مجلة ضفاف القلوب الثقافية

الأحد، 5 يناير 2025

فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين(9) بقلم علوي القاضي

(9)فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين(9)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، حكي صديقي أنه عاد ضرسه يؤلمه ، وكأنه يختبر تحمله للألم ، وبعد أن قضي ليلته ، وكان يظنها الأصعب تألما قام بعلاجه ، وأنا أختلف عنه ، فمشكلتي مع آلام الأسنان بسيطة ، لأنني أحافظ على نظافتها ، فلماذا تؤلمني من الأساس ؟! 
... في كتاب (سيكولوجية الجماهير) لـ (غوستاف لوبون) قال ، أن قوام العالم (اللذة والألم) ، أي أن أصعب مافي العالم (الألم) ، وقرأت لـ (فيلسوف) ٱخر ، كل مالا يؤلم يمكن إعتباره لذة ، لِذا أحاول أن أفعل شيئًا لأخالف ماقاله (جوستاف لوبون) ، وهو أن أجعل من الألم لذة ، فلدينا تاريخ كبير ، من التلذذ بالألم ، تحت مسميات وفلسفات وإنتماءات مختلفة ، سواء (دينية أو فكرية أو فلسفية) ، ولكن لماذا لانحاول أن نستمتع بهذا الألم القاتل ؟! ، بأن نحول دقات الألم إلى سيمفونية ، وليس أن نغيب عن الوعي من فرط ذلك الألم وبدون سبب واضح ، سوى نقص الحكمة ! وحينما يواسينيا صديق على مابنا من ألم ، نكذب عليه ، وندعي الحكمة ، ونقول له : أن الألم لذة العارفين ، رغم قسوة الألم ، ونريد اليوم أن نفقه الألم ، ونجعله كلذة بدون سبب  
... أيها الأحباب يجب أن نسأل أنفسنا (كيف يحدث الإدمان عندما نواجه محفزات مفيدة ؟!) ، يمنحنا نظام المكافآت لدينا مشاعر ممتعة ، عن طريق إطلاق مواد كيميائية مصنعة داخل الدماغ تسمى الناقلات العصبية
... ولأننا نريد المزيد من هذه المشاعر الجيدة ، فإننا نبحث عن المزيد من هذه المحفزات ، وبما أن المواد الإباحية تعد من المحفزات الخارقة ، فان الدماغ يزيد من إفراز الناقلات العصبية أكثر من الطبيعي فتتعزز روابط عصبية خاصة بإدمان الإباحية في الدماغ في كل مرة تشاهد تلك الأفلام الإباحية فان هذه الروابط تقوى أكثر وأكثر 
... ومع مرور الوقت يصبح التخلص من الإدمان صعب للغاية لأن الروابط العصبية أصبحت قوية للغاية ، والدماغ أصبح يفهم أن الإباحية شئ جيد لبقائنا ، مما يؤدي إلى كثير من الأمراض النفسية تزداد وتستفحل عند الإنسحاب من هذا الإدمان ، وهذه الحقائق كانت مضمون كتاب (أمة الدوبامين)  
... حينما نصول ونجول في كتاب (أمة الدوبامين) تأليف الدكتورة (ٱنا ليمبيكي) طبيبة علم النفس ، سنغير نظرتنا تماما عن السعادة المزيفة (الإدمان)
... أخي الكريم هل فكرت يومًا كيف أننا أصبحنا مهووسين بالمكافآت الفورية ؟! ، وكيف أصبح هاتفك ، ووسائل التواصل الإجتماعي ، أو حتى كوب قهوة الصباح مصدرًا للسعادة اللحظية التي تختفي بسرعة ؟! 
... كتاب (أمة الدوبامين) يأخذك في رحلة إستثنائية لإستكشاف كيف أصبحنا أسرى لعصر المتعة السريعة ، وكيف يمكننا إستعادة السيطرة على حياتنا 
... (آنا ليمبيكي) الطبيبة النفسية ، تفتح أعيننا على قوة (الدوبامين) ، هذا الناقل العصبي الذي يشعل فينا شرارة السعادة والرغبة ، لكنها أيضًا تبيّن لنا الجانب المظلم منه ، حيث أن الإفراط في البحث عن السعادة اللحظية يقودنا إلى (الملل ، القلق ، وفقدان المتعة) في الأشياء البسيطة
... فـ (الدوبامين) بطلٌ وشريرٌ في آنٍ واحد ، وهو الوقود الذي يدفعنا للسعي وراء المكافآت ، إنه يجعلنا نشعر بالسعادة عند تحقيق أهدافنا ، ولكن المشكلة تكمن في أن الدماغ مبرمج ليبحث عن المزيد والمزيد ، كل مرة نحصل فيها على دفعة من الدوبامين ، تصبح الجرعة السابقة غير كافية ، ونجد أنفسنا عالقين في حلقة مفرغة من الرغبة المستمرة وهذا هو (الإدمان) بعينه
... نحن في (عصر الوفرة) ، عندما تصبح (المتعة) متاحة بضغطة زر ، في عالم اليوم ، كل شيء متوفر ، (التسوق) بنقرة واحدة ، (الترفيه) بلا توقف ، وحتى (التواصل الإجتماعي) أصبح رقميًا
... هذه السهولة أدت إلى تراجع قدرتنا على تحمل الملل ، وأصبحنا للأسف نبحث عن التحفيز الفوري بشكل دائم 
... في كتاب (أمة الدوبامين) توضح الطبيبة (ٱنا ليمبيكي) كيف تحولت حياتنا إلى سباق محموم نحو المتعة السريعة ، وكيف أثر هذا على صحتنا النفسية والجسدية ، والثمن الذي ندفعه يعد الجانب المظلم لهذه المكافآت الفورية ، فنحن نعيش في حالة إدمان دائمة ، لكن ليس على المخدرات أو الكحول فحسب ، بل على السلوكيات اليومية ، منها على سبيل المثال وليس الحصر (التمرير اللانهائي في وسائل التواصل الإجتماعي) ، (مشاهدة المسلسلات لساعات) ، أو حتى (التسوق المفرط) ، هذه الأنشطة تطلق كميات هائلة من الدوبامين ، لكنها تتركنا في النهاية (فارغين ، قلقين ، وأحيانًا مكتئبين) وهذا هو الجانب المظلم للمكافئات الفورية
... إذن كيف نكسر هذه الحلقة المفرغة ؟! 
... الطبيبة (ٱنا ليمبيكي) وضعت خطوات عملية للتحرر من هذا الإدمان وقدمت حلولًا عملية لإستعادة التوازن النفسي والعقلي والجسدي ، ومن أبرز نصائحها :
.. (الصيام الدوباميني) ، بمعنى تخصيص أوقات للإبتعاد عن كل الأنشطة التي تمنحنا متعة فورية ، مثل الهاتف أو مشاهدة الفيديوهات
.. (إعادة ضبط الدماغ) ، عن طريق ممارسة أنشطة بسيطة مثل التأمل أو المشي في الطبيعة
.. (تحديد الأولويات) ، التركيز على العلاقات ذات المعنى والأنشطة التي تبني حياتنا بشكل إيجابي بدلاً من الإستهلاك المستمر
.. (السعادة الحقيقية) ، ليست في المتعة السريعة وليست في اللحظات العابرة ، بل في بناء حياة ذات مغزى ، عندما نبتعد عن السلوكيات التي تستهلك طاقتنا العقلية ، فإننا نستطيع أن نكتشف الجمال في التفاصيل الصغيرة ، مثل ، قراءة كتاب أو قضاء وقت ممتع مع العائلة ، أو حتى الجلوس مع أنفسنا بهدوء وسكينة
... و (الرسالة النهائية)
لكتاب (أمة الدوبامين) ، ليس مجرد تحليل لظاهرة إجتماعية ، بل هو دعوة للتغيير ، إنه يذكّرنا بأن المتعة السريعة ليست الحل ، وأن السعادة تأتي من التوازن والصبر والبحث عن المعنى الحقيقي
... فإذا كنت تشعر أنك عالق في دوامة البحث عن السعادة اللحظية ، فإن هذا الكتاب سيكون بمثابة البوصلة التي تعيد توجيهك نحو حياة أكثر إتزانًا ورضا
... ودائما نسأل أنفسنا ، هل نعيش لنبحث عن السعادة فقط ، أم لنخلقها ؟!
... وإلى لقاء في الجزء العاشر والأخير إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق