) ضبابي لايملك له قرارًا ، رجلٌ لا يبدو خاضعًا لسجنه ، لكنه أيضًا لايحمل علامات التمرد بجلسته المهيبة وصمته البارد ، يبدو وكأنه غارق في رحلة عميقة نحو ذاته
... النافذة الصغيرة في أعلى اللوحة ، لا تفتح سوى على ضوءٍ شاحب ، كأنها ذكرى الشمس التي ماعادت تعرف طريقها إلى روحه ، إنه ضوء لا يحرر ، بل يُذكّره بشيء ما خارج الجدران ، شيء قد يكون حياةً أُهدرت ، أو ربما حلمًا لم تكتمل ملامحه
... الضوء هنا قد لا يكون مجرد وهج ، بل فلسفة قائمة بذاتها تطرح علي السجين أسئلة لايملك إجاباتها :
★ هل السجن هو هذه الجدران الباردة ، أم هو عقله الذي يرفض النسيان ؟!
★ وهل يليق به أن يستسلم للظلام أم يتمسك بهذا الضوء الهارب ، مهما كان واهنًا ؟!
... وهنا تختلط الرمزية بالواقع ، فهذه الزنزانة ليست مجرد مشهد ، بل تجسيدٌ لـ (حالة تاريخية) عاشتها روسيا (في القرن التاسع عشر) زمن القمع والرقابة ، حيث كان السجن رفيقًا لـ (المفكرين والمثقفين) ، وكل من تجرّأ على التفكير خارج الصندوق ، ربما كان هذا السجين صوتًا لآلاف الصامتين ، الذين لم ينكسروا أمام السياط لكنهم أُثقلوا بأسئلة الوجود التي لا ترحم
... ودائما لكل مستبد أعوان يتلصصون على أفراد مجتمعهم حرصا وحفظا لمصالحهم ، ومن لايروق لهم يكون مصيره تسليمه للمستبد وسجنه وتعذيبه ، هؤلاء أحيانا يكونون ظاهرين لشعوبهم كـ (رجال الأمن) وأحيانا مختفين كـ (رجال الأعمال) أو (المتسلقين) ولايعرفهم أحد ، والجميع كلهم يصبحون هدفا للثوار عند إندلاع الثورات وتحرير البشر من ذلك الظلم والإستعباد ، يكونون هدفا للمحاسبة من الثوار والقيادة الجديدة
... ومن ذلك كانت هذه الطرفة ، (إهرب لقد إكتشفوا أمرنا) ، هذه الجملة أرسلها الكاتب (مارك توين) لعدد من (الشخصيات) المرموقة في (أمريكا) على سبيل الدعابة ، وفي صباح اليوم التالي ، كانوا كلهم قد غادروا أمريكا ! (يكاد يقول المريب خذوني) ، والشئ بالشئ يذكر ، أكلت عنزةٌ بعض كتب الأديب (أحمد بهجت) ، فكتب مقالاً ساخراً يتهم فيه العنزة بمحاربة الفكر ، في اليوم التالي إشتكاه عشرة أشخاص ، كان كل واحدٍ منهم يعتقد أنه يقصده
... ومن ذلك نستخلص أن المنافقين والسيئين يعتقدون دائماً أن رسائلك موجهة إليهم (إن كنت حرا) في تقديرهم ، فيقرأ كل إنسان نفسه في كلامك ، وكل إنسان يتحسس بطحة على رأسه !
... حتى أصحاب المذاهب الإقتصادية والفكر الإشتراكى إهتموا بنفس القضية وماتتعرض له الشعوب من ظلم واستعباد من الرأسماليين وأصحاب الأعمال ، وهذا ماسنراه في الجزء الرابع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق